الشمعة والتضحية

الشمعة خُلقت لتضيء حياة غيرها وتنطفيء هي بنفسها الى أن تذوب لوحدها بوحدتها.
الشمعة خُلقت لتضيء حياة غيرها وتنطفيء هي بنفسها الى أن تذوب لوحدها بوحدتها.


هذه القصة ليست ككل القصص.

قصة ربما لا تتكرر كثيرا ، حطت أحداثها بثقلها على انسانة لم يكن همها في هذه الدنيا الا العلم والمعرفة واكتشاف كل ما هو جميل وعميق داخل الروح البشرية .

كانت تحب المطالعة كثيراً وخاصة للكاتب والاديب الكبير " جبران خليل جبران" الذي ترك اثراً كبيرا على حياتها .

عندما كانت تقرأ له كانت تنسى نفسها فتجدها هائمة في قصصه وكتبه التي هي الغازاً للحياة ، تدخل معه الى تواضع النفس ورقيها للسمو بها للخلود.

كانت حين تبدأ المطالعة بكتبه ، تغور في اعماق معانيها وأبعادها والقصد من كل عبرة وعبارة ، حيث تجد نفسها تائهة سابحة في الفضاء اللامتناهي من جمال وروحانية وآفاق لكلمات لا حدود لها ...

لم تكن تتوقع أن تهذيب الروح وأخذها الى عالم الخيال والمحبة والتضحية والرومانسية، سيكلفها عمرها كله والتضحية بأغلى ما لديها وما منّى الله بها عليها .

ربما لم تلدها أمها كي يُضحى من أجلها . لأن مسيرة حياتها نبّهتها الى هذه الظاهرة الغير عادية.

ربما خلقها الله لكي يُضحى بها وأن تكون دوماً هي الضحية .

ُتحس بأنها وُجدتُ على هذه الارض كي تضحي من أجل سعادة غيرها .

خُلقت لتكون شمعة تضيء حياة غيرها وتنطفيء هي بنفسها الى أن تذوب لوحدها بوحدتها.

خُلقتُ لترسم البسمة على وجه غيرها . وردة تُعطر مَن حولها وتنعش خيالهم وذوقهم وهي تذبل يوماً بعد يوم .

خُلقتُ لتكون قرّة للعين وجليساً أنيساً مفيداً لمن هم بحاجة الى معرفة وفهم وإدراك وتحليل نقطة معيّنة في موضوعهم .

الحب عطاء وتضحية . ولكن هل من سُنة الكون أن تبقى تعطي وتضحي وفي النهاية تخسر كل شيء ؟

هل من العدل ( وطبعاً ليس من عدل على هذه الأرض ) أن تبدأ تخط أسطر النهاية في الوقت الذي تكون فيه ما زالت تكتب أحرف البداية ؟ ؟ ؟

فبدل المحبة قوبلت بالغيرة والحسد. بدل التضحيات الجمّة والتي غالبها كان على حساب نفسها وصحتها، قوبلت بالتهم ونكران الجميل والحقد.

طلبت الحنان والأمان، قوبلت بالخيانة والتجريح .

هناك من وصفها بأن ما تحمله من مشاكل وهموم ومسؤوليات " لو حمله جبل قاسيون لزحل من مكانه " .

وهناك من وصفها أو بالاحرى شبهها " بالملاك " الذي يمشي على الأرض ، لأن وجودها في مرحلة طويلة من حياتها كان أشبه بوجود الملاك الذي يحمي ويحرس ويحافظ على أسرته ويضحي حتى بنفسه دون كلل أو ملل أو كلمة آخ ....

إحترامها للغير والحرص على مشاعرهم، وعزة نفسها وكرامتها جعلتها عبرة وقدوة لمن حولها. هذه النقطة نفسها كان لها ردة الفعل المعاكسة تماماً عليها من غيرة وحسد وطعن في الخلف .

الكثيرون ممن التقتهم في حياتها من جميع فئات البشر قالوا لها :

لماذا تعذبين نفسك الى هذه الدرجة ؟

لماذا هذا البؤس في عينيك ؟ لماذا تحملّين نفسك مسؤوليات وأوجاع أكبر من قلبك الصغير وأكثر ثقلاً من طاقتك ؟

لماذا لا تعيشين حياتك ؟ فالجمال يغمرك ويلفك من الخارج الى الداخل.

حلاوة روحك ، وجهك الضحوك ، بسمتك المبلسمة ، عيونك الجميلة التي تختبيء برموش طويلة سوداء تمتلك بطيات نظراتها كل حنان ودفء العالم بل وحتى كل الكون .

لماذا هذا البؤس في ملامحك طالما أنك تتمتعين بكل هذا الجمال الفتّان الذي يُسحر من تمرين أمامهم مروراً عادياً، ولكنك لست إنسانة عادية .

فمن عاشرك وعرف طينتك وسلوكك ومبادئك لم يستطع أن ينساك ولو بعد مرور سنين .

ومن لم تتح له الظروف بالتعرف اليك عن كثب وصفك بالكمال والرهبة والهيبة في مشيتك وشموخ رأسك .

هناك الكثير من الاشخاص الذين لم يعرفوا كيفية التصرف مع نظافة روحها وبراءة شخصيتها ونزاهة أخلاقها وبعد النظر في إدراكها للامور .

ولو تعلم أيها القاريء العزيز كم مرًة قيل لها : " نعتذر عمّا بدر مناّ ، وسامحـينــا ".

وتسامح لأن المسامح كريم ولأن الطيبة هي في روحها.

وإليك هذه العبرة من الحياة وللحياة طبعاً:

" يجدوننا حين يخسروننا ... ... ويفتقدوننا حين يفقدوننا "

وأن الحياة لا تسير ، إلا برفعة وعظمة وكبرياء الجبين والروح معاً .

تعليقات: