السياسة ترخي بظلالها على حفل تسلّم وتسليم وزارة الصحة

الوزير علي حسن الخليل والوزير خليفة
الوزير علي حسن الخليل والوزير خليفة


خليفة يعرض إنجازاته ويؤكد البقاء تحت مظلة «الحركة»

ليس من السهل، أو المنطق، إبعاد السياسة التي فاحت رائحتها، عن حفل تسلم وتسليم وزارة الصحة ما بين وزيرها في حكومة تصريف الأعمال الدكتور محمد جواد خليفة، والوزير في الحكومة الجديدة علي حسن خليل.

وحضور السياسة لم يتأت عما فعلته «وكيليكس» التي تثبت، بالممارسة، أن حياة بعض السياسيين قبلها، ليست كما بعدها، بل أيضاً لأن «نزول» المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب، ورئيس «حركة أمل» نبيه بري، إلى المسرح الوزاري له دلالاته، وبالتحديد في تغليب الدور السياسي للوزير على العمل المؤسساتي الإداري المحض.

ويتأتى تغليب الدور السياسي للوزير الجديد من «وزن» الوزير علي حسن الخليل، أحد «الخليلين» الشهيرين (إلى جانب المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل)، ودوره في التفاوض وحلحلة العقد الوزارية والسياسية وإمساكه بالملفات الشائكة، بالإضافة إلى معرفته ببواطن الأمور.

ويرى بعض المراقبين، في إطار تعزيز التوجه عينه، أن الدفع بالخليل شخصياً إلى طاولة مجلس الوزراء بعدما حضر «ظله» على مدى الحكومات المتعاقبة السابقة، هو دفع بـ«الأسلحة الثقيلة» عبر شخصية ذات ثقل سياسي، تتمتع بقدرة فورية على اتخاذ القرارات من دون المراجعة والتهاتف الاستشاري، طبعاً تحت مظلة «الأستاذ» وتوجيهه، وبما يتناسب مع «المرحلة الميقاتية» وطريقتها في إدارة الأمور.

وعلى الرغم من الجهد الجبار الذي بذله الوزير خليفة بهدف إضفاء العفوية على حفل التسلم والتسليم بين «أبناء الحركة الواحدة، وبين الإخوة»، إلا أنه بدا كأنه لا يودّع فقط مقعداً وزارياً يشغله في وزارة الصحة منذ سبعة أعوام، بل، ربما، حياة سياسية، على الأقل على المدى المنظور، أتاها من الطب والمسار الأكاديمي.

ولم ينسحب توديع «السياسة» كمركز وزاري على الانتماء الذي كان خليفة حريصاً على التأكيد على استمراره بولائه لـ«حركة أمل» ورئيسها الأخ نبيه بري، بل في «جردة الحساب» الطويلة لإنجازاته في وزارة الصحة، والتي نسبها لـ«خط الحركة» و«دورها في النهوض بالبلاد».

وإذا كان الوزير خليفة قد استذكر خطوة الرئيس بري الذي «ضحى» بالمقعد الوزاري السادس للطائفة الشيعية لحساب فيصل كرامي، من دون أن يسمي الأشياء بأسمائها، فإنه غمز من بعيد إلى تضحية بري على غير صعيد، وربما، من بينها، مقعده الوزاري شخصياً. فتحفظ «حزب الله» غير المعلن رسمياً على خليفة ليس خافياً على أحد بعد نشر بعض وثائق «وكيليكس» المتعلقة به، إلى درجة توقع معها معظم المراقبين مباشرة استحالة عودة خليفة إلى الوزارة الجديدة عقب نشر الوثائق السرية. في المقابل بدا خليفة، على مدار السنوات التي مرت منذ العام 2004، ولغاية حكومة تصريف الأعمال الأخيرة، خيار الرئيس بري المفضل للاستمرار في وزارة الصحة.

وجاءت مسارعة الوزيرين الخليل وخليفة إلى نفي تأثير «وكيليكس» على خيار الرئيس بري التوزيري، ولإضفاء عليه طابع «التمثيل السياسي» بامتياز، من «الوشوشات» التي سرت، ليس في أروقة المتابعين لشؤون السياسة وفي الشارع فقط، بل بين جمهرة كبيرة من الموظفين الذي حضروا لتوديع وزيرهم المغادر واستقبال القادم، وبين الحضور الإعلامي الذي لم توفر تساؤلاته الموضوع.

ولم يكتف الوزير خليفة بسرد لائحة من إنجازاته خلال سبع سنوات بل ختم البيان الجاهز الذي وزع على الحضور، بالتذكير بحيازته أوسمة محلية وعربية وعالمية، وبنبذة عن المواقع التي يشغلها في منظمة الصحة العالمية (عضو استشاري)، وبين وزراء الصحة العرب (رئيس مجلسهم لولايتين متتاليتين). ويختم البيان بالقول ان الدكتور خليفة «سيعود اليوم لاستلام مهامه الأكاديمية كرئيس قسم الجراحة العامة في الجامعة الأميركية في بيروت، وكرئيس قسم جراحة زراعة الكبد والبنكرياس، إضافة إلى مهامه كأستاذ في كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت، وكمشرف على امتحانات شهادات الجدارة للجراحين في لبنان وللشرق الأوسط ولجامعات عالمية».

ورأى الوزير خليفه انه، «رغم أن أربعين في المئة من بقائه في الحكومات المتعاقبة قد مضى في تصريف الأعمال»، إلا أنه تمكن من «احترام أصول العمل المؤسساتي، والحرص على أن تكون الوثائق والأرقام هي المرجع، كما في الإدارة فكذلك في الشق المالي».

ومن بين «الإنجازات» التي حافظ عليها ودعمها الوزير خليفة، أشار البيان الذي وزّع خلال حفل التسلم والتسليم، وتطرق خليفة إلى جزء منه، إلى «أن لبنان أطلق أولى خدمات الصحة العامة في عهده، حيث يتعدى عدد المستشفيات اليوم العشرين مستشفى عاماً، بعضها من المنتسب إلى الجامعات والمؤسسات التعليمية».

وأدى خليفة، وفق البيان، دوراً في تشكيل سجل جديد لضمان جودة وتسعير الأدوية في لبنان بموجب خطة إصلاحية شاملة، وفي اعتماد لبنان خطة الإصلاح الصحية التي تضمن إلزامية التأمين الصحي العام لكل مواطن، وفي اعتماد أسس علمية لتصنيف المستشفيات وفق معايير دولية، وفي مكننة دخول مرضى وزارة الصحة، وفي تشكيل نقابة الممرضين، وفي إصدار قانون استقلالية المستشفيات الحكومية وتعيين مجالس إدارة لكل منها، وفي إنشاء وترميم وتجهيز العديد من المستشفيات الحكومية بقروض من منظمات دولية، وفي مراقبة خفض الفاتورة الاستشفائية عبر توحيد تعرفة الأعمال الجراحية والطبية (المبلغ المقطوع)، وتوحيد التعرفة الطبية للصناديق الضامنة، وفي ترشيد توزيع أدوية السرطان وزرع الأعضاء وإصدار البطاقة الدوائية للمرضى المسجلين في مراكز الرعاية الصحية الأولية والبطاقة الدوائية الخاصة بنقابة الفنانين المحترفين. وذكّر البيان بحملات التثقيف التي أطلقت في عهد خليفة ومنها أمراض القلب و«السيدا» والسكري وسرطان الثدي، وإنشاء سجل وطني للأمراض عينها.

طبعاً ليس من باب التقليل من أهمية ما أشار الوزير خليفة إلى أنه أنجزه على مدار سبع سنوات من عمر وزارة الصحة، بل من قبيل تذكير الوزير الجديد بمعاناة الناس مع الشأن الصحي في البلاد الذي يتخطى الشخص - الوزير ليضع السياسة الصحية للدولة على محك التساؤلات.

فمعظم المستشفيات الحكومية التي افتتحت في السنوات السابقة تعاني مشاكل كبيرة تبدأ من المحسوبيات السياسية التي تحكم تعيين مجالس إداراتها، والتي تؤدي في كثير من الأحيان إلى تعطيلها شهوراً لا بل سنوات، ومستشفى حاصبيا، على سبيل المثال لا الحصر، هو أحدها، في ظل تفرج الأطراف السياسية «الحاكمة»، في هذه المنطقة أو تلك، ضاربة بعرض الحائط مصالح الناس وشؤونهم الصحية، فعن أي استقلالية نتحدث؟

وإذا كان مستشفى رفيق الحريري الحكومي في بيروت قد تم تجهيزه بأحدث الآلات والأجهزة وتم إطلاق العمل بمعظم الأقسام الضرورية فيه، فإن مستشفيات المناطق من عكار إلى الهرمل وطرابلس والجنوب والبترون وجرود جبيل، تعاني نقصاً حاداً في العديد من التجهيزات من جهة، وتفتقر إلى الكثير من الأقسام، وبعضها ليس فيه قسم طوارئ حتى. وهنا يمكن السؤال عن المكان الذي تلجأ إليه الناس سواء تمكننت إدارة هذه المستشفيات أو بطاقات خدماتها أم لم يحصل ذلك. ونذكر على سبيل المثال أيضا لا الحصر أن صورة الثدي في أحد المستشفيات الحكومية في إحدى المناطق النائية تظهر غير واضحة ولا يقبلها أي طبيب، بمن فيهم أطباء المستشفى نفسها.

وعلى الرغم من توسيع خدمات وزارة الصحة وشمول تغطيتها شريحة أكبر من المواطنين، إلا أن خمسين في المئة من المواطنين يفتقدون أي تغطية صحية في لبنان، وهو ما يشير إلى أهمية دور وزارة الصحة والمستشفيات الحكومية في سد هذا النقص.

وليس ملف الدواء في لبنان ومافياته إلا نقطة في بحر التجاوزات التي تحصل والتي تشير إلى أهمية إيلاء هذه القضية الأولوية القصوى، على الرغم من بعض التقدم الذي سجل مؤخراً. وغني عن القول ان ملف المتممات الغذائية وعقاقير التنحيف والتجميل وما تتضمنه من مواد ممنوعة عالمياً، لم ينته عند القرار بإقفال أحد المعامل، بل ينتظر البت بكل الأدوية المستوردة والمنتجة محلياً تحت هذا الغطاء أو ذاك.

تعليقات: