عدادات الوقوف في النبطية بين البلبلة.. و«المصيدة»

عدادات الوقوف في النبطية بين البلبلة.. و«المصيدة»
عدادات الوقوف في النبطية بين البلبلة.. و«المصيدة»


«وقّف يا زمان»، كان مطلع أغنية الفنانة جوليا بطرس دائم الحضور في يوميات أبناء النبطية، بعدما أعطي الضوء الأخضر لتشغيل عدادات الوقوف أو «الباركميتر». سمّوه بادئ الأمر «احتلالا للأرصفة»، لكنّهم ما لبثوا أن تأقلموا مع هذه الماكينات، وقيّموها إيجابياً نظراً إلى فاعليتها في تخفيف زحمة السير في النبطية.

وبعد سنوات عدّة من معايشة «هذا المشروع الحضاري»، علت صرخة النبطانيين مجدداً منذ حزيران الماضي، بعدما أفسح المجال للشركة المستثمرة «مد مارك»، وبالتنسيق مع بلدية النبطية، بتوسيع نطاق عملها، ما أدى إلى وقوع عشرات السيارات في شباك محاضر «وقوف مخالف».

المدرّس حيدر بدر الدين كان أحد الذين «اصطادتهم» التدابير المستحدثة. يقول: «فوجئت بسيارتي المتوقفة في شارع المصطفى، مكللة بمحضر ضبط ، قيمته 5 آلاف ليرة، ويستحق بدل إضافي بقيمة 15 ألف ليرة في حال عدم تسديد القيمة المستحقة من تاريخ الإصدار، ويجب دفعه في الليبان بوست خلال 7 أيام، وإلا تحصّل المستحقات بقيمة 75 ألف ليرة عند دفع رسوم السير السنوية للميكانيك». يضيف: «صحيح أن الشارع كان مخططاً ولكن لم يكن هناك عدادات، ولا إشارات واضحة على أن الوقوف مدفوع. وحين استفسرت من موظف الشركة، أشار إلى لوحة، تبعد مسافة خمسة مواقف. وتشبه إلى حد التطابق اللوحات التي ترفعها الشركة لشرح قيمة بدل الوقوف، والأوقات التي يتوجب فيها الدفع، والتي ألصقت الى جانبها صورة العداد التنازلي؛ أي أنها تخير المواطن بين استعماله أو استعمال النقود المعدنية لتشغيل العداد. ولكنها تحمل علامة (only) أما اللوحة الجديدة فتفرض الوقوف باستعمال عداد تنازلي حصراً».

بلبلة الـ «only»

هذه الظاهرة التي امتدت إلى عدد من شوارع المدينة، وهي: المصطفى، شارع الشهيد محمود فقيه، والشارع المحاذي لمصرف لبنان قرب «موقف التحرير»، حصدت بغراماتها عشرات السيارات التي «وقعت في الفخ». وأثارت غضب النبطانيين، إذ كيف يمكن لمن يقصد المدينة في زيارة يتيمة أن يضطر إلى شراء عداد تنازلي سعره 32 ألف ليرة ليستعمله لمرة واحدة؟ وفضلاً عن «الخدعة البصرية» التي استخدمت بإضافة عبارة (only) إلى اللوحات التي سبق أن اعتادها أهالي المدينة، فهذه اللوحات ليست موحدة. فمنها ما لا يحمل تفاصيل الأيام والتوقيت، ومنها ما يتضمن الإشارة إلى التوقيت في الأيام العادية، ويومي الأحد والجمعة، من دون يوم السبت. فهل يعني ذلك أن المواطن يدفع بدل الوقوف في غير الأوقات المفروضة لذلك؟ وأن الشركة والبلدية تستوفيان البدل من دون وجه حق؟

تقدم بعض أصحاب السيارات التي تم تغريمها بشكوى خطية لدى البلدية لمعالجة ما وصفوه بـ«النهب المنظم»، الذي تمارسه الشركة على مرأى من البلدية. ويوضح رئيس البلدية أحمد كحيل أن «استعمال العداد التنازلي بشكل حصري أثار بلبلة في المدينة، بعدما كان استعماله مع العداد الآلي قد حقق نتيجة إيجابية في الحد من زحمة السير ومخالفات المرور». وبعدما وُعد أهالي المدينة، شفهياً، بايقاف العمل بالعداد التنازلي حصرياً، وإلغاء الغرامات التي سبق أن سطرت، لم تتم إزالة اللوحات المستحدثة ولا اللوحات الصغيرة التي تحمل علامة «اونلي» دون غيرها.

يؤكد كحيل أنّ «العمل سيتوقف بالعداد التنازلي في النبطية، وستتم تسوية كل الأمور ريثما تصل عدادات جديدة طلبت الشركة شراءها من الخارج».

ويهمس البعض أن البلدية اعترضت على المشروع لأنها لا تستوفي حصتها إلا من حصالات العدادات الآلية، من دون الغرامات، وبالتالي لن يكون لها من غرامات «العداد التنازلي» أي حصة، لكن كحيل ينفي هذا الأمر، مؤكداً «أن للبلدية نسبة 32 في المئة من مجموع ما تستوفيه الشركة».

من جهته، يستنكر مدير «مد مارك» مصطفى صيداني الاتهامات التي تكال يومياً للشركة، يقول: «شركتنا فازت بالمزايدة في 16 بلدية، لكن التعامل مع النبطية كان أكثرها عسراً، وبعد محاولتنا الشاقة لترغيب الأهالي بالدفع مقابل الوقوف، سعينا مراراً للتحلل من العقد الذي يربطنا بالبلدية، ولكنه ينص على تعويضات».

يضيف: «لدينا 550 عداداً في النبطية ، كل واحد بقيمة 700 دولار، وعشرة موظفين بين المكتب والمراقبة، لكنه مشروع غير مجد مادياً، فأكثر العدادات انتاجاً لا يثمر أكثر من 2000 ليرة يومياً. وبعض أصحاب المحال الكبرى ضربوا عرض الحائط بكل العدادات، فكيف يمكن أن نستمر؟».

وعن سبب اعتماد العداد التنازلي «only»، يقول صيداني: «اعتمدناه لأنه يوفر على المواطنين، ففيه 40 ساعة وسعره 32 ألفاً. ولأننا أردنا التوفير على أنفسنا، نقلنا العدادات الميتة إلى منطقة بير القنديل وغيرها، واعتمدنا العداد (only) لأننا لم نعد نستطيع تحمل كلفة الموظفين والصيانة».

أما عن جهل المواطنين للتدابير الجديدة، فيقول: «وزعنا أكثر من 35 ألف منشور في المدينة، ووضعنا 200 لوحة إعلانية كبيرة، وقد عمد البعض الى قصها من جذورها مع العمود المخصص لها لبيعها».

تسوية للغرامات؟

أمّا النقطة الأكثر حساسية فهي تباين القرارات بين الشركة والبلدية، إذ يقول صيداني إنّ «العمل توقف بالعداد التنازلي في بعض الأماكن، مثل الملعب قرب الحسينية، لكنه لم يتوقف في بير القنديل وشارع محمود فقيه وغيرهما. وبعد عيد الفطر سنقوم بتوحيد اللوحات، بعد استيرادها من ايطاليا، مع عدادات جديدة، علماً أنه سيبدأ العمل ابتداء من أول أيلول المقبل، بتعميم من وزارة الداخلية، يوحد بموجبه الغرامات والتوقيت في كل المناطق».

ويقول رئيس نقابة مكاتب السوق في لبنان حسين غندور إنّ «أخطر ما في الأمر هو وضع الإشارات على السيارات التي تم تغريمها، ولم تدفع المستحقات. وقد سبق أن واجهناه بعد العام 2008، إذ تبين أن أكثر من 500 ألف سيارة كانت صيداً ثميناً في شباك محاضر الضبط العشوائية، نتيجة اعتماد الباركميتر». فالشركة كانت ترسل المحاضر إلى هيئة السير، وعند قيام المواطن بطلب خدمة ما، يتم إخباره بأن المعاملة مجمدة، وقد وضعت إشارة حجز عليها بحجة أنه لم يدفع المخالفة.

يسأل المواطن عن الحل، فيطلب منه مراجعة «مصلحة الوقوف» التي عممت الشركة الخاصة رقمها على التذكرة المتعلقة بدفع البدل. يتصل المواطن على الرقم المعمم على أساس أنه يراجع «مصلحة الوقوف» التي من المفترض أن تكون تابعة للدولة، ولها رئيس وموظفون رسميون، فيتبين أنها «مصلحة وهمية». عبارة عن مكتب «تؤويه» هيئة السير في الدكوانة. فتطلب الموظفة من المتصل رقم السيارة وتزوده برقم تسلسلي يحمله إلى «ليبان بوست» فيبلغ بمخالفات لا يعرف أين حصلت، وقد تصل الغرامة إلى حد 400 ألف ليرة. ولا يمكنه مراجعة القضاء، لا سيما محكمة السير، أو إثبات عكس ما ذهب إليه المحضر. وحتى بعد دفع المبالغ المتوجبة قد لا يتم رفع الإشارة عن الملف، فتتدخل هنا «المساعي الحميدة» للسماسرة في هيئة السير، وفي الشركة الخاصة للتوسط في دفع الفدية مقابل الإفراج عن المعاملة. وقد سبق أن قدمت دعوى في هذا الصدد أمام النيابة العامة المالية، فأغلق الملف «لأنه غير متعلق بمال يعود للدولة، وإنما بأموال شركة خاصة»، وهذا ما يخرج عن صلاحيات النيابة العامة المالية. فمن يضمن حق المواطن؟».

إشارة عداد الوقوف الجوال التنازلي في النبطية
إشارة عداد الوقوف الجوال التنازلي في النبطية


... موقف مع الجيش!
... موقف مع الجيش!


تعليقات: