«الطـابـق الميقـاتـي».. طـابـق مـر إضـافـي

يتوقع خبراء اقتصاديون أن يتسبب «الطابق الميقاتي» بتفاقم أزمة السكن أمام الطبقة الوسطى وما دون (فادي أبو غليوم)
يتوقع خبراء اقتصاديون أن يتسبب «الطابق الميقاتي» بتفاقم أزمة السكن أمام الطبقة الوسطى وما دون (فادي أبو غليوم)


«الطـابـق الميقـاتـي».. طـابـق مـر إضـافـي

موارد جديدة، لتمويل سلسلة الرتب والرواتب، على طاولة مجلس الوزراء، أبرزها، حتى الآن: فرض ضرائب جديدة على القيمة المضافة، على الطوابع المالية، وعلى فوائد صغار المودعين في المصارف، من دون أن تطال في المقابل الفوائد التي تتقاضاها المصارف على القروض المصرفية، تضاف إليها ضرائب على الكماليات، وعلى تسوية مخالفات الأملاك البحرية، والمساحات المبنية المرخصة، وزيادة الاستثمار على الأبنية الجديدة، المسماة عرفاً «الطابق الميقاتي»، نسبة إلى الاقتراح الذي قدمه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

المشاكل المالية

بعد الاعتراضات على طابق الميقاتي فنياً واقتصادياً، يبدو أن عدداً من الوزراء سيأخذ بالتعديلات التي أدخلها التنظيم المدني عليه. ويعدد الخبير الاقتصادي غازي وزني مجموعة من الاعتراضات، هي: التسبب في ارتفاع أسعار العقارات مرة جديدة، وبالتالي تفاقم أزمة السكن أمام الطبقة الوسطى وما دون. فتح الباب أمام الهدر المالي، والرشوة في التخمينات العقارية، التسبب بالاكتظاظ السكاني، وحصول أزمة في البنية التحتية من مجاري للمياه والكهرباء والهاتف، كونها غير قابلة لاستيعاب الزيادة في الشقق السكنية.

ويوضح أن اقتراح الرئيس ميقاتي يتضمن زيادة عامل الاستثمار بنسبة عشرة في المئة في جميع المناطق من دون تمييز، بينما يوجد فارق في عدد الطوابق المسموح ببنائها في المناطق، يجب الأخذ به. ففي بعض المناطق لا يتجاوز العدد المسموح به أربعة، وبالتالي يمكن زيادة الاستثمار بنسبة خمسة وعشرين في المئة من المساحة المبنية بشكل أفقي، وليس عموديا كما هو في بيروت.

ويرى وزني الذي يشارك في الاقتراحات المقدمة للحكومة أنه إذا مر اقتراح «الطابق الميقاتي» يمكن عندها استثناء العاصمة بيروت.

التعديلات البيئية والهندسية

فنيا، بادر رئيس المجلس الأعلى للتنظيم المدني الياس الطويل إلى تقديم اقتراح معدل لـ«الطابق الميقاتي»، بالتعاون مع «نقابة المهندسين في بيروت». وارتأى وزير الأشغال العامة غازي العريضي عدم السماح للطويل بالحديث في الموضوع، وتلك هي المرة الأولى التي يمنعه فيها، مع العلم بأن الطويل هو من اجتمع ونقيب المهندسين إيلي بصبوص، إلى الرئيس ميقاتي، وقدما إليه الاقتراح.

وبوصفه لا يحتاج إلى إذن رسمي، أوضح نقيب المهندسين أن الرئيس ميقاتي اعتمد في دراسة زيادة عامل الاستثمار على مستشاريه الخاصين، «وقد بادرنا إلى الطلب منه معالجة الموضوع في التنظيم المدني، أسوة بما يحصل في جميع دول العالم، وشعوراً منا بالحس الوطني، لكون التنظيم هو صاحب الاختصاص، وهو من يملك المخطط الشامل للأراضي اللبنانية».

وتتضمن الشروط البيئية التي يجب توفيرها في كل مبنى يخضع لزيادة عامل الاستثمار ما يلي: وضع إمدادات لتوفير الطاقة، تجميع مياه الشتاء في خزانات خاصة، إلى جانب خزانات المياه الأخرى، إقامة عزل حراري، ومحطة لتكرير المياه المبتذلة، واستخدام طلاء لا يحتوي على مواد مسرطنة.

ويوضح بصبوص أن زيادة العشرة في المئة، مثلما اقترح الرئيس ميقاتي، ستؤدي إلى بناء طابق واحد في بعض المباني، وأكثر من طابق في مبانٍ أخرى، وذلك استناداً إلى ارتفاعها، بينما اقترح التنظيم المدني زيادة عامل الاستثمار بنسبة خمس وعشرين في المئة أفقيا في المناطق التي لا يزيد عدد الطوابق فيها على أربعة، وطابق واحد على جميع المباني في المناطق الأخرى، مهما كان ارتفاعها، مع احترام المخطط الشامل للأراضي اللبنانية.

ويقول انه في فرنسا تمت زيادة عامل الاستثمار بنسبة ثلاثين في المئة، ولكن لتشجيع البناء الأخضر المنسجم مع البيئة، وضعت الدولة شروطاً بيئية، من يطبقها يستطع الاستفادة من زيادة عامل الاستثمار.

إذاً اختلف الهدف من زيادة عامل الاستثمار، ولم يعد لتحصيل الموارد، وإنما للأخذ في عين الاعتبار الشروط الهندسية والبيئية.

عائدات مبالغ فيها

يتفق الخبراء على أن العائدات المالية التي تحدث عنها ميقاتي من زيادة عامل الاستثمار مبالغ فيها جداً، وقدرها بين مليار وملياري دولار سنوياً. ويقول وزني ان العائدات تستند إلى مساحات البناء المرخصة سنوياً، وقد بلغت 14 مليوناً و700 ألف متر مربع في العام 2012 في جميع الأراضي اللبنانية.

انطلاقا من ذلك، يجيز اقتراح رئيس الحكومة استثمارات إضافية، بمساحات تقدر بمليون و470 متراً مربعاً سنوياً. ولأن أسعار الأمتار المربعة تتفاوت بين المناطق، فإن التقديرات الخاصة بالعائدات تراوح بين 500 و600 مليون دولار سنوياً، وذلك لسببين: أولاً لأن السعر الوسطي للمتر المربع في بيروت مثلاً، يبلغ ألفي دولار، بينما يبلغ في جبل لبنان 750 دولاراً.

أما المساحات المرخصة سنوياً في جميع الأراضي اللبنانية، فتتوزع كما يلي: 8 ملايين و708 آلاف متر مربع في جبل لبنان، مليون و340 ألف متر مربع في بيروت، مليون و834 ألف متر مربع في الجنوب، مليون و596 الف متر مربع في البقاع، ومليون و30 ألف متر مربع في الشمال.

السبب الثاني هو وجود توقعات بموافقة خمسين إلى ستين في المئة من مقاولي البناء على الاقتراح، لأنه يترتب على المقاول نظرياً دفع ثمانين في المئة من قيمة الطابق للحكومة، لكنه عمليا يدفع أقل من ذلك لأن أسعار التخمين العقاري أقل من قيمة العقار. ويمكن التقدير عندها أن طرح ميقاتي يزيد من أرباح المقاولين بين ثلاثين وعشرين في المئة إضافية.

لكن، في ظل التباطؤ الذي يعيشه قطاع العقارات، ربما يقول المقاول إنه لا يستطيع بيع الشقق الموجودة لديه، فلماذا يبني طابقاً إضافياً؟ أما بالنسبة إلى الأرباح فإن المقاول يربح عادة خمسين في المئة في كل شقة يبنيها، وفي حالة الطفرة العقارية كما شاهدنا في الفترة الماضية، يبيعها بضعفين وثلاثة أضعاف ما هي عليه، كما حصل بين العامين 2007 و2011 .

إيرادات مساحات البناء المرخصة

وفي حين يرى بصبوص أن الإيرادات الإضافية الحقيقية تتأتى من الأرباح العقارية، مع عدم تحميل القطاع العقاري أكثر مما يحتمل. يقول وزني إن الحكومة تركز حالياً على القطاع العقاري من خلال طرحين هما: طابق الميقاتي، وزيادة الرسوم على مساحات البناء المرخصة، ويعتبر أن إيجابية الطرح الثاني تكمن في تأمينه إيرادات سنوية بقيمة أربعمئة مليون دولار، وهو لا يؤثر في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والنقدي، ولا البيئة، ولا يزيد من مشكلة السكن، بينما يسبب ارتفاعا طفيفا في أسعار الشقق السكنية، فإذا كان سعر الشقة يبلغ مئة ألف دولار، يزيد ثمنها فقط ألف دولار.

الطرح الثالث الخاص بالضريبة على الكماليات مثل السيارات والخلوي والتنباك والكحول، وتراوح عائداتها بين مئتين ومئتين وخمسة وسبعين مليون دولار.

أما الزيادة على الأرباح العقارية فإنها ستطال الأفراد وليس الشركات العقارية، بمعدل خمسة عشر في المئة، لأن الشركات تشكل «لوبي» لا تستطيع الحكومة اختراقه، مع العلم بأن أصحاب الشركات هم الذين حققوا الأرباح الهائلة خلال الأعوام الماضية.

ويتوقف وزني عند غياب الشفافية في تقدير الأرباح الفعلية للمبيعات العقارية بسبب تسجيلها بأسعار متدنية، فإذا باع تاجر عقارات مثلا بقيمة مليون دولار، يدفع ضريبة بقيمة ثلاثة عشر ألف دولار، أي لا شيء.

يعتبر الخبير الاقتصادي في مجال العقارات ماريو مهنا أنه يجب توضيح أمور عدة للمواطنين في هذا المجال، أولاً أنه يوجد ثلاثة أنواع من الضرائب على العقارات، وهي ضريبة التسجيل عل كل عقار، وتبلغ خمسة في المئة من قيمته، وضريبة فرضها الرئيس فؤاد السنيورة عندما كان وزيراً للمالية على شراء الأرض السليخ أو شقة، وتبلغ خمسة عشر في المئة، وضريبة الدخل على الأملاك المبنية، وتسمى مسقفات.

ويقول ان حجم السوق العقارية المصرح عنه، وليس الفعلي، بلغ في العام 2012، تسعة مليارات دولار. ولنفترض أن الحجم الفعلي للسوق العقارية هو اثنا عشر مليار دولار، فإنه يشكل نسبة قليلة من الدخل القومي الذي بلغ تسعة وأربعين مليار دولار في العام 2012. وفي حال فرضت الحكومة واحداً في المئة على الأرباح العقارية، فإنها تحصل تسعين مليون دولار، أو خمسة في المئة فإنها تحصل أربعمئة وخمسين مليون دولار.

ويسأل مهنا: لماذا لا تفرض الحكومة مثلاً ضرائب على سندات الخزينة؟ التي يملكها أصحاب رؤوس الأموال؟ ولماذا لا تزيد الضرائب على الشركات التجارية الكبرى التي تستورد بملايين الدولارات؟ ويقول هنا ان العائدات السنوية لأحد التجار تبلغ مليوني دولار، بينما يصرح لوزارة المال إما بالخسارة وإما «كيت» أي بعدم الربح. فأي عقل يرضى بذلك سوى العقل الخاضع للتجار؟

أين الضريبة التصاعدية؟

تبحث الحكومة دائما عن الحلقات الأضعف، بينما يجب أن يكون الحل في إعاده هيكلة الضرائب، يقول مهنا، وذلك عبر فرض ضرائب تصاعدية على مجمل الدخل، لكل فرد أو مؤسسة، كما يحصل في دول العالم: على كل فرد التصريح عن دخله من العمل والأملاك، وفرض ضريبة عليها سلة واحدة، هكذا تستطيع الحكومة تحصيل دخول، وليس عبر الخضوع لمشيئة كبار التجار؟

وبالنسبة إلى بصبوص يكمن الحل في تطهير الإدارة، وإعادة هيكلة الوزارات والمؤسسات، عبر إدخال موظفين كفوئين، مقابل رواتب محترمة. وليس الاستمرار في موضوع السلاسل من دون إصلاحات. ويقترح عقد طاولة حوار لتلك الغاية، لأن قضية القطاع العام من أهم المسائل الوطنية. ويقول إذا أعطيت السلسة فسترتفع الأسعار في السوق مرة جديدة بعد ارتفاعها جراء الزيادة على الأجور، فيكون قد أخذ في يد ما أعطى باليد الأخرى.

تعليقات: