الحلويات الصيداوية انطلقت من المدينة القديمة إلى العالمية


تشهد حركة ناشطة عشيّة عيد الفطر وخلال شهر الصوم

«الجندولين» و«الإخلاص» و«السمرة»... حكاية أجيال تناقلت الخبرة

الحلويات الصيداوية... تراث تناقلته العائلات وعملت على تطويره

عشية عيد الفطر المبارك، ينشغل الناس في شراء احتياجات العيد، ومعها تدب الحركة في المدينة على أكثر من صعيد، يقابلها حركة مماثلة نشطت منذ بداية شهر رمضان المبارك في صناعة الحلويات...

حلويات اتخذ بعضها من أسماء العائلات الصيداوية أسماً لها، وتناقلتها الأجيال جيلاً بعد آخر، ومعها تزداد الخبرات في تطوير الأصناف التي تمزج بين الحداثة والتقليد من جهة، وبين الحلويات العربية والإفرنجية من جهة ثانية...

نجاح ترجم في إنتشار فروع للحلويات الصيداوية في المدينة وخارجها، ومعه زيادة الإقبال على شراء الحلويات خلال شهر الصوم وعيد الفطر، حيث تتحوّل المحال الى خلية نحل لتأمين طلبات الزبائن...

«لـواء صيدا والجنوب» يُسلط الضوء على صناعة الحلويات في مدينة صيدا...

تطوّر وعراقة

تاريخ صناعة الحلويات في صيدا، لا يزال يحفظ عراقة متأصلة، تنشط خلال المناسبات والأعياد، خصوصاً في شهر رمضان المبارك وعيد الفطر، حيث يسير العمل على مدار الساعة لتلبية احتياجات الزبائن، مع الحفاظ على سر الصناعة الذي لا يزال حكراً على بعض العائلات، حيث تشتد المنافسة داخل العائلة الواحدة حيناً وتتكامل فيما بينها أحياناً أخرى.

صناعة تقوم بها عائلات صيداوية أعطت من خبرتها للحلويات أسماً، وخصوصاً السنيورة والسمرة التي لا زالت صناعة صيداوية بامتياز، تُحافظ على نكهتها الخاصة، ومعها سائر العائلات من آل جويدي والقبلاوي والبابا والديماسي والإسكندراني وغيرها، لتصل إلى العالمية بعدما خرجت من أزقة مدينة صيدا القديمة لتحفظ تراث أجيال متعاقبة.

«الجندولين»... ابتكار وتجدّد

ولأن الابتكار ساعد في إعطاء شهرة للحلويات، كان المعمول بحجمه الصغير على يد الحاج حبيب جويدي (صاحب «حلويات الجندولين»)، الذي اتخذ من التمر والفستق في سبعينيات القرن الماضي البادرة الأولى، ليكمل أولاده هذا النجاح.

{ مدير عام «حلويات الجندولين» عبد الكريم حبيب جويدي، أشار إلى «أن شركة «جندولين» للحلويات، تأسست في العام 1975 في حي الوسطاني في صيدا عبر الحاج حبيب جويدي، ومن ثم توسعت عبر فروع جديدة بفضل ما قام به الوالد من ابتكار أصناف جديدة من الحلويات والتركيز عليها، فحاز على شهرة واسعة عبر المعمول الصغير الحجم المحشو بالتمر، وكذلك البقلاوة الصغيرة».

وقال: «لقد اشتهرت «حلويات الجندولين» بهذا الإنتاج قبل أن تنتج في أي محل آخر في لبنان أو سوريا. ونحن اليوم نعمل على مواصلة تطوير أصناف الحلويات، حيث اتسع عملنا ولم يعد مقتصراً على تلبية طلبات الزبائن في لبنان، بل أصبحنا نقوم بالتصدير اليومي إلى دول عديدة ومختلف المناطق اللبنانية».

وأوضح «أن رمضان يقبل فيه الزبائن على شراء الحلويات مثل العثملية والمدلوقة، لذلك قمنا بتطوير أصناف جديدة منها ما حمل اسم «الجندولين»، إضافة إلى تطوير المدلوقة التي تصنع عجينتها بالفستق واللوز، والجزرية بالقشطة، فضلاً عن «سويسرول» حلاوة الجبن بالقشطة والكاتو بالقشطة مع الكريما، حيث نقوم بدمج الحلويات الغربية مع العربية، وهذا يُعطي تطويراً لصناعة الحلويات ويستقطب زبائن جدد، كما إننا نضيف الفاكهة وعصيرها إلى الحلويات، وذلك يعطي نكهة جديدة تروي الصائم، وهذه الأصناف الطيبة باتت مقصداً للزبائن».

وختم جويدي: «كما إن «حلويات الجندولين» طوّر خدماته وفروعه وهو لديه مطبخ متميّز في تقديم المأكولات أيضاً، وذلك في فرع الأولي عند المدخل الشمالي لمدينة صيدا المطل على الشاطئ الصيداوي، حيث حمل مطعمه اسم «بيت جود»، وهو يستقبل الزبائن من مختلف المناطق لتقديم وجبات الإفطار والسحور والأطعمة المميّزة على مدار العام».

«الإخلاص»... تعدد الفروع

{ بدوره الحاج زهير قبلاوي (صاحب «حلويات الإخلاص») وضع هدفاً في صناعة الحلويات بجعلها في متناول جميع المستويات وبأسعار مدروسة، فضلاً عن التوسّع في مختلف المناطق اللبنانية.

مدير «حلويات الإخلاص» – فرع سينيق بلال الميسي «أبو آدم»، أوضح «أن «حلويات الإخلاص» انطلقت من «عاصمة الجنوب»، صيدا، وتوسعت فروعها لتشمل الأراضي اللبنانية، وذلك بعد ازدياد الطلب عليها تلبية للزبائن، حيث نقدم الحلويات والمأكولات بأسعار مدروسة وبمتناول الجميع».

وقال: «إن انتشار أصناف الحلويات بات هو السمة الغالبة، بعدما كانت في السابق كل مدينة تختص بنوع محدد من هذه الحلويات، والدولة العثمانية كانت متميّزة في حلوياتها، وفي عهدها انتقلت الحلويات من بلد الى آخر ومنها لبنان، لكن بالتأكيد هناك تميّز في طريقة إعداد الحلويات، فضلاً عن التميّز في النوعية والأسعار، ولا بد من التركيز على الإثنين معاً، لأن الجودة يجب أن تترافق مع السعر المدروس، كي لا تكون الحلويات حكراً على طبقات معينة دون غيرها».

وأضاف: «اشتهرت مدينة صيدا بالحلويات التي انتشرت في جميع المناطق، وأول الحلويات الصيداوية كانت تسمى التمرية، ثم أصبح أسمها الكلاج، ويقال أن السنيورة هي من الحلويات الصيداوية البحتة وانتشرت إلى كل العالم، وكانت في السابق تصنع على شكل حلق مدور، لكن لسهولة التصنيع أصبحت اليوم تُصب في قوالب وتأخذ شكلها الحالي، أما الجزرية وخصوصاً القرع، التي كانت تتنج في برك داخل مدينة صيدا القديمة، أصبحت الماكينات تُساعد على تصنيع هذه الحلويات بشكل أسرع».

وختم بأن «الطلب يزداد على الحلويات في شهر رمضان، لأن الصائم يحتاج إلى المواد السكرية كي يستعيد عافيته، والحلويات العربية تتميّز باحتوائها مواد طبيعية مثل: الحليب والسمن البلدي والجوز والفستق الحلبي، وكلها مواد طبيعية، وهي تعطي طاقة لجسم الإنسان، كما أن المصابين بمرض السكري أو الذين يريدون تخفيف وزنهم، بات بإمكانهم تناول الحلويات التي لا تحتوي على نسبة عالية من السكر».

«السمرة»... احتكار للمصلحة

{ أما «حلويات السمرة» التي اتخذت من الجزرية والمكسرات على أنواعها مجالاً لإنتاجها، فإنها تشهد تنافساً كبيراً داخل العائلة الواحدة.

مدير «حلويات السمرة الممتازة» خضر الغربي، أشار إلى «أن «حلويات السمرة» بدأت مسيرتها منذ 180 عاماً مع والد جدتي أبو إبراهيم السمرة، الذي كان يبيع في صيدا القديمة هذه الحلويات، إضافة إلى الملبس والمعلل، وبما أنه لم يكن لديه صبيان، علّم المصلحة لجدي الذي تزوج ابنة عمه، وقام جدي بتطوير المصلحة، لكن كونه لم يكن لديه صبيان أيضاً، قام بتعليم المصلحة لشقيقه زهير السمرة، وعندما كبر أولاد زهير وعملوا معه، لم يرضَ البعض باستمرار قسمة الأرباح بالنصف، فاضطروا إلى الانفصال في المحال، وبما أن جدي لم يكن لديه صبيان تشارك مع والدي من آل الغربي الذي يعد استكمالاً لخبرة محمد السمرة».

وقال: «الجميع يضع على محله السمرة الأصلي، ونحن نترك الأمر لكل زبون ليحدد ما هو الأطيب، وبالتأكيد فإن البضاعة الأطيب لا ترتبط فقط بالعمر في المصحلة، لأن البعض قد يتقدم والآخر قد يتراجع، لأن الحلويات تتطلب أيضاً المعاملة «الحلوة» مع الزبائن، ونحن قمنا بتطوير أنواع الحلويات مواكبة لرغبات الزبائن، وبعدما كان مركزنا الرئيسي في شارع الدكتور غسان حمود، أصبح فرعنا الرئيسي الذي تم افتتاحه منذ 14 عاماً على أوتوستراد الدكتور نزيه البزري – الشرقي».

وختم الغربي: «تشتهر «حلويات السمرة» بشكل خاص بإنتاج الجزرية والسمسمية والفستقية وكل ما خصّه بالمكسرات، وفي النصف من شعبان تُطلب الجزرية بشكل كبير، وفي رمضان فإن جميع المحال تهتم بإنتاج المرطبات أيضاً، وحالياً لا تزال مصلحة السمرة تتمتع بنكهة وخبرة خاصة لا تتوافر لدى محال الحلويات الأخرى، وذلك بفضل سر الخلطة، التي تتميّز حتى ضمن العائلة الواحدة، وهي تنتقل من جيل لآخر، لكن ليس لكل الأولاد، لأن صناعتها تحتاج إلى رغبة من قبل القائمين عليها، وهي لا زالت حكراً على مدينة صيدا».

تعليقات: