البقـاع الغربـي : رفيـق درب قديـم .. منـذ أيـام الاحتـلال

في كامد اللوز العام الماضي (م.ع.م)
في كامد اللوز العام الماضي (م.ع.م)


البقاع الغربي ـ «السفير»

لم يعد البقاع الغربي كما عهده لبنان السياسي والاجتماعي. فالمنطقة تغيرت كثيراً بعد الانقسام الذي طال البلاد كلها وأصاب المنطقة بشكل كبير. تغيرت «الامزجة» وانقلبت المواقف والقراءات السياسية رأسا على عقب، وتحول «الخصم» المحلي الى صديق والصديق الى خصم وجب إبعاده، سياسيا واجتماعيا، عن المنطقة.

هذا الانقسام وتصاعده بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان، ترك آثاره السلبية في حيوات أبناء المنطقة المتنوعة ديموغرافيا، مع استمرار «العداء» السياسي في أخذ مداه «الصامت» غير المعلن على الرغم من وجود قوى سياسية واجتماعية ترى في الامر مبالغة غير واقعية.

يؤكد أكثر من مواطن في البقاع الغربي على دور المقاومة وشهدائها فـ«نحن قدمنا شهداء وتصدينا لكل الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان، وكنا العنصر الاساس في مقاومة العدو خلال احتلاله للمنطقة، وبالتالي لا يمكن لأحد إبعاد البقاع الغربي عن صراعه مع اسرائيل أو تزوير تاريخه».

هذا الكلام يجمع عليه حزبيون مـــوالون ومعارضون، ويـــرون في المزاج الشعبي اليوم «مشـــهدا» سرعان ما سيــأفل مع الايام.

سنة مرت على العدوان الاسرائيلي، وسنة مرت ايضا على احتضان أهالي البقاع الغربي للنازحين من الجنوب الى منطقتهم. هذا الاحتضان الذي يجاهر البعض انه لن يتكرر، تقابله «مجاهرة» غالبية ـ علنية بأنه سيتكرر لو وقعت حرب اسرائيلية اخرى.

يقول رئيس بلدية الصويري ظاهر الصميلي ان الحرب الاسرائيلية الاخيرة لم تكن فقط على حزب الله وجمهوره وانما كانت تستهدف كل لبنان و«ما قمنا به من استقبال للنازحين ليس سوى عمل بسيط جدا مقارنة بعمل المقاومة». ويؤكد الصميلي انه «لا سمح الله» في حال وقع عدوان جديد: «سنفتح بيوتنا وقلوبنا ومدارسنا ولن تؤثر الاختلافات السياسية في وجهات النظر في العلاقة في ما بيننا وبين أهل الجنوب والمقاومة لأنه كلنا في الاساس مقاومة واحدة ضد عدو واحد».

ويؤكد أكثر من مواطن في البقاع الغربي على «الاختلاف» السياسي مع قوى في المعارضة، لكن في الوقت ذاته يرون في القضايا الوطنية الكبرى، كالصراع مع اسرائيل، خارج النقاش مع كل ملاحظاتهم على حزب الله في السياسة الداخلية.

ويقول وليد من القرعون ان «اختلافنا ليس مع المقاومة التي تقاوم اسرائيل وحزب الله رأس حربتها، وانما نحن نختلف مع حزب الله في سياسته الداخلية والتي أدت الى مزيد من الانقسام وكان لها الأثر الكبير في منطقتنا».

ويذكر وليد أن البقاع الغربي احتضن آلاف العائلات الجنوبية النازحة جراء العدوان «برغم وجود الخلاف السياسي مع حزب الله». ويقول ان القرعون تاريخها القومي والوطني ودورها في مقاومة اسرائيل لا أحد يستطيع تجاهله والغالبية هنا مختلفة مع حزب الله وموالية لتيار المستقبل و«برغم ذلك لم نقفل أبوابنا بوجه أهلنا النازحين».

هذا النقاش الذي اتسعت مروحته بعد عدوان تموز 2006 في البقاع الغربي ورفع من سقف «التلاسن» نحو حدة مذهبية يحمله البعض «المحايد» لكلا الفريقين الموالي والمعارض «اذ لم يحسنا استغلال النصر الذي حققته المقاومة ضد اسرائيل، فساهم حزب الله ومعه تيار المستقبل على وجه الخصوص من الفريقين في تسفيه النصر الكبير وهذا ما انعكس سلبا على الشــــارع في البقاع الغربي الذي لم ولن يغير موقفه في قضية الصراع مع اسرائيل».

ويتابع أبو جمال، اليساري العتيق، ان ما خلفه العدوان من انقسام داخلي «يتحمل حزب الله وتيار المستقبل مسؤوليته الكبرى، وأنا أؤكد انه في حال وقع عدوان آخر فإن أبناء البقاع الغربي لن يهربوا من واجبهم الوطني في التصدي لإسرائيل، وفي الحد الادنى استقبال نازحين موالين لحزب الله».

نزح الى بلدة كفرمشكي قضاء راشيا نحو مئة وخمسين عائلة من أبناء القرى المجاورة، لا سيما لبايا ويحمر وقليا، وحتى من مرجعيون والخيام. وقد تكفلت البلدية بتأمين المساعدات للنازحين في بداية الأمر، وسارع سكان البلدة الى استقبال العديد من هذه العائلات في منازلهم، فيما استقبلت المدرسة عشرات العائلات، حيث «تقاسمنا معهم لقمة العيش وشربة المياه» كما تقول ماري، ابنة القرية.

هي لم تنس العلاقة المتينة التي نشأت بينها وبين أم أحمد موسى من لبايا، والتي تطورت بعد انتهاء الحرب الى تبادل الزيارات. الآن تجيب بحدة عما إذا كانت مستعدة لاستقبال مهجرين في حال حصول أي مكروه. تقول: أي عدوان إسرائيلي على أي منطقة هو عدوان على لبنان، ولا يجوز لنا إلا أن نكون موحدين، لأن الأوطان لا تبنى إلا بالتضامن والتكاتف، وشد أزر بعضنا البعض، خصوصا إذا ما علمنا أن التفرقة والتناقض والتباعد في ما بيننا كشعب لبناني هو من مصلحة إسرائيل، وهي ما تسعى اليه دائما، عملا بمبدأ « فرّق تسد».

راشيا

يؤكد نائب رئيس اتحاد بلديات البحيرة جورج الخوري أن عدد النازحين الذين هجّرتهم إسرائيل ولجأوا الى قرى وبلدات البقاع الغربي، فاق العشرة آلاف نسمة، توزع منهم ما يزيد على الثمانية آلاف على المدارس، بينما القسم الآخر توزع على المنازل عند الآقارب والأصدقاء، لافتا الى أن حوالى 90٪ من المساعدات قدمتها هيئة الإغاثة، فيما تولت البلديات وبعض الجمعيات التابعة لمؤسسة الحريري، وحزب الله، وجمعية الرؤيا وجمعيات أخرى تأمين المساعدات للنازحين عند بداية العدوان، وقبل أن ينتظم عمل هيئة الإغاثة وتوفر نقل هذه المساعدات الى المناطق.

يضيف أن الصليب الأحمر وبعض المستشفيات، وطواقم طبية من مستوصف جمعية فرسان مالطا والحزب التقدمي الاشتراكي، تولوا الإشراف الصحي على النازحين.

بدره، يشير مسؤول العلاقات العامة في بلدية راشيا كمال الساحلي، الذي تولى مهمة الإشراف على تنظيم أمور النازحين في راشيا، إلى أن عدد النازحين الى قرى منطقة راشيا، تجاوز الستة آلاف نسمة، بعضهم من منطقة العرقوب، أما البعض الآخر فكان من قرى البقاع الغربي، ومن عديسة وكفركلا.

يقول: «في الأيام الأولى للعدوان، عملت الأطراف السياسية الموجودة في المنطقة الى جانب الأهالي بالتعاون مع البلدية على تأمين مستلزمات العيش للنازحين، لكن مع انتظام عمل هيئة الإغاثة، وتنظيم لوائح اسمية بالنازحين وعددهم، توفرت المساعدات بشكل يومي بإشراف قائمقام المنطقة».

أما نائب رئيس جمعية الرؤيا أكرم عربي فيقول: إن فريق عمل من الجمعية تولى الإشراف على متابعة أوضاع النازحين منذ الأيام الأولى للعدوان، وتمكنا من تقديم حصص تموينية للنازحين، ووزعنا مطابخ جاهزة مقدمة من هيئة المساعدات النرويجية على العديد من المراكز التي لجأ إليها النازحون، فضلاً عن الفرش والأغطية والحرامات وحليب الأطفال.

كامد اللوز

في بلدة كامد اللوز التي استضافت عشرات العائلات النازحة من العرقوب ومن الخيام، يقول عمر نصر الدين «إن النسيج اللبناني يستنفر ويتوحد ويتناسى الحقد والضغينة عندما تكون الحرب إسرائيلية. فهم (الاسرائيليون) أعداء الأرض والدين ولا يفهمون إلا بلغة السلاح، وحسناً فعلت المقاومة التي صمدت بوجه آلة الحرب الغادرة ودكت بصواريخها تجمعات العدو ومنشآته العسكرية، حتى ظهر الجيش الذي لا يقهر على حقيقته». يضيف: نحن استقبلنا عائلات عدة من الخيام في بيوتنا، كيف لا وبين الخيام وكامد اللوز عشرات الزيجات والأولاد؟

لكن عمر يضيف: إذا تحدثنا بموضوعية وبواقعية، فإن الأمور تغيرت كثيرا، لا سيما على مستوى القواعد الشعبية، خصوصا بعد السجالات والهجمات غير المبررة بين الأطراف السياسية. وأضاف: ليس من المستغرب أن تسمع من الكثيرين أنهم لن يفعلوا ما فعلوه من الناحية الإنسانية مع النازحين في العام الماضي، في حال حصول أية تطورات جديدة. ويعود ليستدرك: كل هذا الكلام ناتج عن ردات فعل تأتي في غير موضعها، فالوقائع ستثبت عكس ما يقال، فالشعب اللبناني لم يقبل موقعاً ولن يقبل في المستقبل، إلا موقع المواجهة ضد العدو الإسرائيلي، وهذا الشعب حريص على التوحد أثناء الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان.

جب جنين

في جب جنين يقول عدنان ناصر: «استقبلت البلدة مئات العائلات النازحة من قرى البقاع الغربي وحتى من الجنوب، وأحسن الأهالي معاملتهم، وأمنوا لهم كل مستلزمات العيش الكريم، بعدما فتحنا أبواب منازلنا والثانوية الرسمية، ولم نشعر بأي فوارق بيننا وبينهم، لأننا أبناء منطقة واحدة. وهناك الكثير من حالات التزاوج مع الاخوة في سحمر ويحمر ومشغرة وعين التينة، كما أن التواصل قائم منذ سنين، والحياة الاجتماعية بين الطرفين ناشطة، إنما يبدو أن الصورة تـــبدلت بعض الشيء، نتيجـــة التداعيات الحاصلة على الساحة السياسية بين الأطراف التي تمثل أبناء المنطقة الواحدة».

تعليقات: