مجزرة كفريا تناساها السياسيون وشغلتهم \"كباية الشاي\" في مرجعيون

نقل الجرحى والضحايا بعد الانقضاض على الموكب في كفريا. (رونيت ضاهر)
نقل الجرحى والضحايا بعد الانقضاض على الموكب في كفريا. (رونيت ضاهر)


وقائع اقتحام ثكنة مرجعيون وتضحيات "القوة الأمنية" وسط العاصفة

ثكنة مرجعيون او مقر قيادة "القوّة الأمنية المشتركة" التي لعبت دورا أساسيا وبارزا خلال عدوان تمّوز 2006، تحوّلت مادة اعلامية دسمة تجاذبها الأطراف السياسيون وانقسم حولها اللبنانيون بين مدافع ومتّهِم، وبين مطالب بالتكريم ومطالب بالعقاب. فما قصّة هذه الثكنة وما حقيقة ما دار فيها لدى دخول الجيش الاسرائيلي المحتل اليها؟ ولماذا صمت الجميع عن جريمة كفريا؟

قبل سرد الوقائع التي حدثت في الثكنة، لا بد من الاضاءة على بعض الجوانب المتعلّقة بهذه القوّة منذ تشكيلها في أيار 2000 وحتى انتهاء مهمّتها مع نهاية حرب تمّوز وانتشار الجيش في الجنوب.

فقرار مجلس الوزراء الصادر في تاريخ 15/6/2000 وقرار وزير الداخلية والبلديات الصادر في تاريخ 4/8/2000 يحدّد انشاء قوّة أمنية مشتركة من ألف عنصر (مناصفة من الجيش وقوى الأمن الداخلي)، وتُسند قيادتها الى عميد في قوى الأمن يعاونه ضابطان من الجيش وضابطان من قوى الأمن، وترتبط بوزير الداخلية مباشرة. ويحدّد القرار أيضا مركزها في ثكنة مرجعيون مع غرفة عمليات رئيسية، والمركز الآخر في مهنية بنت جبيل مع غرفة عمليات فرعية (300 عنصر). اما المهمّة التي تتولاها القوّة فهي المحافظة على الامن الداخلي في المناطق المحرّرة عبر تنفيذ دوريات وإقامة حواجز متحرّكة.

لم تكن مهمّة هذه القوّة سهلة في المنطقة الحدودية حيث فرضت عليها قواعد اللعب المحلية والاقليمية واقعا مقيّدا ومشروطا. ولعلّ أكبر تحدّ واجهته ولا سيما منها المجموعة الخامسة التي ترأسها العميد عدنان داود منذ 16/2/2006، كان عدوان تمّوز الذي شكّل مفصلا مهمّا في تاريخ المنطقة، لأنه غيّر قواعد اللعبة مجدّدا... كان تحدّيا لأن المجموعة الأمنية لم تكن مجموعة قتالية والسلاح الذي في حوزتها وبحسب قرار انشائها كان عبارة عن مسدّس وبندقية ووحدة نار لكلّ جندي، لذلك تحوّلت من مجموعة لحفظ الأمن الداخلي الى خلّية خدمات انسانية وطبية بهدف تأمين الغذاء والدواء واجلاء المصابين ونقل الجرحى. فرغم كل الصعوبات التي واجهتها لناحية انقطاع الطرق وملاحقة الطائرات الاسرائيلية لدورياتها، فإنها لم تتوقّف يوما عن التزامها الانساني حيال من صمد وبقي في قراه لتأمين مقوّمات الصمود له، مثل المازوت والمياه والخبز وغيرها... وقد أُصيب نتيجة لذلك ثلاثة عناصر كانوا ينقلون الخبز الى بلدة بليدا. وممّا قامت به القوّة الأمنية دفن جثث الضحايا في بعض القرى، ونقل الجرحى الى المستشفيات وحتى الى خارج المنطقة بالتعاون مع الصليب الأحمر والصليب الاحمر اللبناني، عبر اجتياز نهر الليطاني لأن الجسر كان مدمّرا، كما كانت تنقل المساعدات الغذائية عبر النهر ايضا من النبطية لتوزيعها على أبناء مرجعيون والقليعة والمهجّرين من القرى المجاورة، اضافة الى اجلاء عدد كبير من ابناء عديسة ومركبا وحولا وميس الجبل بالتعاون مع لجنة الصليب الأحمر أيضا وايوائهم وتأمين الغذاء اليومي لهم من الثكنة. ولا ننسى المهمّة الشاقة التي قامت بها بالتعاون مع الكتيبة الهندية لسحب جثث الضباط الاربعة من فريق المراقبين الدوليين الذين سقطوا بغارة اسرائيلية في الخيام...

فضلا عن استمرار الدوريات ليل نهار لبعث روح الطمأنينة في نفوس ابناء المنطقة، اضافة الى الجولات اليومية التي كان يقوم بها قائدها العميد داود في القرى لتشجيع الناس على الصمود وحضهم على عدم مغادرة المنطقة. فداود ابن بلدة الخيام ويعرف طبيعة المنطقة وابناءها جيّدا، لذلك فهو لم يغادر الثكنة اطلاقا طوال مدة الحرب. ولا بد من الاشارة الى ان "القوّة الأمنية" كانت المؤسسة الرسمية الوحيدة التي صمدت في المنطقة وصمد معها عدد كبير من أبناء بلدات مرجعيون والقليعة وبرج الملوك الذين استقبلوا آلاف اللاجئين من مختلف القرى المجاورة، وأعلنوا جميعهم ربط مصيرهم بمصيرها، أي اذا انسحبت فينسحبون واذا بقيت فيبقون. وكانت توجّهات قائد القوّة الصمود لعدم تفريغ المنطقة وتفويت الفرصة على الاسرائيليين لتنفيذ مآربهم. وقد نجحت هذه المساعي حتى العاشر من آب، أي بعد 28 يوما على بداية الحرب، فكان دخول الاسرائيليين الثكنة نقطة تحوّل أساسية في سير الحرب وأدّى في النهاية الى انسحاب القوّة الامنية الى خارج المنطقة وانسحاب ألوف المواطنين معها فلاحقتهم عين الاجرام لتصطادهم في كفريا حيث قتلت سبعة وجرحت 82 شخصا... دون رقيب ولا حسيب! ولا ننسى ما تعرّضت له المجموعة الأمنية التي كانت في بنت جبيل في التاسع عشر من تمّوز حيث استهدفت لقصف اسرائيلي عنيف أُصيب نتيجته مساعد قائد القوّة العقيد فؤاد عثمان (المسؤول عن المجموعة في بنت جبيل) مع ستة عشر عنصر آخرا، اضافة الى تهدّم المبنى الذي كانوا يشغلونه. وقد اتصل حينها العميد داود بالرئيس نبيه برّي ليلا لسحب هذه القوّة فاتّصل الاخير بقائد القوّة الدولية آنذاك الجنرال آلان بيلليغريني للمساهمة في تسهيل انتقالها الى سرايا تبنين خشية وقوع مجزرة محتّمة.

احتلال الثكنة

ليلة 9-10 آب لم تكن من ليالي حرب تمّوز العادية، فأبناء المنطقة لم يعرفوا طعم النوم اطلاقاً – وإن كان قد هجرهم منذ بداية الحرب - غير انّ تلك الليلة كانت مختلفة، لأن مجلس الوزراء الاسرائيلي المصغّر اتّخذ قرارا بالأجتياح مسافة تراوح بين اثنين وستة كيلومترات. وبدأ الاجتياح فعلا مترافقا مع قصف عنيف ومتواصل حتى الصباح بحيث تقدّم الاسرائيليون على محورين: سهل مرجعيون الذي اجتازته الدبابات الاسرائيلية، وتل نحاس الذي عبره الجنود في اتجاه القليعة ومرجعيون. وعند الصباح تبيّن ان المنطقة احتُلّت كلّيا ولم يعد يُسمع أي اطلاق للنار مع تقدّم الاسرائيليين بكثافة في اتجاه بولفار مرجعيون صعودا نحو الثكنة وهذا ما كان يخشاه المواطنون، لأنهم يعلمون ان "القوّة الامنية" التي اقتصر دورها على الخدمات الانسانية غير مجهّزة بأعتدة حربية ولا قدرة لها على المواجهة الا اذا قرّرت الانتحار الجماعي الذي ولو حصل لطاول المدنيين أيضا...

اذاً، عند التاسعة صباحا، وصل الاسرائيليون الى مدخل الثكنة، وبحسب تقرير المفتّش العام لقوى الأمن الداخلي العميد سيمون الحداد ومصادر الضباط والجنود الموجودين في الثكنة فإن الاسرائيليين طلبوا مقابلة قائد المجموعة، عندها اتّصل العميد داود بوزير الداخلية الذي وافق على مقابلتهم ورافقه ضابطان من الجيش الى مدخل الثكنة حيث بادره رائد اسرائيلي بأن عليهم البحث معه في شأن الثكنة كي يخرجونها من نطاق عملياتهم الحربية لذلك فهم يريدون معرفة عديد العناصر الموجودة ونوع العتاد العسكري والأسلحة والذخائر وهل توجد عناصر لـ"حزب الله” فيها. وبعد وقت قليل، حضر عدد كبير من الجنود الاسرائيليين على رأسهم مقدّم يُدعى أشعيا وقال: "نحن الجيش الذي احتل المنطقة، وسندخل الثكنة طوعا أو قسرا". ثم دخل الثكنة لالقاء نظرة على المباني ومحتوياتها وعلى مخازن الأسلحة، فسأله العميد السبب، فردّ قائلا: "لدينا معلومات بوجود عناصر من حزب الله في الثكنة او عناصر تدين بالولاء له. فأجابه العميد أن الثكنة لا تضم سوى عناصر من قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني وتخضع لوزارة الداخلية ومهمّتها حفظ الأمن وهي ليست قطعة مقاتلة، وسأله وقت مغادرتهم الثكنة فأجابه أنه ينتظر الأوامر ثم غادر بعد نحو ساعة قائلا ان من الممكن أن يعود. وعند الرابعة بعد ظهر ذلك اليوم فوجئ من في الثكنة بإطلاق نار غزير داخلها، وبحركة دبابات عنيفة. وتبيّن ان الاسرائيليين قد دخلوا بدباباتهم باحتها مطلقين النار في كل الاتجاهات. ولدى محاولة العميد التدخّل أبلغه رئيس المجموعة ويُدعى "غيل" وهو برتبة عقيد أن قرارا صدر عن الجيش الاسرائيلي بتمركز المجموعة في الثكنة فأجابه العميد أن هذا الأمر مستحيل لأنهم اعداء ولا يمكن البقاء معاً. فسارع الضابط الاسرائيلي الى القول أن هناك تجارب سابقة كتجربتي سعد حداد وانطوان لحد فردّ عليه العميد: "لست سعد حداد ولا انطوان لحد وسأبلغ مرجعيتي بالأمر". وبعد اتصال العميد بالوزير احمد فتفت أشار عليه بالتريّث والهائهم بعض الوقت ومنعهم من التحرّك داخل الثكنة، ثم ابلغه أنه اتّصل بالرئيس فؤاد السنيورة الذي اتّصل بالسفير الاميركي جيفري فيلتمان الذي أبلغ بدوره نظيره الاميركي في اسرائيل ما يجري في الثكنة. وبعد اتصال الأخير بوزير الدفاع الاسرائيلي عمير بيريتس أبلغه ان الأمر مغلوط. وفور تبلّغ العميد داود هذا الأمر، أبلغ ذلك الى العقيد الاسرائيلي الذي رفض الاستماع اليه، طالبا ارشاده الى مخازن الأسلحة واخلاء المبنى الذي توجد فيه المخازن. ففعل ذلك العميد مجبراً، ولدى عودته الى مكتبه، أبلغ الضباط الذين كانوا يرافقونه بعدم التحدّث مع الاسرائيليين اطلاقا وابلاغ العناصر بذلك آخذاً على عاتقه هذه المسؤولية لمنع حصول اي احتكاك لا تُحمد عقباه. وفي هذا الوقت، كان الاسرائيليون المتمركزون في الثكنة قد بدأوا بإطلاق النار في اتجاه بلدة الخيام ومحيطها، في حين دخل احد الضباط الاسرائيليين ويُدعى المقدّم محمد الى مكتب العميد سائلا اياه قراره النهائي، فأجابه بضرورة خروج أحد من الفريقين. فخرج الضابط الاسرائيلي منفعلا، وبعد وقت قصير عاد مجدّدا برفقة ضباط آخرين فاحتجزوا داود ومعه خمسة ضباط بينهم ضابط مخابرات في مكتبه، كذلك فعلوا بباقي العناصر واضعين حرّاسا على مداخل المباني والمكاتب والغرف. وبعد الاتصال مجدّدا بوزير الداخلية، تبلّغ منه انهم أصبحوا أسرى حرب وان على الاسرائيليين التعامل معهم على هذا الأساس. وقام العميد بسلسلة اتصالات مع مختلف المراجع في حضور الضباط الاسرائيليين. فعدا عن تواصله المستمر مع وزير الداخلية، حاول الاتصال برئيس جهاز المخابرات في الجيش فلم يُوفّق به، لكنه تواصل مع مساعده العميد شحيتلي الذي كان يتولّى مهمّة التنسيق مع قيادة "اليونيفيل"، اضافة الى تواصله مع قادة "حزب الله" للتنسيق معهم في كل شاردة وواردة.

وعند الخامسة والنصف صباح الحادي عشر من آب، أبلغه وزير الداخلية ان القرار بانسحاب "القوّة الأمنية" من الثكنة قد اتُّخذ وسوف يشرف على ذلك ضباط من القوّة الدولية. وبالفعل دخل الاسرائيليون مكتب العميد عند السادسة صباحا فاندلعت مشادة كلامية بينهم وبينه امام ضباط "اليونيفيل"، وخاطبه أحد الضباط الاسرائيليين: "لا تستغربوا ذلك فنحن جيش احتلال وأنتم تحت الاحتلال وعليكم القيام بما نطلبه منكم قسرا والا تعرّضتم للأذية". ثم طلبوا اكواباً من الشاي، فرفض العميد ذلك، ثم ما لبث ان استجاب طلبهم نزولاً عند اصرار ضباط "اليونفيل". وخلال النقاش، طلب الاسرائيليون جدولا بأسماء العناصر فرفض العميد خوفا من أسر الذين يدينون منهم بالولاء لـ"حزب الله" فاستعيض عنها بإبراز البطاقة العسكرية عند الخروج من الثكنة.

والجدير ذكره ان الاتصال بالعميد داود وباقي الضباط لم ينقطع طوال هذه المدة، فما إن شاع ان المجموعة الامنية ستخلي الثكنة حتى تجمّع الوف المواطنين على الطريق الرئيسية لمرجعيون قرب الثكنة، رغم معرفة الجميع بأن الاسرائيليين ينتشرون في معظم المنازل التي احتلّوها في القليعة ومرجعيون وعاثوا فيها خرابا لا تفعله شعوب بربرية جاهلة، لكن القرار الذي اتّخذوه منذ بداية الحرب بالرحيل اذا ما رحلت "القوّة الامنية" جعلهم يتحدّون الانذارات الاسرائيلية لهم بعدم المغادرة وخصوصاً في القليعة ومرجعيون عبر "الاذاعة المشرقية" رافضين أن يكونوا دروعا بشرية..

وامام مدخل الثكنة حيث الضياع الكبير والخوف من المصير المجهول، مصير المنطقة الذي بدا على كف عفريت.. بكاء من هنا وصراخ من هناك وأسئلة حائرة عن سبب قصف طريق برغز التي كان سيسلكها الموكب بعد أن أعلمنا ممثلّون عن الصليب الاحمر بذلك، اضافة الى اقتراحات بالجملة والمفرّق طرحها المواطنون فحمّلها العميد داود الى ممثّلي الصليب الأحمر الدولي الذين نقلوها الى الاسرائيليين فرفضوها كلّها متذرّعين بأن على أبناء المنطقة منع "حزب الله" من اطلاق الصواريخ. وهنا كانت المفارقة: كيف يمنح العدو الموكب اذنا بالمغادرة ثم يقطع الطريق عليه؟! فهل كانت مجزرة كفريا معاقبة لـ"القوة الامنية" والمدنيين الذين أصرّوا على المغادرة معها؟

وعندما كان ذلك متعذّرا صباحا، طلب العميد من المواطنين العودة الى منازلهم ريثما تحصل الموافقة على ذلك ويجري اصلاح الطريق التي قطعها القصف الاسرائيلي (واعتبرها البعض انذارا بعدم السماح بالمغادرة). فجاء اقتراح من القوّة الدولية بالمغادرة بطريق الخردلي، فرفض العميد داود لأن الجسر كان مدمّرا ولا يمكن للمواطنين عبور النهر بسياراتهم العادية، لأن "القوّة الأمنية" كانت ردمت النهر في شكل جزئي لعبور سياراتها من اجل نقل الجرحى والمساعدات الانسانية، وأصرّ على اتباع المسلك المحدّد سابقا أي من طريق برغز آخذا على عاتقه ترميم الطريق واتصل وقتها بالعميد شحيتلي للحصول منه على إذن من قيادة اليونيفيل بعبور هذا المسلك، وجاءت الموافقة عند الثالثة والنصف بعد الظهر.

موكب مرجعيون

وقبيل انطلاق الموكب، فوجئ الجميع بمغادرة الضباط الدوليين بعد ان كان مقرّرا ان يرافقوا الموكب دون سبب او تبرير. غير أن الموافقة التي حصل عليها العميد أمام الجميع من مديرية المخابرات بالتنسيق مع قيادة القوّة الدولية في الناقورة أعطت الضوء الأخضر لانطلاق الموكب الذي ضمّ نحو 1500 سيارة بعد أن أعطى داود توجيهاته الى عناصر القوّة بالتوزّع بين المواطنين ومساعدتهم لأن الوقود نفد من عدد كبير من السيارات، فيما تعطّل عدد آخر بسبب الحرارة.

وبعد نحو ساعتين، وصلنا الى حاصبيا بعد أن ردمت الحفر، فاستقبلنا الأهالي على الطريق الرئيسية حاملين الخبز والمياه، كذلك في معظم قرى حاصبيا من ميمس الى الكفير وعين عطا وصولا الى راشيا الوادي حيث حلّ الظلام وأخفت عتمة الليل مخطّطات الإجرام التي كان يحضّرها العدو لاصطيادنا في كفريا عند العاشرة ليلاً اذ أطلقت طائراته الاستطلاعية التي كانت تلاحق الموكب تسعة صواريخ عشوائية فأصابت سبعة وقتلتهم وجرحت 82 آخرين فيما نجا العميد داود بأعجوبة لأن الطائرة استهدفته بصاروخين أخطأا الهدف. وتسبّبت هذه المجزرة بحال ضياع كبيرة فرّقت الموكب في مختلف الاتجاهات ولجأ عدد كبير من النازحين الى بلدتي جب جنين وكامد اللوز حيث باتوا ليلتهم هناك وسط علامات التعجّب والاستفهام عن سبب هذا الاجرام الذي طال مواطنين أبرياء عزّلاً، ونقل المصابون والجرحى الى مستشفيات المنطقة تحت اشراف القوة الامنية. وكانت الكارثة الكبرى التي آلمتنا لاحقا، المبررات التي اطلقها الاسرائيليون الذين تذرعوا أن الموكب خرج عن المسلك المحدّد له وأبلغوا ذلك الجنرال بيللغريني الذي استفسرهم عن السبب بناء على طلب العميد شحيتلي بعد ان اتّصل به العميد داود. وبعدما تأكّد لبيلليغريني ان الموكب لم يخرج عن مساره، ادّعى الاسرائيليون مجدّدا أن الموكب تأخر في الوقت...عذر أقبح من ذنب! واستمرت المبررات والادعاءات حتى اليوم الثاني، حين اعلنت الاذاعة الاسرائيلية أن قصف الموكب جاء نتيجة معلومات تفيد أن عناصر لـ"حزب الله" مندسّة فيه! أي ذريعة فالاسرائيليون انفسهم أنذروا الجميع بالمغادرة! عدا عن أعذار أخرى لا يقبلها المنطق... واردف الاسرائيليون مجزرتهم بمجزرة أبشع وهي محاولة الايقاع بين اللبنانيين عبر بث شريط مجتزأ لطريقة اقتحامهم الثكنة وتظهر العميد داود بصور لا تعبّر عن الواقع الذي حصل فعلا في الثكنة وقد أثبته التحقيق وافادات ضباط الجيش وقوى الأمن الداخلي ومصادرنا الصحافية الخاصة. فالعميد بحسب افادته، علّق على الأمر قائلا: "تمالكت نفسي أحيانا وبدوت منفعلا أحيانا أخرى وذلك لأدب الثقة في نفوس ضباطي وعناصري فهم تحت الاحتلال وكنت أتمنّى أن يعلّق المذيع على المشهد الذي بدا فيه الضابط الاسرائيلي الجالس امامي في المكتب وسلاحه في يده موجّها نحوي وإصبعه على الزناد ومعه عدد كبير من الاسرائيليين داخل المكتب وخارجه. ولو تركت لنفسي التصرّف على سجّيتها، لدب الذعر في عناصر الثكنة، لذلك اصررت على التصرّف بعنفوان وحصرت التكلّم مع ضباط العدو بنفسي مانعا الضبّاط والعناصر الموضوعين بأمرتي من التكلّم مع أيّ من ضباط العدو".

ولا بد من الاشارة الى خلاصة تقرير العميد سيمون الحدّاد الذي اعتبر أن "ال24 ساعة الاخيرة التي احتلّت فيها قوات جيش العدو الثكنة كانت ملأى بالأحداث الاليمة واجتازها العميد داود بحكمة وروية وخصوصاً أن هدفه الاساسي كان إخراج 350 عنصرا في سلام بينهم عناصر تمت بصلة الى "حزب الله" وتدين له بالولاء، وهذا ليس خافيا على أحد، فقد اضطر العميد الى عمل المستحيل لإخراجهم دون المسّ بهم او احتجازهم لدى جيش العدو الاسرائيلي" ويتابع التقرير: "من الناحية العسكرية فإن مبنى الثكنة المستقرة فيه قيادة هذه القوّة هو مبنى هزيل وقديم العهد ولا يتحمّل اي قذائف وغير مجهّز بأي ملجأ، ولم يكن السلاح الموزّع على العناصر والمتوفّر في المخازن من نوع الأسلحة التي يعتمد عليها لمقاومة هكذا عدوان وخصوصاً أن مهمة هذه القوّة كانت في الأساس لحفظ الأمن والنظام. اذا فالدفاع عن الثكنة بهكذا أسلحة ومبنى وتجهيزات هو ضرب غير محمودة عواقبه في حق العسكريين الموجودين".


 موكب النازحين من مرجعيون بعد احتلال الإسرائيليين للبلدة.
موكب النازحين من مرجعيون بعد احتلال الإسرائيليين للبلدة.


تعليقات: