معركــة عنيفــة بيــن المســلحين والجيــش الســوري شــمالاً

الأضرار لحقت ب 15 منزلاً في بلدة الهيشة («السفير»)
الأضرار لحقت ب 15 منزلاً في بلدة الهيشة («السفير»)


وادي خالد: قتيلان وجريح.. وهواجس عند مقلبي الحدود

تطورت الأوضاع الأمنية على الحدود الشمالية في منطقة وادي خالد أمس الأول بشكل دراماتيكي، وذلك بعد تكرار الخروق الأمنية عند مقلبي الحدود، والتي كانت ترفع دائماً من حدة التوتر الذي وصل إلى حدّ الانفجار، فكانت نتيجته مقتل شخصين وإصابة آخر بجروح، إضافة إلى أضرار فادحة في المنازل والممتلكات. فقد تصاعدت وتيرة العنف في منطقة وادي خالد التي كانت تشهد هدوءاً نسبياً منذ أشهر، فعاشت مواجهات وصفت بالأعنف منذ بدء الأحداث السورية، وجرى قصف بلدتي الهيشة والمقيبلة بالقذائف والصواريخ، بعد تعرض الجيش السوري لإطلاق نار من الأراضي اللبنانية، على خلفية مقتل المواطن حسين العزو (40 عاماً) برصاصة قنص في رأسه.

وفي التفاصيل، أن حسين كان في طريق عودته من أرضه الواقعة في بلدة خط البترول باتجاه بلدة الهيشة، فقتل على طريق عام قرية الناصرية برصاصة من الجانب السوري، الأمر الذي أثار غضب الأهالي الذين قاموا ليلاً بالانتشار على الحدود، حيث فتحت معركة فعلية بدأت منذ الساعة الثانية بعد منتصف الليل، واستمرت حتى ساعات الصباح الأولى فحصدت قتيلا هو أحمد شهاب (عضو في مجلس بلدية الهيشة) وتسببت بجرح شقيقه هاني شهاب.

لا يخفي وجهاء العشائر في وادي خالد قيام شبان بإطلاق النار وإطلاق قذائف الهاون باتجاه الأراضي السورية، تعبيراً عن غضبهم جراء مقتل المواطن العزو، وهو ما يندرج في إطار «فشة الخلق»، الأمر الذي أدى الى قيام الجيش السوري بقصف كامل المنطقة من ثلاثة محاور، بحسب ما يؤكد وجهاء العشائر وهي: محور الغيضة، ومحور كسارة المشيرفة، ومحور الناعسية، وذلك باستخدام المدافع والصواريخ.

«المعركة غير متكافئة» يقول أحد رؤساء البلديات في المنطقة، والدليل حجم الخراب الذي أصاب البلدات الحدودية، لافتاً إلى «أننا حاولنا تهدئة الأمور وضبط الناس ولكننا فشلنا، وكانت النتيجة قصفاً عنيفاً لم يتوقف إلا بعد مفاوضات قامت بها مجموعة من الفاعليات التي تتواصل مع الضباط السوريين».

جو من الحزن والأسى لف أمس، بلدة الهيشة التي انهمك أبناؤها في تشييع الضحيتين العزو وشهاب، كما تم فتح منزل النائب السابق جمال إسماعيل لتقبل التعازي. تساؤلات ليس لها أجوبة، وخوف على المصير والممتلكات التي باتت في مرمى نيران الجيش السوري، وهلع ينتاب أهالي بلدة خط البترول: «نحن الحلقة الأضعف»، يؤكد المواطنون. و«كل من يزورنا يقتل، لقد بتنا محاصرين، لا نخرج من منازلنا بعد الساعة السادسة مساء، ولا نتجول ليلا مهما كانت الظروف»، يؤكد أحد سكان البلدة، «كما أن كل من يمر من هنا إما يقتل أو يطلق النار عليه».

ففي البلدة التي تضم ما يقارب الألف نسمة، منهم 250 مدرجة أسماؤهم على لوائح الشطب، كان من المفترض أن تخاض المعركة الانتخابية منذ أيار الماضي، لكن حينها تم حرمان البلدة من هذا الحق بسبب الظروف الأمنية، واليوم فقد دفعت الظروف نفسها بأبناء البلدة الى الاتفاق على لائحة توافقية فازت بالتزكية».

ماذا بعد؟ يسأل الشيخ خالد عزو (من فاعليات عشيرة الغنام وقريب الضحية حسين): لماذا يتم التعامل مع أهالي وادي خالد بهذا الشكل؟ أين الدولة التي يجب أن تحمي أبناءها؟ أيعقل أن يبقى الضحية ساعة كاملة وهو ينزف من دون أن نتمكن من سحبه بسبب كثافة النيران؟ ماذا نفعل؟ الى أين نذهب؟ هل المطلوب أن ننزح من قرانا؟

ينتقد الشيخ عزو دور القوى الأمنية والجيش اللبناني، مؤكدا «أن لا دولة من دون جيش ونحن نريد من جيشنا أن يحمينا، لا أن يسير دوريات في المنطقة ويقيم الحواجز ومن ثم يتراجع مع أول طلقة رصاص».

«كل الأضرار المادية تعوض، ويمكننا أن نتفهم كل شيء»، يقول مروان الوريدي، لكن اصطياد الناس عن طريق القنص أمر مرفوض، وعلى ما يبدو ان الأمور تتجه الى مزيد من التصعيد وذلك بسبب تكرار عمليات القنص المتعمد، ويضيف: جميعنا يعلم أن منطقة خط البترول منطقة خطرة ولكن ماذا يفعل الناس؟ ومن أين لهم أن يعتاشوا؟ «وادي خالد ليست من لبنان» يقول نائب رئيس بلدية الهيشة أحمد العلي «فحدود لبنان تنتهي عند بلدة شدرا، أما نحن فعلى ما يبدو منطقة متنازع عليها بين لبنان وسوريا»، مؤكدا «أن أحدا لم يطلق النار على الجيش السوري، بل هم يريدون فتح معركة ويعمدون إلى التنفيس عن غضبهم في مناطقنا، والأنكى انهم قاموا بفتح سد مياه النهر الكبير لحماية مناطقهم، وإلحاق الضرر بأراضينا وقرانا».

«العناية الالهية حالت دون حدوث كارثة» تقول إحدى النازحات السوريات: «لقد ترددنا في إخلاء المنزل الذي يضم عشرة أشخاص، ولكننا سارعنا إلى النزول إلى الشارع، خوفاً من شدة القصف، وما إن وصلنا الى الطريق حتى سقطت قذيفة على المنزل وألحقت أضرارا كبيرة به». وتضيف: «هي لعنة تلحق بنا، لقد نزحنا طلبا للأمان وإذ بنا ننشده ونحن داخل الأراضي اللبنانية».

المصيبة كبيرة على عائلة شهاب، فكل ما كان يهم أحمد وشقيقه هاني هو تفقد والدتهم وطمأنة إخوتهم الصغار، لكنهم وما إن وصلوا حتى أصابتهم قذيفة عند مدخل المنزل فقتل أحمد أمام أعين والدته، وأصيب هاني بعدة شظايا، نقل على اثرها الى مستشفى السلام، حيث أفيد لاحقا أن حالته مستقرة.

ترفض العائلة التحدث مع أي كان حيال ما جرى، كما يؤكد شقيقهم خالد «انهم لن يدلوا بأي تصريح في الوقت الحالي، وان العائلة ستعلن موقفها في بيان رسمي بعد عدة أيام».

إحصاء عدد القذائف التي تساقطت في مختلف أرجاء البلدة، ليس أمرا سهلا، فأكثر من 25 قذيفة انفجرت في شوارع البلدة، وألحقت أضرارا جسيمة في أكثر من 15 منزلاً من بينهم منزل رجل الأعمال محمد سليمان، الذي حضر منذ الصباح الباكر لتفقد الأضرار والعمال الذي يقطنون بجانب دارته. وبعد لقاءات مع وجهاء البلدة عقد سليمان مؤتمرا صحافيا تساءل فيه، هل أصبح المزارع إرهابيا؟ وهل أصبح المواطن الآمن في بيته إرهابيا؟ أين مواثيق الشرعية الدولية من هذه الاعتداءات اليومية على وادي خالد؟ وناشد سليمان الرؤساء الثلاثة «أخذ موقف واضح من التعديات المتكررة والقصف المدفعي والدعوة لنشر الجيش على الحدود، وإذا تعذر ذلك، فلا مانع من نشر قوات دولية».

وكثرت المواقف السياسية الشاجبة للحادثة أمس، وأبدى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أسفه «لاستمرار سقوط الضحايا اللبنانيين جرّاء الأعمال العسكرية قرب الحدود اللبنانية»، مؤكداً «ضرورة الاستمرار في التزام الموقف المحايد القاضي بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وخصوصا سوريا»، داعيا «الجانب السوري إلى الامتناع عن اطلاق النار والقذائف في اتجاه الاراضي اللبنانية». وأجرى سليمان سلسلة اتصالات مع المسؤولين المعنيين، وطلب إلى الأجهزة المختصة التحقيق في ظروف حصول هاتين الحادثتين.

كما أدان الرئيس نجيب ميقاتي استهداف المناطق اللبنانية الحدودية لا سيما وادي خالد بالقذائف نتيجة المواجهات داخل المناطق السورية المتاخمة للحدود. وقال: «نشجب سقوط ضحايا لبنانيين جراء أحداث لا ذنب لهم بها، وندعو السلطات السورية المعنية إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع تكرار مثل هذه الاعمال». أضاف: «طلبت من وزير الخارجية إبلاغ السلطات السورية رسمياُ رفضنا هذا الامر ومطالبتنا بعدم تكرار حصوله».

تعليقات: