من يشعل نار الفتنة عبر الاعتداءات على المزارات المسيحية؟

تمثال محطّم في بدارو (علي علّوش)
تمثال محطّم في بدارو (علي علّوش)


بجرأة واضحة، تحوّلت إلى تحد، أقدم مجهولون، فجر أمس الأول، على تحطيم تمثال السيدة العذراء بالقرب من محطة «براكس» في منطقة بدارو، ثم انتقلوا إلى شارع «العلم» المحاذي لشارع المحلّة الرئيسي، وعملوا على تهشيم مزار للعذراء، مثبت عند مدخل بناية «الفقيه»، بعد مرور حوالى شهر ونصف الشهر على تحطيمه للمرة الأولى.

وعمد الفاعلون، في الليلة ذاتها، إلى تكسير مزارات صغيرة، في المنطقة ذاتها، لمار الياس ومار شربل، في حملة يبدو أنها تندرج في سياق زمني متتابع، وفق مناطق مسيحية متفاوتة.

فقد سبق وشهدت الأشرفية، وعين الرمانة، والدكوانة، وفرن الشباك في بيروت، وعين الإبل الجنوبية والمتن اعتداءات مشابهة في الأشهر الأخيرة، وسط غياب تام لرقابة الأجهزة الأمنية، التي لم تتمكن، حتى اليوم، من معرفة الفاعلين، وبالتالي إماطة اللثام عن دوافعهم، التي أدت إلى بث حالة من الهلع في نفوس قاطني منطقة بدارو.

أسلوبان محترفان؟

وفي حين ما تزال المتابعة الأمنية والسياسية لحملة التعدّي على المزارات المسيحية، خجولة وبعيدة عن التحليل الجدّي الذي من شأنه استباق وقوع إشكالات طائفية مفاجئة، فقد علمت «السفير» أن مجهولين أقدموا، في ليلة تحطيم المزار الأخيرة، على اقتحام مدافن حرج بيروت، وتكسير محتويات الغرف، ومحاولة بعثرة القبور.

وفيما لم تتمكن الأجهزة الأمنية من تأكيد أو نفي، وجود خيط وثيق بين الحادثتين، إلا أن الاعتداءين الأخيرين يطرحان علامات استفهام حول خطة المجهولين، الذي اعتبر مصدر أمني أنهم يتصرفون بأسلوب يدل على احتراف وتحد واضحين: فشارع بدارو مزنر بثكنتين عسكريتين - بالإضافة إلى وجود المستشفى العسكري - ويُعتبر خط تماس مع مناطق ذات لون طائفي واحد.

إلا أن عنصر الطمأنة الوحيد يكمن ربما في إدراك غالبية سكان بدارو لدوافع «هؤلاء المجرمين، الذين لا دين لهم، ويرمون إلى زرع الفتنة بيننا وبين طوائف أخرى»، على حد تعبير عضو جمعية «تجّار بدارو» جورج شويري، وهو سبعيني يملك مكتبة في شارع المنطقة الرئيسي.

بثقة تحمل في طيّاتها افتخاراً متواضعاً، يقول شويري إن «شارع بدارو هو الوحيد في بيروت، الذي يضمّ أبناء طوائف عدة، لم يغادروا منازلهم بالرغم من الحروب التي شهدها، ومنها عائلات براكس وشويري، وحمادة، والرفاعي، وبيضون».

إلا أن الثقة التي يحملها شويري، يقابلها اهتزاز بالثقة تجاه الأجهزة الأمنية لدى جورج براكس، رئيس الجمعية التي ينضوي فيها شويري، الذي يعتبر أن «صبر أهالي المنطقة قد نفد جرّاء الاعتداءات على المزارات المسيحية»، متسائلاً: «هل سنصل إلى يوم نحمي منطقتنا ورموزنا بأيدينا؟ نحن لا نتمنى ذلك، ولكن ما العمل؟».

وقد بلغ استياء أهالي المنطقة من حملة التعدّي إلى حد حمل الجمعية، التي تُعنى بالاهتمام بشؤون المنطقة التي تتبع لبلدية بيروت وغير ممثلة بمختار، إلى التوجه للقاء رئيس الجمهورية ميشال سليمان، في الشهر الفائت، لتزويده بمطالبهم المتمثلة بدعوة الأجهزة الأمنية إلى إحكام سيطرتها في المنطقة، قبل تطوّر الأمور وانفلاتها.

ليلة تحطيم التمثال

عن ظهر قلب، حفظت هالة سعادة، الأربعينية ابنة منطقة بدارو، قصة تهشيم مزار السيدة العذراء أمام محل تصفيف الشعر الذي تملكه، في مبنى «الفقيه»، راويةً التفاصيل بأسلوب شبه آلي وسريع: «لقد كشف أمرهم، في المرّة الأخيرة، كريم مشرقي، عندما سمع أصوات التكسير، خرج إلى الشرفة، وشاهد سيارة تلوذ بالفرار، من دون تمكنه من تسجيل رقم لوحتها». وكريم، البالغ من العمر اثني عشر عاماً، كان قد سقط من شرفة منزله في الطابق الرابع، قبل أحد عشر عاماً، من دون أن يُصاب بأي أذى. و«تكريماً للعذراء، شيّد والد كريم، آنذاك، المزار، ثم تعرّض تمثال العذراء الكبير للتكسير ثلاث مرّات»، بحسب سعادة. تقول إنها لاحظت، بعد الحادثة الأخيرة، وجود عناصر أمنية في المنطقة، منهم ببزات عسكرية واضحة، ومنهم من يرتدي ثيابا مدنية عادية. ومع ذلك، لا تخفي مصففة الشعر أنها، كسائر أبناء المنطقة، متوجسة من احتمال تفاقم الأزمة، وإمكانية تطوّرها إلى إشكالات طائفية.

هروب عائلة؟

وبدا لافتاً في بدارو أمس، شيوع خبر مفاده أن عائلة مسيحية مؤلفة من ثلاثة أفراد، قد تركت منزلها عقب الاعتداء الأخير على تمثال العذراء، فيما أكّد وجهاء المنطقة أنهم لم يسمعوا بالخبر، الذي لو كان صحيحاً، على حد قولهم، فإنهم كانوا سيعرفون قبل غيرهم، على الأقل اسم العائلة أو مكان إقامتها بالتحديد. ويُصنف وجهاء المنطقة الخبر في خانة «صبّ الزيت على النار»، معتبرين أن مطلقيه يريدون تصوير مسيحيي المنطقة على أنهم ضحية، بغية شدّ العصب الذي يصبّ في نهاية المطاف حيث يستفيد المعتدون على المقدّسات الدينية: الفتنة.

وعلى الرغم من أن فتيل فتنة طائفية، يسعى مجهولون لإشعاله ببطء، لم يومض بعد، إلا أن احتمال وقوع إشكال طائفي كبير، يفضي إلى نتائج لا تحمد عقباها وينتهي ببيانات الاستنكار، ربما يكون قاب قوسين أو أدنى، ما إن يُمس مزار ديني.. في منطقة ذات لون طائفي آخر.

تعليقات: