تجـار النبطيـة يرفعـون الصـوت لتنظيـم «سـوق الاثنيـن»

من سوق الإثنين في النبطية
من سوق الإثنين في النبطية


يطالبون بساحة محددة بدلاً من التمدد في شوارع المدينة..

النبطية:

ترتفع أصوات أهالي مدينة النبطية للمطالبة بتنظيم «سوق الاثنين» في ساحة معينة، «بدلا من تمدده في شوارع المدينة»، ما يسبب أزمة سير خانقة، فضلا عن ظواهر سلبية يصعب ضبطها ومنعها، كتراكم أكوام النفايات، وانتشار حوالى خمسين متسولاً منذ الصباح الباكر من أولاد ونساء وعجزة، وارتفاع معدل عمليات النشل المتكرر، مما يستلزم الإعلان عنها في مكبرات الصوت. فضلا عن ذلك، يرى البعض في سوق الإثنين الشعبي «همروجة» لا تعود بالبركة على المدينة، فالدورة الاقتصادية الأسبوعية التي يعتبرها أصحاب المحال التجارية في النبطية عصب استمراريتهم، يجني ثمارها أصحاب البسطات في يوم واحد. ويرى أصحاب هذا الرأي وهم من المقربين من تجار المنطقة، «ان المستفيدين من سوق الإثنين لا يفيدون النبطية مما يجنون من أرباح، ما يثير استنكار الكثير من أصحاب المحال الذين قدموا عريضة إلى المجلس البلدي مطالبين بتنظيم السوق».

وتجاوبت بلدية النبطية في جلستها الأخيرة مع جمعية التجار التي بحثت نقل البسطات إلى مكان خاص، كموقف أو ساحة، (يجري التداول في تحديد المكان). ويوضح رئيس البلدية الدكتور أحمد كحيل أن الأمر نفسه ينطبق على السوق الشعبي، «الذي نودّ إرجاعه إلى طابعه القديم، والمحافظة على تراثه، وحصره في ساحات محددة في النبطية».

ظواهر وازدحام

في المقابل، يقدر سكان النبطية أهمية السوق في فتح باب الرزق أمام تجار كثر من خارج المنطقة، وفي ترك الحرية للمستهلك من الطبقات الوسطى والفقيرة، كونه يشكل متنفسا لهم. لكن هذا الواقع تغيّر مع دخول الكثير من الظواهر السلبية التي ترافق ازدحام الناس. وتروي إحدى السيدات التي حضرت لشراء كتب أولادها، وبعض الحاجيات من ثياب ولوازم مدرسية، بأنها كانت تحمل مئتي ألف ليرة لبنانية ففقدتها بلمح البصر بعدما تم نشل حقيبتها. تبكي السيدة بحسرة على مبلغ جهدت لتوفيره، والآن عليها ان تتدبر أمرها لتسهيل استئناف دراسة ابنائها. وبالإضافة إلى عمليات النشل المستمرة يشهد السوق «مناوشات» متفرقة على خلفية عبور السيارات وسط ازدحام البسطات وكثافة الزبائن.

ويتعدى واقع البسطات في السوق حدة المنافسة مع التجار الأصليين في المدينة إلى التسبب بمشكلة بيئية حيث يعمد أصحاب الحافلات «الفانات» مع الانتهاء من السوق، إلى «لملمة» بضاعتهم تمهيداً للانتقال إلى سوق آخر، تاركين خلفهم «اكواماً عالية» من البقايا، لتتحول ساحة السوق إلى مكبّ للنفايات. ودفعت مشكلة النظافة هذه ببلدية النبطية السابقة إلى إعطاء التجار أكياسا كبيرة، طالبة منهم الالتزام بنظافة المدينة والمحافظة عليها.

وتعمد البلدية الحالية إلى شحذ همم عمال النظافة، وتكثيف العمل يوم الاثنين حتى ساعات الصباح لتنظيف المخلفات، كما جرى وضع مستوعبات كبيرة قرب البسطات، مع توجيه إنذارات للمخالفين.

منافسة البسطات

تتراوح كلفة إيجار المحل التجاري الواحد في النبطية بين خمسمئة وثلاثة آلاف دولار في الشهر، يضاف إلى ذلك مصاريف فواتير الكهرباء، واشتراك المولد، وضرائب وزارة المال والبلدية. وتشكل الكلفة تحديا كبيرا أمام التجار، كما يقولون، في كيفية تسويق بضاعتهم التي تتعرض لمنافسة كبيرة من أصحاب البسطات، لا سيما في نوعية المنتج وسعره المتدني.

ويصف كامل جلول (صاحب محل أحذية) تصرفات أصحاب البسطات بـ«المزعجة جدا»، مؤكداً انه لا يريد «قطع أرزاقهم، على الرغم من أنهم لا يحافظون على النبطية وطابعها العام».

في المقابل، يجد عصام وهبي (صاحب مؤسسة تجارية) «أن الاعتراض ليس على أصحاب البسطات، ولا على السوق، بل على كيفية تنظيمه، والمحافظة عليه في إطاره التراثي القديم، لا أن يصبح ذا لون تجاري محض». ويعرب عن استيائه من أزمة النظافة، متسائلا: «لماذا لا يحق لأصحاب المحال افتراش بضائعهم في السوق أيضا؟».

نسخ وشمس

وتتعدى بسطات «السوق» بيع الثياب والأحذية، لتصل إلى الأقراص المدمجة، بالإضافة إلى بسطات المواد الغذائية، كـ«المعكرونة والمرتديلا والطون والسردين والحليب والكاتشاب». وهي مواد تحتاج لمراقبة صحية فعلية، وتحديدا لدى تعرضها الدائم للشمس من سوق لآخر.

«تجري أسبوعيا مراقبة هذه البضائع من قبل مصلحة الاقتصاد والتجارة في النبطية»، كما يقول رئيسها علي حايك، وذلك وفق ما يتوافق «مع المادة السابعة من قانون حماية المستهلك، من حيث: المنشأ، اسم المنتج، المخاطر الناجمة عن استخدام السلعة، وتاريخ الصلاحية والانتهاء، فإذا كانت البضائع المعروضة مطابقة للمواصفات، فلا محاضر ضبط، إلا إذا ظهرت بعض عوارض فساد المعلبات، كانتفاخ العلبة أو تغيّر لونها، ما يستوجب إجراء كشف مخبري على البضاعة، وتحديد صلاحية استعمالها».

نقل السوق

بدوره، يقترح رئيس جمعية تجار النبطية علي بيطار نقل السوق الشعبي إلى ساحة واحدة، لتبقى شوارع النبطية مفتوحة أمام الحركة اليومية العادية، مشيرا إلى التضرر الواضح الذي يصيب أصحاب محال الحلويات، حيث يضطرون لنقل بضائعهم حملا على الأكتاف، لأن سيارات المعامل، لا تستطيع الدخول في ظل زحمة البسطات وزبائنها.

ويقترح بيطار «التوافق مع إمام البلدة الشيخ عبد الحسين صادق، على إمكانية استثمار وقف النبطية، أو ما يعرف بـ«ساحة البيدر»، لحلّ العديد من المشاكل المفروضة على المدينة، بالإضافة إلى نية الجمعية جعل ساحة حسن كامل الصباح، في كل يوم سبت من آخر الشهر، متنفسا لأصحاب المحال، حيث يمكنهم عرض بضاعتهم مع حسومات كبيرة، ما يساهم بإعادة الحيوية الاقتصادية التي أصبحت شبه مفقودة».

ويشير التاجر حسن بيطار الملقب بـ«الهدهد»، إلى الغلاء الفاحش في أسعار الإيجارات، «ما يجعل البائع يستحصل على إيجار محله من بيع قطعة ثياب للزبون، وتاليا يدفعه بنفسه للجوء إلى بسطات شعبية تقدم له سلعة مقبولة الثمن».

وينتقد «الهدهد» «قلة النظافة والتنظيم والترتيب وزحمة السير»، ويقول متهكماً: «بيكفي تجو عند حكيم العيون، يلّي ببسط بالنظارة الطبية بسعر ألفي ليرة لبنانية فقط».

تغيّر تاريخي

وتغيّر طابع «سوق الاثنين» التراثي عمّا كان عليه تاريخيا، فمن بسطات الغّلة والخضار، وساحة للمواشي، إلى بسطات للساعات والحلويات والنظارات الطبية والألبسة والأحذية، وأيضا المواد الغذائية.

ويتنقل المستثمرون في الأسواق المحلية في الجنوب من بلدة إلى أخرى، لتعمر أسابيعهم بدوام يومي كامل.. «فانات» متنقلة تحطّ رحالها أينما سنحت لها فرص التجارة الصغيرة والوسطى، لتفترش الأرض سريرا في أيام الأعياد والمناسبات.

ويرجع حسن ملي (صاحب أحد المحال التجارية)، بالذاكرة إلى أيام السوق الشعبي في ساحة المنشية (ساحة حسن كامل الصباح حاليا)، متذكرا قدوم القوافل من فلسطين آنذاك، «لتنام أياما في «لوكاندا» النبطية، فتعمّ «البركات» المدينة التي كانت تعتبر من أهم أرياف جبل عامل»، متمنيا أن يعود السوق إلى مكانه القديم.

في المقابل لزبائن السوق رأي آخر، تقول سناء شرقاوي إنها تقصد وأقاربها السوق من بلدة أرزي حيث تكثر الخيارات أمامهم، مشيرة إلى ان «الأسعار تختلف بفارق كبير بين المحال والبسطة وأحيانا تكون جودة القطعة نفسها لدى الإثنين». وتروي لبنى صديقة سناء كيف أنها اشترت قطعة ثياب من أحد المحال وتفاجأت بها على البسطة بسعر أقل من الضعف. من جهتها، تجد هيبة سلامة في سوق الإثنين متنفسا لها في كل متطلبات المنزل «حيث تجد ما لا يخطر في البال». أما إحسان عبود فترى ان أسعار السوق مناسبة جدا لدخل زوجها ولكن المشكلة التي تعترضها في المقاسات الكبيرة التي لا تتوافر بكثرة. يبقى لسوق الإثنين محبوه وشعبيته مهما ارتفعت الأصوات في وقت اصبح دخل الأسرة لا يكفي نفقات المصاريف الأساسية من طعام وشراب فكيف بالنسبة لمجتمع يعتمد على المهن الحرة وبعض الزراعات؟

بسطة كعك وخلفها السوق
بسطة كعك وخلفها السوق


تعليقات: