الطرق في النبطية بلا تخطيط أو إشارات.. والإنارة من الكماليات

لافتة تذكر بقانون السير على مدخل النبطية.
لافتة تذكر بقانون السير على مدخل النبطية.


«السلامة المرورية» مصطلح إعلامي لا وجود له على أرض الواقع

...

تزداد أعداد حوادث السير مع تساقط الأمطار، فالنقاط الحساسة في الطرق تسجل حوادث سير جديدة، والعديد من الطرق الجنوبية ليست أكثر من زفت، لا إنارة، لا تخطيط، لا إشارات تنبيه، لا جدران دعم، والحادث البسيط يغدو مميتاً في أعماق الوادي. ومشكلات الطرق في الجنوب كثيرة، تبدأ من طريق عام الزهراني النبطية، أو ما يعرف بـ «أوتوستراد الموت» لكثرة الحوادث عليه. وقد تم تأهيله للمرة الأولى منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، حيث كان بمسلك واحد. لكنه بات شبه أوتوستراد بمسلكين، فلا فاصل يحمي وجهتي سير متعاكستي الاتجاه. ولم يوضع فاصل بينهما سوى بعض الأشجار، ورصيف في الوسط، ما يجعل القيادة عليه في الليل بالغة الصعوبة، خصوصاً أن الإنارة شبه غائبة، وأضواء السيارات المقابلة لبعضها كفيلة بتشويش رؤية السائق مع الابتكارات الجديدة من ألوان أضواء السيارات، بين الأزرق والأبيض والأصفر. أما عن جسور المشاة، فأنجز جسر يتيم مؤخراً، بعد وقوع كثير من الضحايا عند محاولة اجتياز الأوتوستراد من جهة إلى أخرى.

وتتعدّى الأسباب الموجبة لحوادث السير عامل السرعة، فعلى تلك الطريق ومع سرعة متوسطة قد يقع حادث سير مميت، وتعرض المواطن مروان لحادث سير قرب «كاليري دياب»، حيث بات رصيف منتصف الطريق أكثر عرضا واتساعاً بشكل مفاجئ أمامه، يقول» كنت أهرب من حفرة كبيرة أحفظها عن ظهر قلب، لكني سرعان ما وجدت السيارة تتخبط على الرصيف الوسطي. ونجوت لأن السرعة كانت مقبولة ولم تجتز السيارة الرصيف إلى الجهة المقابلة من الأوتوستراد». ويشهد الأوتوستراد من المصيلح حتى النبطية الكثير من الحرمان. وتحديدا عند مخارج ومداخل القرى، حيث لا وجود لأي إشارة تشرح وجود مفترق أو مدخل بلدة أو منطقة صناعية، علما أن طول الطريق على الخطين مليء بالمحال التجارية والصناعية، والسير على خط اليمين من كل جهة، قد ينذر بخطر إضافي.

أما طريق عام الخردلي، فتنقل واقعاً آخر لشروط السلامة العامة على طرق الجنوب، فهي كثيرة المنعطفات والانحدارات، ولا يوجد على جانبيها جدران دعم تقيها في الشتاء انزلاقات الأتربة والأحجار، أو تقي السيارات الانزلاق الى وادي نهر الليطاني المجاور لها. بالإضافة إلى أن عرض الطريق غير كاف بالنسبة لكونها طريقاً رئيسية. وإنارتها دائمة الأعطال إن توفرت. إضافة الى وجود العديد من النقاط السوداء عليها، والتي حتى اليوم لم يجر العمل على إيجاد حلول لها، كتخشين الزفت مثلاً، منعاً للتسبب بانزلاقات خطيرة. وتنعدم عليها إشارات السرعة المطلوبة أو المنعطفات الخطرة. فلا إشارات إلى منعطفات المخيمات الموجودة على ضفتي النهر ولا إشارة إلى جسر الخردلي. فيما تعمل «الهيئة الإيرانية لإعادة إعمار لبنان» على تأهيل العديد من الطرق الرئيسية، كطريق فرون - الغندورية - بنت جبيل، أو كطريق قعقعية الجسر، وطريق كفرمان - الميذنة نحو البقاع الغربي. و«تعتمد طريقة التأهيل المواصفات العالمية من حيث نوعيات المواد الأولية المستعملة، إضافة الى توسيع الطرقات بحسب المعايير المعتمدة عالميا حسب نوع الطريق، مع مراعاة البنى التحتية لتجنب حفرها مجدداً عند حصول أي طارئ فيها»، كما يقول المهندس المشرف حسن حمزة، الذي يتولى الإشراف على مشروع طريق كفرمان - البقاع الغربي. ويؤكد حمزة على أن «دراسة أساسية تخضع لها الطريق، تراعي شكلها، ميل المنعطفات الموجودة عليها، وجانبيها وكثافة السير، وبعدها يصار إلى التطبيق»، معتبراً أنه «حاليا يتركز اهتمامنا على البنى التحتية كذلك، وحيطان الدعم وعبارات المياه، التي غالبا ما نحاول أن تكون جيدة، لأن المياه هي المسبب الرئيسي لإحداث أضرار بالغة في الطريق». ويشير إلى أن الهيئة تراعي وجود إشارت السير والإنارة والتخطيط، ولكنها تكون في المرحلة الثانية من خطط العمل، على أن تتابع أعمال الصيانة.

وتكثر حوادث السير على الطرق القريبة من الوادي، وتحديداً في قعقعية الجسر التي تعرف أخطر الأكواع، وتطل على مرتفعات نهر الليطاني من دون وجود «جدران دكّ» على جوانبها. وتسببت تلك المشكلات بالعديد من الحوادث المميتة. وآخرها أودى بحياة الشاب محمد حسن سليمان (25 عاما) من بلدة زوطر الشرقية وجرح ثلاثة من رفاقه في انقلاب سيارة «رابيد» إلى وادي النهر. وبعد الحادث بادرت البلدية بوضع براميل حديدية ملئت بالأحجار، وكتب عليها «خطر الموت». ووضعت بعدها لافتة «إنتبه»، تشير إلى أن المكان متضرر من جراء الأمطار الغزيرة في الشتاء. ويضع رئيس بلدية قعقعية الجسر حيدر حيدر «مسوؤلية الطريق على وزارة الأشغال العامة، لإنشاء حيطان دعم على جانبيها. والمشروع كان قد أوكل إلى الوزارة منذ فترة، ولكن حتى الآن لم تبرز أي خطوة عملية على الأرض». ويستغرب بعض العاملين في منظمات أجنبية في الجنوب، كيف تترك هذه الطرقات من دون وجود إنذار مسبق لخطورتها أو إشارات تلفت إلى الإنتباه، ما قد يبرر «رخص حياة الإنسان» في بلادنا، «فنحن في لبنان وليس في سويسرا» كما يقول حيدر رئيس بلدية قعقعية الجسر.

وتلفت نقابة مكاتب تعليم السوق إلى العديد من نقاط الضعف على طرق الجنوب. وتعمد من حين لآخر إلى رفع بعض اللافتات التي تنبه السائقين إلى التقيد بالسرعة المطلوبة، والالتزام بقوانين السير، إلاّ أن تلك اللافتات بحاجة إلى دعم على أرض الواقع من خلال الإشارات المطلوبة والتخطيط اللازم. ويشير رئيس النقابة حسين غندور إلى أن «ما يتعلمه طالبو رخص السوق من إشارات توجيهية وتحذيرية وإرشادية، لا يوجد على معظم طرقات الجنوب. وتحديدا إشارة سكة الحديد المخفورة وغير المخفورة، والتي تساهم أحياناً في رسوب الطالب في الامتحان». ويرى المواطن أحمد، الذي يجري امتحاناً لنيل إجازة سوق أن «الاشارات تنتسى بعد المباشرة بالسير على الطرقات». ويقول: «عم إحفظها كرمال الإمتحان مش أكتر»، مشيراً بسخرية إلى كثرة القوانين التي تشغل بال السياسيين في لبنان، والتي تبقى على الورق ليس أكثر. ويشير غندور إلى أن «إشارات السير والسرعات المطلوبة، والتي هي من مهام وزارة الأشغال العامة، يمكن لاتحادات البلديات أن تبادر بوضعها على الطرقات، لأنها لا تحتاج إلى ميزانيات مرتفعة، وتعتبر من أهم شروط السلامة العامة». ويلفت إلى أن «أموال المعاينة الميكانيكية والتي تبلغ ملايين الدولارات ورسوم الميكانيك والتسجيل ورسوم عدادات الوقوف، بإمكانها لو استثمرت بشكل صحيح، أن تصنع شبكة طرقات بأهم المواصفات العالمية، لكن واقع البلد معروف»، مبرزاً الإهمال الذي يعانيه قطاع تعلم السوق، وتحديداً في عدم إيجاد أماكن مخصصة للتعليم والتدريب على القيادة الصحيحة.

وتجدر الإشارة إلى «حملة الجيل الجديد» التي تنظمها النقابة منذ ثلاث سنوات، من خلال وضع اللافتات وإقامة ورشات العمل حول قانون السير، إضافة إلى إنشائها موقعاً الكترونياً يجاري جيل الشباب بحداثته، مقدماً الأساليب الحديثة في تعلم القيادة وأهم قوانين السير اللبنانية والعالمية. ويؤكد خبير السير المحلف ونائب رئيس نقابة خبراء السير مصطفى حمادي، أن «الأسباب الأساسية للحوادث الكثيرة على طرق الجنوب هو غياب الدولة بكل أشكالها من إرشاد وصيانة ومراقبة، لتصبح كلمة السلامة المرورية العامة مصطلحاً نسمعه في وسائل الإعلام ليس أكثر».

تعليقات: