رعد: ادّعاء قاصر عن اعتماد أدنى المعايير الدولية فضلاً عن أعلاها

النائب محمد رعد وجريصاتي في المؤتمر الصحافي
النائب محمد رعد وجريصاتي في المؤتمر الصحافي


«حزب الله» يتابع معركة تهشيم القرار الاتهامي قانونياً... والحلقة الثالثة تقنية

جريصاتي: دليل «الاتصالات» بلا قيمة وبيلمار غرق في التحليل والاستنساب لغياب الأدلة

من حيث انتهى المؤتمر الصحافي، الذي عقده رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد وعضو المجلس الدستوري السابق سليم جريصاتي، في كانون الثاني الماضي، تابعا أمس ومن ساحة مجلس النواب.

وبعدما كانا قد عرضا كل الالتباسات والشوائب التي تتصل بعمل المحكمة، مشككين بإمكانية تحقيقها العدالة من خلال قرار اتهامي أكدت التسرييات المتلاحقة أنه لن يفصّل إلا على قياس «حزب الله»، انطلقا في مؤتمرهما أمس بوثيقة مدموغة بحكم المحكمة تؤكد أن كل ما تم تسريبه صحيح، وبأن دليل الاتصالات «المشوش» هو سيد القرار وعموده الفقري.

من حيث الشكل بدا واضحاً أن منظمي المؤتمر حرصوا على عدم ترك أي أثر قد يزعج «الحريصين على دور المؤسسات»، كما حصل في المؤتمر الماضي، فأتت اللافتة التي وضعت خلف الخطيبين بعنوان «قرار الاتهام في صيغته المنشورة: دراسة قانونية»، بعدما حملت في المؤتمر السابق موقفاً واضحاً من المحكمة: «المؤتمر الصحافي الخاص بتسييس المحكمة الخاصة بلبنان».

من حيث الشكل أيضاً تخلى المؤتمِران عن العرض المصور ليسهب جريصاتي في قراءة دراسة من 19 صفحة، وقبله قدم رعد الربط السياسي، عبر بيان استعاد فيه بعضاً من وقائع الطريق التي سلكها القرار الاتهامي حتى اليوم، وخلص فيه إلى أن القرار يظهر نية مبيتة لابتزاز «حزب الله»، مؤكداً على حق المقاومة في الدفاع عن نفسها.

مضموناً، تركز الضرب أمس على النقطتين الأكثر هشاشة في القرار الاتهامي، أي اعتماده على الأدلة الظرفية التي لا يعتد بها وغرقه في دليل الاتصالات والاقتران المكاني الذي أوقعه في «محظور عدم كفاية الدليل» فحاول بيلمار تعويضه «بالاستنساب والافتراضات والإكثار من العبارات الغامضة والرمادية».

المؤتمر الصحافي الذي حضره النواب فادي الاعور، علي المقداد وعلي فياض فقط وحشد إعلامي، كان قد بدأ بالتأكيد على «زيف ادّعاء المحكمة الدولية منذ تأسيسها حتى صدور القرار الظني الذي صدر بحق مقاومين شرفاء للتعمية على الحقيقة». أما جريصاتي فركز في دراسته على أن «القرار اختزل أدلة الاتهام بأدلة ظرفية بامتياز يتوافر فيها قدر ساطع من الاستنساب».

القرار أميركي إسرائيلي

وفيما استعاد رعد ما خلص إليه المؤتمر السابق من حيث التأكيد على ان المحكمة لا ينتظر منها إحقاق الحق أو إقامة العدل، رأى أنه «بعد صدور القرار الاتهامي وما تضمنه من سيناريو واهن تلعثمت الفبركات الظرفية في حبك فصوله وإخراج الحد الأدنى من المقدمات الكافية لاتهام مقاومين شرفاء، لا نحتاج إلى عناء لتأكيد زيف وتسييس هذا الادّعاء فضلا عن قصوره عن اعتماد أدنى المعايير الدولية فضلاً عن أعلاها، الأمر الذي يعزز قناعتنا وصحة تقييمنا للتحقيق الدولي وللمحكمة الدولية ولهدفهما السياسي الرامي إلى إخفاء الحقيقة والتعمية على المجرمين الحقيقيين وإلباس مقاومين شرفاء تهمة ارتكاب الجريمة ظلماً وبهتاناً».

وعند صرف القرار بالسياسة، لـ«حزب الله» موقف ثابت كرره رعد: القرار الاتهامي قرار سياسي أملته المصالح الأميركية والإسرائيلية في هذه اللحظة السياسية الراهنة التي يتوهم أصحابها والمتواطئون معهم أن باستطاعتهم إحكام الخناق على المقاومة وابتزازها ووضعها بين خيارين اثنين: إما تشويه صورتها وسمعة مجاهديها ووسمها بالإرهاب والتحريض ضدها وصولا إلى تسعير فتنة عمياء بين اللبنانيين تضرب الاستقرار وتطيح بالسلم الأهلي وميثاق العيش المشترك وتشرع الأبواب أمام الوصاية الأميركية على السيادة الوطنية، وإما الخضوع والاستسلام لمشروع الهيمنة الأميركية - الإسرائيلية على لبنان.

وبناء عليه، اعتبر رعد أنه «قرار ظالم ليس إلا أحد آليات الضغط المستخدمة في محاولات إخضاع اللبنانيين، عبر إخضاع مقاومتهم والنيل منها».

وفي تحليل القرار أن «مضمونه جاء مطابقاً تماماً للتسريبات الإعلامية المبرمجة، التي تعمدتها لجنة التحقيق الدولية من أجل أن يعتاد الرأي العام على تجرع الأكاذيب والتزوير والتلفيقات التي يستند إليها التحقيق ومن أجل تهيئته للتكيف معها». وأكد رعد على دور المقاومة في ملاحقتها الحثيثة لتلك التسريبات وتفنيدها الواحدة تلو الأخرى وإحباط مفاعيل القرار، فجاء باهتا غير قابل للتصديق إلا من قبل المندمجين في مشروع استهداف المقاومة لغايات، باتت معروفة للجميع، والذين تزعجهم الإشارة إلى مجرد التفكير باحتمال تورط إسرائيل بالجريمة.

بيلمار موظف منضبط

كما اعتبر رعد أن القرار كشف أن «بيلمار كان موظفاً منضبطاً بمسار سياسي في التحقيق اضطره إلى تكبد جهد غير متقن لإنتاج فبركات ظرفية غير ذات صدقية توسلها لإصدار القرار الذي يخدم الهدف السياسي المرسوم له. وأشار إلى أن لغته بدت معبرة عن الخلفية السياسية التي تحكم فريق المحكمة الدولية وتفصح عن عدائيته للمقاومة وتوقه للانتقام من تاريخها، معتبراً ان شهية بيلمار بدت في قراره واضحة في استهداف حزب الله وربما حلفاء له أيضا، حيث أنه وإن اتهم أفراداً اعتبرهم مناصرين مرة ومنتسبين مرة أخرى، إلا أن ذلك لا يمكن اعتباره أمراً عارضاً لا بل إنه يظهر نية مبيتة لابتزاز الحزب في المقاضاة لاحقا».

وقال: «إن ما عرضناه في السابق من قرائن ومعطيات لها علاقة بطائرات الاستطلاع الإسرائيلية، وبطريقة إسرائيل في الاغتيال، ولها علاقة بالعملاء والجواسيس المعتقلين لدى القضاء اللبناني وباعترافاتهم عن مهام لوجستية وعن إدخال مجموعات كومندوس إسرائيلية إلى الأراضي اللبنانية، ولها علاقة أيضا بعملاء محددين كانوا موجودين في ساحة الجريمة في السان جورج قبل يوم واحد من تنفيذ الاغتيال، إضافة إلى عرِض السيطرة الإسرائيلية الكاملة على قطاع الاتصالات وداتا الاتصالات وعن قدرة الإسرائيلي على التلاعب بالخطوط والاتصالات وزمانها ومكانها وما صدر من قرار دولي يؤكد ذلك ويدين إسرائيل».

أضاف: «كل ذلك كان كافياً كي يفتح بيلمار مسار التحقيق باتجاه العدو ليجد أدلة مباشرة وليست ظرفية على تورط الإسرائيلي في جريمة الاغتيال، لكنه لم يحرك ساكناً، ولم يجرؤ حتى على السؤال ولم يطلب تحقيقاً مع أحد من الإسرائيليين.

وتابع: «من جهة أخرى، يأتي القرار الاتهامي ليتحدث بنفس المنطق الإسرائيلي حول المقاومة فيصف أعمالها ضد الاحتلال بالإرهابية ويطلق أحكاماً أميركية غير متبناة دولياً حول حزب الله، مما يؤكد أن الأميركيين والإسرائيليين شركاء في صياغة نص القرار بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

أضاف إن المقاومة في سياق مواجهتها لعملية تصفية الحساب هذه «لن تقبل الابتزاز ولن تخضع لإرادة أعدائها ولن تفرط في الاستقرار والسلم الأهلي وستسقط بصمودها وحكمتها وإرادتها الوطنية كل أهداف المتآمرين والمراهنين عليهم. إن المقاومة أيضاً هي التي تحدد طريقة الدفاع عن نفسها وهي التي تتخير الأساليب التي تجدي في مواجهة من يستهدفها».

وعليه، فقد حذر رعد من استعجال البعض في لبنان، فيخلط بين موقفه السياسي المختلف مع حزب الله»، وبين مكان تموضعه أثناء عملية تصفية الحساب الإسرائيلية - الأميركية مع المقاومة، فيتوهم ذاك البعض أن اللحظة ستكون مؤاتية له لتصعيد نبرته وموقفه استقواءً بأعداء الوطن لاستعادة سلطة هنا أو موقع هناك، تحت شعار مخادع مفاده أن المحكمة الدولية هي المعبر الوحيد للوصول إلى الحقيقة.

«الأدلة الظرفية

هي الأدلة القاطعة»!

أما جريصاتي فقد بدأ دراسته بتعداد بعض منطلقاتها، ولا سيما منها تناولها قرار الاتهام وقرار تصديق الاتهام المشار إليهما أعلاه بمعزل عن المآخذ الأساسية على إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان. كما أوضح أن «بيلمار وقع في المحظور المعلوم الذي تم تسريبه على أوسع نطاق والذي تناولته خاصة وسائل الإعلام، إذ أصدر قرار الاتهام «بعد سنوات ست ونيف من التحقيق الذي انتهك مبدأ سريته انتهاكاً متكرراً وفاضحاً، مرتكزاً، بصورة شبه حصرية على تحليل بيانات هاتفية نقالة، فاختزل أدلة الاتهام بأدلة ظرفية بامتياز يتوافر فيها قدر ساطع من الاستنساب، علماً أن بيلمار، كما كاسيزي نفسه، كان سبق لهما أن مهدا للأدلة تلك بصورة استباقية وتسويقية، حتى أن بيلمار ذهب، في مقابلة أجراها معه الصحافي أرثور بلوك ونشرها موقع «Lebanon Now» الالكتروني في 30 آب 2010 إلى اعتبار أن «الأدلة الظرفية هي الأدلة القاطعة» (!) أي أنها تتمتع بقوة ثبوتية تفوق الأدلة المباشرة.

واستعاد جريصاتي ما سبق وتناوله في المؤتمر الصحافي السابق حول موضوع الأدلة الظرفية التي اعتمدها بيلمار حصراً من دون الاستعانة بأي دليل مباشر، متسلحاً بما أسعفه به رئيس المحكمة انطونيو كاسيزي في آذار 2010 من أن الأدلة القطعية أو المباشرة غير متوافرة في الجرائم الإرهابية ويصعب الحصول عليها. أضاف: قلنا في حينه أن الأدلة الظرفية، أو الأدلة غير المباشرة، ترتكز على سلسلة من الوقائع أو الفرضيات لإثبات واقع معين، على خلاف الأدلة المباشرة التي تثبت واقعاً معيناً من دون أي افتراض أو استنباط. إن الدليل المباشر هو الدليل الذي يقف بنفسه لإثبات ادّعاء معين، وهو بالتالي أكثر مصداقية وأقوى ثبوتية من الدليل الظرفي. ينطلق الدليل الظرفي من واقعة أو فرضية معينة نبني عليها وقائع وفرضيات، فتحول مادة رقمية إلى مادة اتهام بجريمة اغتيال فردية سياسية يضفي عليها قانون العقوبات اللبناني الصفة الإرهابية، وننطلق استلحاقاً وتعويضاً عن الفراغ من أن جناحاً عسكرياً لحزب مدرج على لائحة الإرهاب في دولة عظمى، خارج أي توصيف أو تحديد أممي لمفهوم الإرهاب أو عقوبة دولية محددة وموحدة له، لنعلن أن الاتهام موثق بانتماء المتهمين بالجريمة تلك إلى هذا الحزب، ونقع في إشكالية أخرى معبرة عن الارتباك والخفة، فنذكر حيناً أنهم منتسبون إلى هذا الحزب وحيناً أنهم أنصار له!

فرانسين المرتبك

وقال جريصاتي: خلط فرانسين المرتبك بين المرحلة الأولية (أي التمهيدية) من الإجراءات التي عليه أن يشرف عليها وبين النظر «بصورة أولية» في الأدلة التي يسوقها المدعي العام في قرار الاتهام، فأنهى دوره بيده وقلمه كقاض لتصديق الاتهام أو رفضه. وأكد أن «هذه المقاربة غير الجائزة قانوناً أدت بفرانسين إلى الركون إلى تقرير المدعي العام المتعلق بالاتصالات- مع إقراره صراحة بأنه لا يستوفي شروط الاجتهاد الدولي المطلوبة لإضفاء صفة «تقرير خبير» عليه - هذا التقرير الذي يستند في جانب كبير منه إلى أدلة ظرفية «تقوم على الاستنتاج والاستدلال المنطقيين»، ما حمل فرانسين على الإدلاء بأن «ما لهذه الأدلة من مصداقية وصلة بالموضوع يكفي للنظر في قرار الاتهام بصورة أولية» (فقرة 35 و37). أما بالنسبة إلى توافر شرطي الدقة والتعليل في قرار الاتهام على ما يفرضه كل من الاجتهاد القضائي الجنائي الدولي ونظام المحكمة وقواعد الإجراءات والإثبات، فلاحظ فرانسين أن قرار الاتهام يخلو من الأدلة على الدافع أو الدوافع للاعتداء (!؟).

أضاف: يخلص فرانسين باكراً، ما يدل على ارتباكه وتسرعه وتبرير منحاه الخاطئ في تقويم الأدلة عن طريق الاستدراك والاستلحاق، إلى أن قرار الاتهام يرتكز على عناصر كافية وموثوقة لملاحقة المشتبه بهم وأنه يتسم بما يكفي من شروط الدقة والتعليل ليتمكن كل مشتبه به من فهم الادّعاءات المساقة بوجهه! (فقرة 28). هل العبرة فقط في أن يفهم المشتبه به مآل اتهامه، أم أن يعمل قاضي التصديق رقابته الجادة والمهنية والعلمية على عناصر الاتهام والأدلة؟

وأشار إلى أن فرانسين يضيف إلى قوائم الاتصالات الهاتفية، إفادات الشهود، في معرض تقويمه التهم، وقد فاته أن لا إفادات في قرار الاتهام المنشور، بل إيحاء في مناطقه الرمادية إلى وجود شهود، ما لم يكن «التقرير» الذي يعتمد عليه قرار الاتهام هو الذي يستند إلى إفادات شهود، فيزدوج المرجع النصي الاتهامي، ما يؤلف بذاته خروجاً عن مبدأ وحدة قرار الاتهام (فقرة 34).

«تحليل الاتصالات»

بعد شرحه القانوني لمسألة اعتماد الأدلة الظرفية، انتقل لتشريح أدلة قرار الاتهام وعناصره، وقال: تحت عنوان «تحليل الاتصالات»، يشير بيلمار إلى أن مجموعة من الأدلة التي جمعت طوال فترة التحقيقات التي أجريت، بما فيها إفادات الشهود والأدلة الوثائقية وسجلات بيانات الاتصالات للهواتف الخلوية في لبنان، أدت إلى تحديد هوية بعض الأشخاص المسؤولين عن الاعتداء على الرئيس الحريري ورفاقه. إلا أن المستغرب أن بيلمار يقصر التفاصيل على سجلات بيانات الاتصالات ولا يعطي أية إضاءة على إفادات الشهود والأدلة الوثائقية! ما الهدف من إخفائها؟، ليخلص: يبدو أنه لا يملك إلا دليل الاتصالات، ما لم يكن يتحفظ عن إعلان أدلته، الأمر غير المألوف أو المفهوم بمعرض الاتهام الجنائي، فيقع في محظور عدم كفاية الدليل والتعليل معاً.

أضاف جريصاتي: في معرض دليل الاتصالات، الذي ليس هو بدليل اتهام على ما أسلفنا، يؤكد بيلمار أن الهواتف النقالة سجلت بأسماء مستعارة وأن نسبة الاتصال بينها مرتفعة! ثم يقسم بصورة اعتباطية شبكات الهواتف النقالة تلك إلى شبكات مختلفة ويحدد دور كل من هذه الشبكات في عملية اغتيال الحريري ورفاقه، مع الإشارة إلى أن بعض مستعملي هواتف الشبكات يحملون ويستعملون عدة هواتف من مختلف الشبكات، فضلا عن استعمالهم عدداً وافراً من الهواتف النقالة الشخصية بأسماء مستعارة أيضا!! يصل الأمر بالمدعي العام بيلمار إلى ما يعتبره الاستنتاج الأقوى من حركة الاتصالات من ضمن هذه الشبكات ومن الهواتف الخلوية الخاصة، وهو ما يسميه «الاقتران المكاني».

ويتابع: يصل بيلمار في منحاه هذا إلى الزعم بالإمكانية المتاحة، عندما يتبين أن هواتف الشبكات، المسجل الاشتراك فيها بأسماء مستعارة، مقترنة مكانياً بهواتف خلوية شخصية معروفة هوية مستخدميها من خلال هوية المتصلين بهم (؟!)، للتعرف في نهاية المطاف بواسطة «الاقتران المكاني» على هوية شخص بوصفه مستخدم هاتف من هواتف هذه الشبكات! مذهل هذا المنطق الاستنسابي الذي لا يستقيم على جميع المستويات والذي يبني تهماً بهذه الخطورة ويوزع المسؤوليات والمساهمات الجرمية على مثل هذه الفرضيات التي تنطلق من أسماء مستعارة من دون الإدلاء بما يفيد قطعاً عن هويتها الحقيقية وعن كيفية إسقاط أسماء المتهمين على أرقام الهواتف المحمولة المستعارة، حتى انتهى الأمر بالمدعي العام بيلمار إلى حد القول بأن ماضي احد المتهمين كرجل صاحب خبرة في ارتكاب الأعمال الإرهابية - بحسب تعبيره - يدعم الاستنتاج أن اسمه الحقيقي هو كذا وأن أحد أسمائه هو اسم مستعار (فقرة 29)!؟.

وسأل: هل يعقل أن تكون هذه المقاربة أقوى من الدليل المباشر على ما أكده بيلمار في مقدمة قرار الاتهام (الفقرة 3)؟ لذلك، لا نعجب أن يرهق بيلمار قرار الاتهام بعبارات تدل على هزال حجته، كمثل «من المعقول الاستنتاج»، وذلك بعد أكثر من 2370 يوماً على اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، بل نعجب أن يهمل بيلمار القرائن التي تفوق قيمتها الثبوتية ما ساقه في قرار الاتهام بشأن إمكانية تورط إسرائيل في عملية الاغتيال، هذا إذا اعتمدنا وإياه مقاربته هو، الأدلة الظرفية!!

وقال جريصاتي: لا بد أن بيلمار قد شعر بضرورة ما لسد ثغرات «الدليل» الظرفي الناجم عن «تحليل الاتصالات»، فوقع في مزيد من الاستنساب في سعيه هذا، ذلك أن ما دون هذه الحجة المتهاوية إنما يندرج حتماً في مسار انحداري أي دوني، فاتجه ناحية الانتماء الحزبي للمتهمين وتصنيف الحزب بالمنظمة الإرهابية وصولاً إلى ... عنصر المصاهرة مع رمز مقاوم!!

ويخلص بيلمار في الفقرة ذاتها إلى أنه استناداً إلى خبرة اثنين من المتهمين وتدريبهما وانتسابهما إلى «حزب الله»، فإنه من المعقول الاستنتاج أنه كان لديهما القدرة على تنفيذ اعتداء 14 شباط 2005!! وقال جريصاتي: صدقوا أو لا تصدقوا، هذا ما ورد حرفياً في قرار الاتهام الذي وضعه بيلمار وصدقه فرانسين!!

وسأل: من أين أتى بيلمار بالتوصيف الإرهابي في حين أنه يعلم جيداً أنه لا يوجد مفهوم أممي موحد للإرهاب وعقوبة موحدة له، وما شأن الانتماء الحزبي أو التدريب العسكري الذي تلقاه المتهمون، باتهامهم بجريمة اغتيال الحريري ورفاقه؟ وما شأن حالات القربى والمصاهرة بالعمل الإجرامي؟

«رمادي وغامض»

وفي ختام الدراسة عدد جريصاتي المقاطع الرمادية أو الغامضة أو الخاوية في القرار، وهي:

1- لم يتمكن بيلمار من كشف هوية جميع الفاعلين أو المشاركين أو المحرضين، على ما أعلن في قرار الاتهام، ما يحمل على التساؤل عن صحة الاعتماد على تحاليل الاتصالات في ضوء هذه المحدودية التي تضاف إلى الاستنسابية المطلقة التي يتصف بها هذا الاستدلال الهزيل.

2- لم يتمكن من تحديد هوية الانتحاري، في حين كان سلفه برامرتز قد توصل إلى تحديد خاصيات معينة به. فهل أن في الأمر إهمالاً أو عجزاً؟ (فقرة 52).

3- لم يتمكن من تحديد مصير أبو عدس سوى أنه مفقود منذ لقائه المفترض اعتباطياً مع أحد المتهمين، هذا اللقاء الذي لم نفهم كيف توصل بيلمار إلى تأكيد حصوله، كما استخدام أبو عدس من متهمين اثنين لإعلان مسؤوليته زوراً عن الاعتداء على الحريري (فقرة 35 و39).

4- لم يتمكن بيلمار من تبيان ما زعمه من أن متهمين اثنين استخدما «هواتف عمومية» للاتصال بوكالة رويترز وقناة الجزيرة «بالقرب من الشجرة التي خبئ فيها الشريط»! (الفقرة 54).

5- لماذا لم يبادر بيلمار إلى الاستماع إلى المتهمين الأربعة بعد أن اشتبه بهم في حين أنه سبق استدعاء عناصر وكوادر من «حزب الله» للتحقيق معهم بصفة شهود من قبل لجنة التحقيق الدولية، وتحديداً بما له علاقة بمعطى الاتصالات، وتركوا من دون الاشتباه بهم؟

6- ما هي خصائص الانفجار، لا سيما الخاصية الأساسية، أي زنة حمولة الـفان من طراز ميتسوبيشي كانتر من المتفجرات: هل هي 2500 كلغ تقريباً من مادة TNT كما حددها بيلمار (فقرة 51) أو 1200 كلغ على الأقل من المادة ذاتها كما حددها برامرتز في التقرير الخامس للجنة التحقيق الدولية المستقلة تاريخ 25 أيلول 2006 (فقرة 18)؟

وفي ختام المؤتمر الصحافي رد رعد وجريصاتي على اسئلة الصحافيين، فقال رعد رداً على سؤال حول التناقض الواضح داخل الحكومة إزاء التعاطي مع المحكمة الدولية: «إذا لاحظ البعض أن ثمة تبايناً في آراء أعضاء في الحكومة، فلينتظر موقف الحكومة لأن الموقف هو الذي يحسم التباين.

وتعليقاً على «إصرار فريق المعارضة على التسليم بكل ما يأتي ويصدر عن المحكمة الدولية وصولا إلى موضوع مجلة «التايم»، أجاب: «دعونا إلى عدم التسرع ودعونا إلى الهدوء، وتجنب الكيدية. ما ورد في مجلة «التايم» في الحقيقة هو فضيحة جديدة موصوفة ويجب أن يصل التحقيق القضائي فيها إلى معرفة شهود الزور الجدد الذين يجب أن يضم ملفهم إلى ملف شهود الزور السابقين».

ورداً على سؤال حول الأرقام الهاتفية وإن كان الحزب يعتبر أن الأرقام هي فعلا أرقام لهؤلاء المشتبه بهم ولكن خرقت إسرائيلياً أو من الأساس تنكرون أن هذه الأرقام كانت بحوزة المشتبه بهم الأربعة، أعلن رعد أنه «ربما يصدر في وقت قريب تبيان تقني لدحض ما ورد في القرار الاتهامي على مستوى الاتصالات».

تعليقات: