طائف ليبي


طائف ليبي

بدأت ليبيا بعد مقتل القذافي وسقوط نظامه مرحلة المخاض الصعب على أمل ولادة ليبيا جديدة حديثة على انقاض صيغة سياسية لم يكن لها مثال في النظم السياسية التي عرفها ويعرفها العالم.

فالقذافي مطلق مصطلح الجماهيرية العظمى على ليبيا حول هذه الدولة الإفريقية النفطية الى (دولة) معزولة عالميا ومقفلة داخليا إذ صاغ نظاما سياسيا هشا انطوى على فكرة أن الشعب يستطيع الحكم مباشرة بنفسه عبر بنية سياسية (مؤتمرات، ولجان شعبية ولجان ثورية). بينما الواقع جاء مناقضا تماما بحيث تحولت ليبيا في عهد القذافي إلى (اقطاعية قذافية) يتصرف كما يحلو له بمقدراتها وثرواتها. فالإيرادات الضخمة من النفط التي تجاوزت الـ 66 مليار دولار، وفق تقرير للبنك الدولي في عام 2010، غالبا ما كانت توزع على النظام والقبائل المؤيدة للقذافي بينما لا يزيد في ليبيا الدخل الفردي على 14 ألف دولار، وهو رقم محدود قياسا بثروات البلاد ومحدودية السكان، إذ لا يتجاوز عددهم 6.5 مليون نسمة، بينما تعاني ليبيا من نسبة بطالة تصل إلى 30% في مجتمع غالبيته من الشباب. ووفقاً لمؤشرات مطلع عام 2010، يبلغ الاحتياطي النفطي الليبي المؤكد 47 مليار برميل. وتحتل ليبيا على هذا الصعيد المرتبة التاسعة عالمياً. ويفوق الاحتياطي الليبي احتياطي أربع دول نفطية مجتمعة هي: أنجولا والجزائر والمكسيك وأذربيجان. ووصل حد تهشيم القذافي بليبيا الى اضعاف المؤسسة العسكرية التي تعتبر الضمانة الوطنية في الدول. اذ حل القذافي الجيش الليبي بعد هزيمته في تشاد، وأعاد تشكيله على أسس مليشيات شعبية مرتبطة به، تحت مبررات جماهيرية السلاح وأن السلاح يجب أن يكون في أيدي الشعب. ولأن القذافي لم يبن دولة ولا شبه دولة فإن المهمة امام السلطات الجديدة شاقة فعليها إنتاج منظومة شاملة تتعلق بالحاضر والمستقبل وبعلاقة ليبيا عربيا ودوليا. ومن الواضح ان المجلس الوطني الانتقالي الليبي يشعر بمدى المسؤولية الملقاة على عاتقه وأنه لا يستطيع اليوم بناء ليبيا وحيدًا لاعتبارات داخلية متعددة لذلك طلب خلال الاحتفال بالتحرير الكامل وبانتصاره على القذافي، من حلف شمال الأطلسي أن يمدد مهمته في ليبيا حتى نهاية العام الجاري. وطلب تمديد مهمة الناتو هو بطبيعة الحال تمديد عسكري أمني أي المطلوب من قوات الناتو التدخل عسكريًا لتأييد المجلس الوطني لترتيب الوضع الداخلي الليبي. وكان رئيس الأركان القطري محمد بن علي العطية، قد كشف عن المهام المعلن عنها للتحالف الجديد بقيادة قطر وهي عملية التدريب والتنظيم وبناء المؤسسة العسكرية الليبية، وإدخال الثوار فيها، وجمع الأسلحة، وهذه العملية ستكون على الأرض وإلى ما بعد نهاية العام. وعلى الرغم من أن المجلس الانتقالي الليبي اطلق وثيقة دستورية مؤقتة تضمنت 37 مادة لتسليم السلطة والانتخابات البرلمانية، فإن هناك التباسات وتحديات جسيمة أمنية وسياسية، تجعل المشهد الليبي بعد القذافي مشوشا وضبابيا. ويقول بول بريمر الذي سبق له ترؤس الإدارة المدنية للإشراف على إعادة إعمار العراق عام 2003، في مقال نشرته له صحيفة واشنطن بوست مؤخرا أن على الليبيين التعامل مع ثلاث قضايا وصفها بالرئيسية والمهمة والضرورية للانتقال بليبيا على طريق النجاح في مرحلة ما بعد القذافي، أولها أنه يجب على الشعب الليبي أن يدرك أن التغيير السياسي في ليبيا هو حقيقة واقعة، وأن يكون تغيير قابل للديمومة والاستمرار. وأيضا لا بد من إيجاد من يمكنه توفير الأمن والاستقرار في ليبيا، خاصة في ظل انتشار أعداد كبيرة من الفصائل ذات الولاءات القبلية التي تحمل السلاح، وما لم يتم إيجاد نظام يحتويها فليبيا في خطر. كما دعا إلى ضرورة إنشاء نظام سياسي على وجه السرعة.. وقد يكون من الصعوبة بمكان على المجلس الوطني الليبي مواجهة التحديات بنجاح بحيث كشفت محاولات تشكيل الحكومة عن صراع محموم على السلطة، إذ طالبت قبائل ومناطق أخرى بعدم تهميشها وتمثيلها، كما طالب إسلاميون بحصة من حقائب الحكومة مما يشير إلى أن التحدي الرئيسي في المرحلة الانتقالية لا يتعلق ببناء نظام سياسي فحسب، وإنما صياغة دولة جديدة على أسس مختلفة. ويقول المطلعون: إن الصراع القبلي سيظهر اذا تمت ازاحة بعض القبائل من معادلة تشكيل الدولة، ولن يكون هنالك استقرار في ليبيا.

كما أن عدم الاتفاق على رؤية موحدة بين القوى السياسية على شكل الدولة، سيكون صاعق تفجير قويا إذ أن ثمة خلافا في رؤية الدولة الليبية ما بين التيارات الأيديولوجية، سواء كانت ليبرالية أو إسلامية أو ملكية. وواقع ليبيا اليوم هو كواقع العراق مع فوارق التعدد الطائفي في العراق لكن المشكلة واحدة هي بناء الدولة بكل مؤسساتها وتقاسم السلطة بين كل مكونات المجتمع الذي هو في ليبيا قبلي الى حد كبير. فالحاجة الأساس لليبيا حاليا هي صيغة وطنية أشبه باتفاق الطائف اللبناني الذي وإن لم يكن الحل المثالي للمشكلة اللبنانية وإنما كان مدخلا مهما لوقف الاحتراب الداخلي ووضع صيغة سياسية جديدة في لبنان تم بموجبها تقاسم السلطة بين الأطراف اللبنانيين ونقل الصراع من الشارع الى مؤسسات النظام اللبناني. ومع ان ليبيا لا تزال بعيدة حتى الآن عن الصراع المسلح الا أن عدم وقوعها فيه غير مضمون خصوصا وأن التشكيل الداخلي للمشهد الليبي الحالي يدل على وجود بذور الانفجار الداخلي بقوة بشكل يهدد الكيان الليبي ووحدته والهوية الوطنية

عن جريدة عمان

(* حسين أحمد عبدالله - كاتب من الخيام)

تعليقات: