طرق البقاع الأوسط.. مصائد للأرواح والسيارات

طرق البقاع الأوسط.. مصائد للأرواح والسيارات
طرق البقاع الأوسط.. مصائد للأرواح والسيارات


تتفاقم أزمة حوادث السير على الطرق في البقاع، مع بداية كل «شتوة»، لتتحول هذه الطرق الرئيسية والمنعطفات القاسية إلى مصائد للعابرين بسياراتهم، ناهيك عن الحفريات التي «تغزوها» بسبب سوء تعبيدها وأشغال البلديات التي تتركها عرضةً إلى «مزاج القدر». فتتوزع «خريطة الموت» هذه بين زحلة والفيضة وراشيا والرفيد وكفردنيس وكوكبا. ففي زحلة وأمام الحمرا بلازا مؤخراً، وقع حادث جديد وليس الأخير، بين سيارة مدنية تقودها سيدة وسيارة يقودها ضابط أمن، واقتصر الحادث على الأضرار المادية وعلى عجقة خانقة.

لطالما استخدم الناس عبارة «لا تسرع الموت أسرع» التي كتبها بعض السائقين على شاحناتهم، لكن يبدو أنها غير موجودة، أو بالأحرى «مرغوبة» ضمن قاموس قيادة السيارات لدى الشباب اللبناني الـ«كول». إذ وصلت نسبة حوادث السير على الطرق في لبنان إلى أرقام قياسية، وأغلب ضحاياها من الشباب، بعد أن سقط الآلاف من المواطنين بين قتيل وجريح منذ بداية عام 2009 لغاية تشرين أول 2011. وفي المقابل عجزت الحكومات المتعاقبة عن حل هذه المشكلة، ووقف نزْف الموت المجاني، أو ربما لم تدرج هذه الأزمة بين ملفاتها «المدهنة» بعد.. من يدري؟

حصد الأرواح

يحتاج البقاعيون والعابرون على الطرق الرئيسية والدولية في البقاع الأوسط والغربي وراشيا إلى مطولات لكتابة مآسيهم، مع طرق باتت مصيدة للأرواح وللسيارات، التي غالباً ما تتكسر داخل الحفر المصنفة على الورق وفي التسميات بـ«الدولية» و«الرئيسية» وحتى الفرعية منها. وتبدأ مسيرة الحفر وطرق «الجلجلة» في هذه المنطقة، من منطقة ضهر البيدر، وصولاً إلى المصنع اللبناني، مروراً بالبقاع الغربي وراشيا، التي تحكي يومياً عن معاناة آلاف العابرين على تلك الطريق التي تستوطنها الحفر والمنعطفات القاسية، وسط غياب وسائل السلامة المرورية وإشارات التنبيه، وتحولت الى مجموعات من المنعطفات المتصلة ببعضها.

وساهمت الأمطار الأخيرة في اقتلاع طبقات الإسفلت، وتوسيع عمق الحفر وزيادة طولها وعرضها وأعدادها. في الليل، تتكفل تلك الحفر والمنعطفات بالقيام بمهام المصيدة القاتلة للسيارات، وفي بعض الأوقات للسائقين الذين يدفعون ضريبة غياب الصيانة والإهمال، والأعمال الإنشائية التي انطلقت في بداية فصل الصيف ولم تنته رغم غياب المواصفات المطلوبة التي لم تطبق يوماً على طرق البقاع وراشيا.

الحاجة إلى الإحصاء والتأهيل

يعتبر عقل مغامس رئيس بلدية كوكبا في راشيا في لقاء مع «البناء»، «أن المسؤولية عن التخفيف من حوادث السير، ومساندة الناس في معاناتهم لدى فقدان أبنائهم في حوادث مماثلة، تتوزع بين السائق وبين الرقابة من قبل السلطات والأجهزة المعنية».

ويضيف «لا توجد إحصاءات دقيقة في لبنان عن عدد القتلى والجرحى جراء حوادث السير، لكن من الضرورة عدم التفكير بالإحصاءات بل الواجب يحتم التوعية والإرشاد والرقابة، للحد من الحوادث القاتلة على طرقات تحتاج بالأصل إلى تأهيل وتوسعة، ووضع علامات وإشارات تنبيه، وهذا ما تفتقده غالبية الطرق ومنها منطقة راشيا».

ويتابع: «يجب على الدولة وضع ساعة تدريس في المدارس بشكل دوري، وإلقاء المحاضرات عن مسببات حوادث السير وكيفية الوقاية منها وإقناع الطلاب بشتى الوسائل بضرورة الالتزام بقانون السير»، مطالباً بمؤازرة وسائل الإعلام والمؤسسات التربوية والدولة التي تحاول القيام بضبط المخالفات، «ولكن يبقى أن ما تقوم به غير كافٍ، فبدلاً من الاكتفاء بالغرامات ومواساة الأموات وزيارة الجرحى، عليها وضع حلول واستراتيجيات عملية».

وفيما تفقَّد مغامس الحادث الذي وقع على مقربة من بلدته كوكبا، يؤكد «أن الطريق تحتاج إلى توسيع، خصوصاً وأن هذا المنعطف سبب عشرات الحوادث والإصابات في الأرواح، نتيجة أنه مخفي ويحتاج إلى توسيع لكشفه أمام السائقين والعابرين، لكننا مكبلو اليدين في المعالجة، بسبب اننا ممنوعون من الأشغال على الطرق العامة التي هي من مسؤولية وزارة الأشغال».

زحلة

وعلى طريق زحلة ـ الفيضة ـ بر الياس، التي أهلت وعبدت مؤخراً ودشنها وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي، مأساة يومية يرويها العابرون اللبنانيون والعرب. إذ تحتاج تلك الطريق التي جهّزتها «مؤسسة الرائد للهندسة والمقاولات»، ورغم تنفيذها بالشكل الجيد والمطلوب، إلا أنها لا تزال تحتاج لـ«مونسات» بسبب وجودها وسط سهول زراعية، تكثر فيها المياه، كما أن أقنية تحاذيها وسواقي كبيرة لجر المياه التي تتصل بمجرى نهر الليطاني، إلا أن وزارة الأشغال العامة غاب عنها استكمال هذه الحاجات الضرورية التي تحافظ على أرواح المواطنين، فأهملتها على الرغم من موقعها الحيوي الذي يعد معبراً يومياً إلزامياً للآلاف.

وعليه، انقلبت سيارة مرسيدس E280 فضية اللون تحمل اللوحة ذات الرقم Z/149602 يقودها نزيه القاضي من بلدة بر الياس، على طريق الفيضة، في خندقٍ (ساقية) لمياه الأمطار، بعدما تفاجأ بشاحنتين وهما تتسابقان، وكادتا تسببان تحطيم السيارة ومقتل سائقها القاضي ما أدى إلى انحراف السيارة عن الطريق لتنقلب وتستقر وسط قناة المياه، لكن «عناية القدر» حالت دون أن يصاب سائقها بأذى.

وراشيا

أما في الرفيد ـ قضاء راشيا، فقد انقلبت سيارة من نوع تويوتا كارينا جرذونية اللون رقمها 136500/Z، في خندقٍ لتصريف مياه الأمطار حفرته بلدية الرفيد وتركته مكشوفاً، فاستقرت السيارة وسطه بعدما انقلبت بسبب تجاوز عدد من السيارات على الطريق، فتفاجأ سائق سيارة التويوتا بهم وهرب منهم لتستقر سيارته وسط الخندق.

وفي كفردنيس وعلى بعد أمتار من حادث الرفيد (سيارة التويوتا)، اصطدمت سيارة مرسيدس 200 حمراء اللون وتحمل اللوحة رقم B/274354، بحافة الطريق بعد أن تفاجأ سائقها بإحدى الشاحنات، فأصيبت السيارة بأضرار جسيمة.

وبين بلدة كوكبا ـ جب فرح في قضاء راشيا، وعلى منعطفٍ قاسٍ، تفاجأ سائق شاحنة صغيرة معدة لتوزيع التموين والمواد الغذائية نوعها دي هاتسو دلتا بيضاء اللون وتحمل اللوحة رقم M/274354، وهي توزع مملوكة من شركة الترك للتموين، ولحظة وصول الشاحنة على مقربة من المنعطف فوجئت بسيارة نوع BMW خضراء اللون وهي مسرعة جداً وسائقها يقودها بطريقة رالي، فشكلت له قطعاً لطريقه، وبسبب الأمطار لم تساعده فرامله على التوقف، فاصطدم بعمود للكهرباء فاقتلعه من شدة الصدمة له، ما أدى لانقلابه ليستقر أرضاً وسط الطريق بعد أن اصطدم بحافتها، فيما نجا السائق ومعاونه بأعجوبه، وفرّ سائق الـBMW إلى جهة مجهولة باتجاه بلدة كوكبا.

وهكذا يستمر مسلسل الحوادث «الشيّق» في استيطانه للطرقات في هذا البلد المتعب، من دون أي انزعاج يستدعي استنفار أجهزة الدولة والتفاتتها الفعلية لوضع حد لهذه الظاهرة المميتة.. مجاناً.

تعليقات: