الــوردة وبراعمهـــا

هدى اسبيريدون الجلبوط
هدى اسبيريدون الجلبوط


شمّها..

أحبّ رائحتها وجمالها، فقرر أن يقطفها ويزرعها في حديقته!..

قُطفت وزُرعت هذه الوردة وأُنبتت في أرض غير الارض والتراب الذي تعودت عليه، وسقيت بمياه غير التي كانت ترويها .

مرّت الايام وبدأت هذه الوردة بالذبول. حاولت جاهدة التأقلم مع المناخ الجديد الذي تعيش فيه الآن ولكن عبثاً حاولت.

فالشوك بدأ يدمي ساقيها حتى وصل الى ما قبل عنقها العاجي الطويل.

وكانت تبكي دماً أكثر من دمعها على نفسها ولما حلّ بها وما آلت اليه أمورها وحالها.

ومن كثرة الدمع ، سقت جذعها الطري ، وحنّت الأرض عليها فنبت على جانبيها برعمين لوردتين صغيرتين لم تتفتح أزرارهما بعد .

برعمين رائعين جميلين . ولأن ذلك التراب كان ملوثاً من كثرة الشوك والكينا ، كبر هذان البرعمان الى جانب امهما ولكن عليلين ، ضعيفي القوى والبنية وهذيلين.

احتارت هذه الوردة الشمــأء ماذا تفعل كي تحميهما ؟؟؟

والأظلم من ذلك أن زارع هذه الغرسة وما تفرع منها ، غادر بلا عودة. واللوم الأكبر هنا يقع عليه لأنه لم يؤمن لهم البيئة الصالحة ولم يوفر لهم أية حماية لغدرات الزمان وما سيحل بهم في هذا الكبكوب من الشوك الذي تركهم فيه .

حاربت بأوراقها. بدأت تحرق نفسها لردع الخطر عنهم، ولكن للأسف تعبت .

خارت قواها ولم تعد تعرف من أين تصّد الخطر والألغام المحيطة بهم من الجهات الأربع.

تأزم الوضع كثيراً، وبدأت الانتفاضة تُشعل صدر هذه الوردة.

كان لا بدّ من قرار مصيري يقلب المقاييس رأساً على عقب.

إنتفضت الوردة ، وأصبحت كأنها شجرة أرز من لبنانها وصرخت بأعلى صوتها :

" لـن أدفن في ترابكم . لن أدع ترابي يلتصق بترابكم . فأنتم قتلى وغدّارون ولن أسامحكم لأن الله هو نفسه لن يسامحكم لكثرة الشوك الذي زرعتموه في دربي والجراح التي أدمتني ومزّقتني اشلاء وأنتم غير مبالين بما أعاني ، بل بالعكس كنتم تصفقون مع القدر " .

روت برعميها بدموعها. حمتهما بجراحها الى أن قوي عودهما قليلاً لكي يستطيعا أن يدافعا عن نفسيهما في العالم المليء بالشوك .

وهنا كان الوداع المبكي المفجع حين عانقت الوردة الحلوة ولديها وأوصتهما قائلة :

" كونا قويين وسعيدين مع بعضكما بعضاَ، ولا تدعا احداً يفرق بينكما، فأنا يجب أن أغادر وأعود الى التراب والأرض التي زُرعت فيها وأنجبتني لأن هنا ليس هو حقلي الحقيقي " .

وبما أنها كانت تدرك تماماً أن الشوك لن يرحمها لها ، ولكن سيرحم ويحنّ على هذين البرعمين لأنهما من صلبه .

وكــان على الجميع أن يدفع الثمــن .

وهكذا حصل . وكان تقديرها في محلـه .

عادت هذه الوردة الى الأرض التي تحبها أكثر من عيونها لتبدأ من جديد مع أشواك جديدة ولكنها اليوم أقوى وحرّة أكثر من ذي قبل لأنها لن تدع الشوك يدميها ولن تعطي الفرصة للزمن للتحكم بمصيرها ومسارها .

تعليقات: