يوسف غزاوي: لم أكتب رواية بل نقلت تجربة إنسانية

غزاوي: أتمنى ألا تكون صرختي في واد (بلال قبلان)
غزاوي: أتمنى ألا تكون صرختي في واد (بلال قبلان)


نحن شعب مجنون لا يعطي أهمية للحياة

«غيرنيكا الخيام، جدارية الوطن المشاغب»، عنوان الكتاب الجديد للفنان التشكيلي اللبناني يوسف غزاوي (عن دار ومكتبة البصائر ودار الأنوار) وفيه سيرة ذاتية، هي أيضا سيرة الأمكنة التي تنقل بها الفنان، من قريته في الخيام، إلى العديد من دول العالم.

كتابة تأتي باللون حيث فضاءات اللوحة، ترسم صورة عن أفكار وحالات متعددة. هنا حوار حول الكتاب:

مع «غيرنيكا الخيام»، تصل إلى كتابك الثالث، ولأطرح سؤالا استفزازيا، هل تريد نسيان الرسم والتشكيل؟

^ لا طبعا، عندما أكتب، لا أقصد أن يكون الأمر على حساب اللوحة، فأنا من الذين يدعون إلى أن يكون الفنان التشكيلي كاتبا وباحثا على غرار معظم وكبار فناني العالم، والأسماء كثيرة منذ دافنشي حتى اليوم، حيث اننا لا يمكن أن نرى فنانا لا يوجد لديه نص كتابي إلى جانب نصه التشكيلي. حتى أن الذين كتبوا سيرهم الذاتية كثر. أعطيك مثلا في لبنان: مصطفى فروخ الذي وضع عدة كتب في الفن وعن تجربته الذاتية. لكن للأسف هناك نقص عند الفنانين التشكيليين في لبنان الذين يعتمدون فقط على الريشة واللون من دون إعطاء الأهمية للكلمة التي اعتبرها الجناح الآخر للون.

لكن مهمة الرسام والتشكيلي الأولى أن يرسم قبل أي شيء آخر؟

^ بالطبع، أنا في البداية، فنان تشكيلي تفتحت على اللون والضوء في اللوحة، ولم أكن أعتقد أني سأصل إلى يوم أستطيع فيه أن أكون كاتباً من دون ادعاء أيضاً. فمهمتي ليست القيام بكتابة رواية مثلا، بل بنقل تجربة إنسانية مررت بها ليتعظ ربما منها الآخرون من فنانين ومثقفين. ثم إني باحث في الفن التشكيلي وأعطي للكلمة أهمية وأعمل على اللغة إلى حد ما، إذ تخصصت باللغة العربية إلى جانب الفن التشكيلي في آن.

لِمَ هذه السيرة الآن؟ ألا تعتقد أنه من المبكر كتابتها؟

^ نحن في بلد يتعرض فيه الإنسان، في أية لحظة، لموت وشيك، ربما اغتيالا أو قنصا أو ضحية عبوة متفجرة، لأن هذا البلد يذخر بالمشاكل والحروب حتى أصبح هذا الأمر عنوانا لهذا البلد للأسف. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية رأيت أن الأشياء التي مررت بها في حياتي جديرة بالذكر، سواء على الصعيد التشكيلي أو على الصعيد الحياتي في لبنان أو في الخارج أثناء دراستي، ثم إن هذا المؤلَف هو صرخة ودعوة إلى الخروج من جو التشرذم والفتنة وتقدير أهمية السلام والفن في الحياة. يقول سقراط إن الحياة التي لا تتمعن فيها لا تستحق أن تعيشها وبالتالي علينا التمعن جيدا في تجاربنا وتاريخنا للاتعاظ بها نحو رؤية مستقبلية واعدة.

السؤال الذي غالبا ما يطرح عليك، لِمَ أنت مقلّ في إقامة المعارض؟

^ عدت من باريس عام 1994، أقمت حتى الآن 7 معارض، بمعدل معرض كل سنتين ونصف، وهذا شيء أعتبره طبيعيا علما أني أنتج كثيرا، لكن خسارتي لأعمالي وأعمال زوجتي خلال حرب تموز عام 2006 وتدمير محترفي، شكلا صدمة قوية لي، علما أنها المرة الثالثة في حياتي التي أخسر فيها أعمالي، لكن هذه المرة كانت من حيث الكمية والنوعية ضربة موجعة. توقفت بعدها عن الرسم فترة طويلة حتى استعدت نشاطي وتوازني، فأقمت معرضي الأخير في اليونسكو هذا العام، الذي ضم أعمالا جديدة بقياسات كبيرة، إلى حدّ ما، مع بعض الأعمال القديمة التي قصدت منها التذكير بالمراحل التي مررت بها منذ بدايتي على صعيد التشخيص، لأن معرضي الأخير حمل طابعا تشخيصيا مباشرا إلى حد ما، وكي لا أصدم المشاهد الذي لم يتابع مسيرتي منذ بدايتها، ثم إني أرفقت نصا مع معرضي كعادتي، شرحت فيه ما قصدته في أعمالي بدلالاتها وجمالياتها وإلى ما هنالك.

«صدمة وعي»

من يقرأ سيرتك الذاتية هذه، فلا بدّ من أن يتوقف عند الجزء المتعلق بباريس، وكأن هذه المدينة شكلت لك «صدمة وعي» لا زلت تحتفظ بها لغاية الآن؟

^ صحيح، إن ذهابي إلى باريس كان حلما راودني منذ بداية دراستي الفن، حيث وضعت أمامي هدفا وهو الذهاب إلى هذه المدينة الساحرة لمتابعة دراستي وتخصصي بالفن التشكيلي. فسافرت إلى باريس عام 1985 بموجب منحة أعطيت لي من الدولة الفرنسية، وتركت بلدا مجنونا اسمه لبنان، ومدينة اسمها بيروت، تعيش حربا أهلية مدمرة وقاتلة. وكما ذكرت في كتابي الذي خصصت نصفه للحديث عن باريس ودراستي وحياتي بها، والتي شكلت وعيي الثقافي والفني، وأعطتني شكلا جديدا لمّا يزل يلازمني حتى هذه اللحظة بعد عودتي إلى لبنان، الذي لم تتغير فيه الأمور بل إننا لا نزال نحس أن الحرب الأهلية التي ذكرتها تأخذ وجوها مختلفة أكثر جنونا وعبثا، كما نعيش هذه الأيام. فنحن شعب مجنون لا يعطي أهمية للحياة، نعيش شيزوفرينيا وجودية وثنائية قاتلة.

كيف انعكست لحظتا باريس وبيروت الحرب، كلاً على حدة، في لوحتك وفي كتاباتك أيضا؟

^ في لوحتي ظهر هذا الشيء عندما كنت أعيش في باريس، حيث مررت بمراحل فنية عدة بعد رؤيتي عن كثب أعمال الفنانين الغربيين، لكن عندما عدت إلى لبنان أخذ وجه آخر في الظهور في أعمالي، هو وليد الجو الذي نعيشه في هذا البلد، بمعنى آخر هي أعمال تحاكي الوضع السائد في بلدنا ومستوى المشاهد اللبناني الذي يقل ثقافة فنية عن الغرب. أما بالنسبة إلى كتاباتي، باستثناء رسالة الدكتوراه في باريس وبعض مقالاتي القليلة، لم تكن هناك بهذا الكم الموجود حاليا، إن لجهة تأليف الكتب أو كتابة مقالات وأبحاث متعددة في الصحافة اللبنانية، وبخاصة في «السفير الثقافي».

أشرت هنا إلى قلة الثقافة الفنية، وهذه نقطة مهمة موجودة في الكتاب، حيث تتطرق إليها، كأن ثمة نقمة تجاه شريحة واسعة من اللبنانيين؟

^ في كل مرة أصدر فيها كتاباً، أعاهد نفسي على ألا أعيدها، فكتابي الثاني «رؤى تشكيلية حديثة ومعاصرة»، الذي طبعته الجامعة اللبنانية لأهميته الفنية، للاسف لم يلق الرواج أو التغطية التي يستحقها، وأتمنى ألا يلقى كتابي الجديد المصير نفسه، إذ وضعت فيه عصارة تجربتي الحياتية والفنية، وهو يشكل صرخة مدوية لما مررت به من صعوبات ومعاناة، خصوصاً بعد رجوعي إلى لبنان من الخارج. ومن يقرأ الكتاب يعرف عما أتكلم. أتمنى أن لا أكون أصرخ في واد، بل أن يكون لصوتي وقع إيجابي في ما أدعو إليه.

أجرى الحوار:

إسكندر حبش

تعليقات: