اثنا عشر عاماً على التحرير: فرحة مجروحة بالقلق على الوطن الشريط السياحي

من \
من \"حديقة إيران\" في مارون الراس يطل السياح على فلسطين المحتلّة (عباس سلمان)


يوميّاً، هناك ما يعكّر صفو ذكرى التحرير، في 25 أيار. فبعد الحوادث الشماليّة الأليمة، جاء أمس الخبر القاسي من سوريا إلى الضاحية الجنوبيّة.

اثنا عشر عاما على تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، ولم يستعد الشريط حياته. زاد عدد المهاجرين من سكانه، وزادت معهم المنازل الفخمة الفارغة المنتشرة على التلال، فلا رؤى إنمائية، باستثناء بضعة طرق ومدارس وتمديدات مياه. وبقي السكان الموجودون في منازلهم هناك يعملون بسبب قلة المياه في زراعة التبغ والحبوب، وفي مهن قليلة.

في موازاة هذا المشهد العادي، تنمو في الجنوب المحرّر، حركة سياحية. وليس غريباً أن تحتفي بالمناطق الأقرب إلى الحدود مع فلسطين، بل المطلّة عليها وتتنسّم هواءها، حيث ذاكرة المقاومة والمناظر الطبيعيّة والأجواء البيئيّة الجديرة. ولا يعني ذلك أنَّ ثمة دورة اقتصاديّة سياحيّة تستفيد منها فئة واسعة من الجنوبيين، وإنما هي خاصّة محدودة وموسميّة.. وبحاجة إلى كثير من الدعم والوقت لتترسّخ وتُعمّم فائدة وثقافة.

هل جنوب لبنان سياحي. ربما يرد هذا السؤال في بال سائح تشكلت صورة الجنوب لديه بأنه منطقة خطرة أمنياً. وإذا قرر السائح البحث عن الجنوب على الخريطة السياحية للبنان، لن يجد مكاناً له، خصوصاً أن الإعلان الترويجي للموسم السياحي في لبنان الذي تنتجه وتروّجه وزارة السياحة، لا يذكر لا من قريب ولا من بعيد الجنوب الذي تحوّلت بعض قراه وبلداته عناوين سياحية، يقصدها أحياناً سياح أجانب.

يشهد قطاع السياحة، في الشريط المحرر، خصوصاً في ظل الأحداث الأمنية التي تشهدها العاصمة بيروت والشمال. يختلف شتاء الشريط عن صيفه الذي يكثر فيه المصطافون، ومعظمهم مغتربون من "أهل البيت"، والبقيّة من اللبنانيين الذين يمارسون السياحة الداخلية، ويختارون الشريط المحرر جهة لرحلتهم. وهناك بلديات عديدة باشرت مشاريع سياحية، وقد أنجز بعضها.

المياه تعود إلى وادي الحجير

على ضفاف نبع وادي الحجير القريب من الحدود اللبنانية الفلسطينية، الذي يقع بين أقضية بنت جبيل ومرجعيون والنبطية، تجتمع عائلة من قرية القنطرة، وقد قرّرت تناول مناقيش الجبنة والزعتر، بين أشجار الزيتون، على إيقاع خرير مياه النبع الذي عاد يتدفق بغزارة بعدما جفّت مياهه في الأعوام الماضية. كانت العائلة الوحيدة في المكان الذي يكتظّ بزواره في عطل نهاية الأسبوع. فبالرغم من قضاء العدو الإسرائيلي على أشجار الزيتون المعمّرة أثناء حرب تموز 2006، عاد الأهالي اليوم يقصدون النبع، ليمارس بعضهم هواية السباحة، ويتوزع البعض الآخر تحت الأشجار وداخل البساتين المحيطة بالمطاحن القديمة.

وادي الحجير هو المكان الذي تسعى بلدية القنطرة إلى استحداثه معلماً بيئياً سياحياً، وكانت قد أطلقت أخيراً مشروع ترميم النبع وإنشاء حوضان للسباحة، إضافة إلى سدّ اصطناعي لرفع منسوب مياه النبع، وبناء جدران، وتشجير محيط النبع مما يؤمن متنزها شعبيا لعدد كبير لأهالي المنطقة. وهو المشروع الذي تريده القنطرة أن يكون مكاناً للمواطنين، "ليمضوا أوقاتهم فيه من دون مقابل"، وفق رئيس بلديتها عبد الحميد الغازي، الذي يؤكد أن البلدية "باشرت في إطلاق العديد من المتنزهات الخاصة بالعائلات في وادي الحجير، بالتعاون مع اتحاد بلديات جبل عامل". ويشدّد الغازي على أن "المنطقة نُظِّفت في العام 2010 من الألغام والقنابل العنقودية. مما يتيح المجال للتجمع في المكان بحرّية". وقد بات الوادي مقصد اللبنانيين من المناطق المختلفة، وفق عامل في أحد المتنزهات.

مسبح "شرعي"

تنتظر مدينة بنت جبيل المعروفة بـ"بيت الشمس"، المغتربين الذين يشكلون نسبة تسعين في المئة من أبنائها، وتعتمد عليهم في حركتها السياحية. ويربط أبناء المدينة موعد بدء الموسم السياحي بانتهاء العام الدراسي في الولايات المتحدة الأميركية... في الخامس عشر من حزيران المقبل. بعده، وكما في كل عام، تكتظ المدينة بالسكان، رغم افتقادها إلى أساليب الترفيه والتسلية التي من المفترض أن تجذب المغترب اللبناني، وتنقذه من "زنّ" أطفاله الراغبين في زيارة وطنهم. وقد أطلقت بلدية بنت جبيل بالتعاون مع اتحاد بلديات بنت جبيل مشروعاً سياحياً يتضمن إنشاء مسبح "شرعي" يخصّص دواماً للنساء وآخر الرجال، وقاعة نشاطات رياضية، وثلاث حدائق مع ملعب رياضي سيكون الأكبر على صعيد ملاعب الجنوب. ويؤكد رئيس البلدية عفيف بزي الانتهاء من مرحلة دراسة مشروع المسبح ووضع الخرائط، متوقعاً إنجازه في الصيف المقبل. وسيُطلق في الموسم السياحي، مهرجان للتسوق يتزامن مع وجود المغتربين في لبنان، في الثالث عشر من شهر تموز المقبل.

"السياحة الجهادية"

تقف سيدة إيرانية أمام منظار في "حديقة إيران" في بلدة مارون الراس، التي تمسك برأس منطقة جبل عامل والجليل الفلسطيني. تتحدث للحظات مع زوجها بلغتها الأم، وسرعان ما تتمتم له "فلسطين، فلسطين"، بإشارة إلى إعجابها بالمشهد الذي تراه.

يتكرّر هذا المشهد يومياً مع كل زائر للحديقة التي أنشأتها جمهورية إيران بعد عدوان تموز. هنا لبنان الجنوبي، ومن هنا تسطع شمس فلسطين. وقد يصعب على أي شخص التصديق أن الحديقة تحلّ مكان الأنقاض والركام الذي تركه العدو وراءه في العام 2006. تحضر عبارة "السياحة الجهادية" عند مفهوم معظم أهالي البلدة من خلال هذه الحديقة التي تشكل تحدياً كبيراً لجيش العدو الذي لا يميل منظاره عنها، وهو يراقب زوارها الذين يحضرون بشكل يومي. ولم تعد هذه الحديقة مجرد معلم فريد من نوعه جنوبياً، بل باتت مدرجة على خريطة المعالم السياحية في لبنان، بقرار من وزير السياحة فادي عبود. وجاءت الحديقة، لتؤكد أن مارون الراس قد تخلّصت من حرمانها الذي عاشته في السنوات الماضية، بعدما كانت القرية المنسية التي عمل أبناؤها جاهدين على إنعاشها بعد التحرير.

اليوم، يختلف عدد سكان مارون الراس وفق الفصول، بعدما هاجر معظمهم إلى دول الاغتراب. إلا أن هؤلاء لا يفوتون صيفاً إلا ويزورون فيه بلدتهم، التي بدأت تزدهر بفضل معالمها السياحية الجديدة، وأغراهم موقعها الاستراتيجي القريب من الحدود مع فلسطين المحلتة، بعدما انتزعت الحياة من براثن التوتر الإقليمي.

في العام 2004، أخذ المجلس البلدي على عاتقه رسم الخطة البيانية لتنمية البلدة التي نالت نصيبها في حرب تموز. إلا أن هذا العام قد حمل في طياته الكثير من التغيرات التي ساهمت في تجميلها. ولعلّ المفاجأة الأبرز هي مشروع بناء "تلفريك"، هو الأول من نوعه في الجنوب، يمتدّ من "حديقة إيران" إلى محمية تقع في موازاتها، وتعمل البلدية على تأهيلها لتكون المعلم السياحي البيئي الثاني في المنطقة. وتتضمن المحمية أشجاراً برّية، وتستعد حالياً لزراعة ألف ومئة وأربعين شجرة على عدد شهداء لبنان المدنيين الذي سقطوا خلال حرب تموز، ومن المناطق اللبنانية عن مشروع، بالتعاون مع "الصندوق الدولي للتنمية المستدامة" ووزارة الزراعة، إنشاء بحيرة تتسع لثلاثين ألف متر مربع من المياه، وتساهم في إنعاش الحركة الاقتصادية الزراعية والسياحية في القرية.

درّاجات مائيّة في الدردارة

في الجهة الثانية للشريط المحرر، أي في قضاء مرجعيون، تعود بلدة الخيام إلى الخريطة السياحية، بعدما تولّت دولة قطر إعادة بنائها بعد حرب تموز. ولم يعد "معتقل الخيام" المصنف سياحياً في لوائح "منظمة اليونيسكو"، المعلم الوحيد الموجود في أكبر بلدات الجنوب، وقد تحوّل معلماً سياحياً ومتنزهاً، بل تنسجم السياحة في الخيام مع مفهوم المقاومة والتحرير، حيث تحوّلت بعض المواقع رموزاً تاريخية. وفي البلدة، فندق ومنتجع وحيد، استثمره أحد مغتربي البلدة، وينزل فيه عدد من الخليجيين، والمغتربين الذين لا يملكون منازل في الخيام. وأكثر ما يجذب السياح إلى الخيام اليوم، هو نبع الدردارة الذي برز دوره التاريخي مع تطور وسائل الترفيه والمؤسسات السياحية. وقد تولّت البلدية أخيراً معالجة جدران هذا النبع وتنظيفه ومعالجة المجرى الذي يجر مياه النبع إلى السهل الجنوبي. وقام أحد أبناء البلدة باستثمار النبع وأدخل إليه وسائل ترفيه جديدة، كالدراجات المائية والمراكب الصغيرة.

من \
من \"حديقة إيران\" في مارون الراس يطل السياح على فلسطين المحتلّة (عباس سلمان)


تعليقات: