أزمة انقطاع خدمة الإنترنت: هل يحيل وزير الاتصالات رئيس أوجيرو على القضاء؟

 الوزير شربل نحاس
الوزير شربل نحاس


عند الرابعة من فجر أمس، تمكّن فنيّو وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو من إصلاح العطل الذي طرأ على خدمة الإنترنت (DSL) التي تقدمها شركات خاصة لمواطنين ومؤسسات خاصة وعامة، عبر شبكة الاتصالات التي تديرها هيئة أوجيرو. وبعد 48 ساعة من انقطاع خدمة الإنترنت عن عشرات آلاف المشتركين، عادت الحواسيب لممارسة دورها الطبيعي. لكن ما كشفه هذا العطل ليس سوى إظهار للاهتراء الذي تعانيه هيئة أوجيرو، من الجوانب كلها. فقد تبيّن أن إدارة الهيئة كانت قد أوقفت عقود الصيانة والدعم التقني التي كانت معقودة مع شركات مختصة من أجل تلافي حصول أعطال مماثلة، أو لإصلاحها في وقت أسرع مما استغرقه عطل نهاية الأسبوع الماضي.

وبحسب مصادر مطلعة على ما يجرى في قطاع الاتصالات، فإن العطل بدأ في سنترال الجديدة، وبالتحديد، في جهاز توزيع خدمة الإنترنت (SDH). وبما أن أنظمة الصيانة المعتمدة من أوجيرو لا تراعي المواصفات التي حددتها الشركات المصنّعة، فإن العطل بدأ يتمدد من سنترال إلى آخر، إلى أن «قشطت» الشبكة بكاملها. في الساعات الأولى، لم يتمكن فنيو وزارة الاتصالات وأوجيرو من تحديد طبيعة العطل. وأمام وقوفهم مكتوفي الأيدي تجاه ما يجري، أجرى وزير الاتصالات شربل نحاس، الموجود خارج لبنان، اتصالاً بشركة نوكيا سيمنس، طالباً المساعدة. ورغم عدم وجود عقد مع الشركة، فإنها لبت طلب نحاس. وقد تمكن فنيوها من تحديد العطل وإرشاد الفنيين اللبنانيين إلى كيفية إصلاحه، وهو ما حصل تباعاً إلى أن عادت الأمور إلى طبيعتها فجر أمس.

نظريات عديدة وضعت لتفسير العطل، ووصل بعضها إلى حد القول إن ثمة من تعمد حصوله، كرسالة إلى الشركات التي لا تزال رافضة طلب فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي زرع أجهزة تنصّت فيها. لكن مصادر معنية في الشركات المتضررة أكدت لـ«الأخبار» أن العطل سببه سوء إدارة هيئة أوجيرو التي لا تزال منذ سنوات، ولأسباب مجهولة، ترفض إبرام عقود صيانة مع شركات مختصة بذلك، متذرعة معظم الوقت بتوفير الأموال. وتلفت المصادر إلى أن أوجيرو، وبسبب غياب عقود الصيانة، تلجأ إلى تغيير معدات وإصلاح أخرى واستبدال بعضها بأخرى «على الطريقة اللبنانية». وأدت إجراءات أوجيرو، بحسب مصادر مطلعة على قطاع الاتصالات، إلى تغيير بنية الشبكة، مع ما يستتبعه ذلك من تغيير في وظيفة عدد من البرامج الإلكترونية القادرة على تحديد الأعطال والتحذير منها قبل وقوعها وإصلاح بعضها تلقائياً من دون تدخل بشري في بعض الأحيان.

وأعادت المصادر التذكير بما حصل في تموز الماضي، عندما انقطع كابل الاتصالات البحري الذي يربط بيروت بصيدا، ما أدى إلى انقطاع الاتصالات الهاتفية الثابتة بين الجنوب وباقي المناطق. وحينذاك، وضعت الهيئة المنظمة للاتصالات تقريراً عن الأوضاع العامة في أوجيرو، وعن الحادثة بعينها. وفي التقرير، تبيّن للهيئة أن أوضاع أوجيرو «مزرية» بكل ما للكلمة من معنى. وفي خلاصات التقرير الموضوع يوم 10 آب 2010، لفتت الهيئة إلى أن «إدارة الشبكة الثابتة وصيانتها، وخصوصاً ما يتعلق منها بالألياف البصرية الأرضية والبحرية ومركز التحكم، تعاني ثغراً عديدة قد يترتب عليها نتائج خطيرة في حال عدم اتخاذ بعض الإجراءات والتدابير التي باتت ملحّة جداً، نذكر منها خصوصاً عدم وجود أي خطط صيانة استباقية موثقة للأعطال المحتملة...».

الهيئة المنظمة توقعت إذاً حصول أعطال، فما الذي تغير منذ آب

رسالة إلى الشركات التي لا تزال رافضةً طلب فرع المعلومات زرع أجهزة تنصّت فيها

الماضي حتى اليوم؟ لا شيء، تجيب مصادر واسعة الاطلاع في الوزارة. «فالحماية التي يحظى بها رئيس هيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف تمنع المساس به، وتجعل منه رئيساً لهيئة كاملة الاستقلالية. وعندما قصد وزير الاتصالات شربل نحاس مجلس الوزراء لتعيين مدقق في حسابات أوجيرو، رُفِض طلبه بذريعة استقلالية الهئية. وبحسب المصادر، فإن أولوية نحاس في هذه المرحلة تنصب على التفاوض مع مجلس إدارة أوجيرو من أجل توقيع عقود صيانة جديدة بين الطرفين (الوزارة والهيئة)، لرفع يد أوجيرو عن كل ما ليس له صلة بمهمتها الرئيسية». وبحسب مصادر معنية بالقضية، ثمة في الوزارة ملفات عديدة ينبغي إحالة بعضها على التفتيش المركزي، فيما البعض الآخر يجب إحالتها على النيابة العامة، بسبب المخالفات التي ترتكب في أوجيرو.

وكان وزير الاتصالات قد أصدر بياناً، عقب عطل الإنترنت الأخير ذكر فيه أن «سبب توقف الخدمة، خلافاً لما أشيع في بعض وسائل الإعلام، ناتج من عطل أصاب صباح الجمعة نظام نقل المعلومات Transmission لخدمة الـ DSL بواسطة شركات الإنترنت DSP وISP، ما أدى الى توقف خدمة DSL للمشتركين عبر هذه الشركات». ولفت نحاس إلى أن الأعطال «تركزت في نظام نقل المعلومات الخاص بوزارة الاتصالات، من دون أن يعني ذلك شركات نقل المعلومات التي أبدت كل تعاون»، واعداً بالعمل على «تحديد المسؤوليات واتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الصدد».

هدوء على جبهة وزارة الاتصالات والهيئة المنظمة بعد صراع على الصلاحيات

سلوى بعلبكي - النهار

صراع الصلاحيات بين وزارة الاتصالات والهيئة المنظمة للاتصالات ظهرت الى العلن وتطورت الى دعاوى أيام الوزير جبران باسيل، قبل أن تصل الى حد الانفجار في ولاية الوزير الحالي شربل نحاس، حين ترجمت باستقالة مفاجئة لرئيس الهيئة كمال شحادة. ورغم أن الاستقالة برّرت في حينه بـ"دواع شخصية ومهنية"، حملت في طياتها الكثير من الشكوك والتساؤلات عن علاقة الهيئة والوزارة وصلاحيات كل منهما حيال تنظيم قطاع الاتصالات.

حالياً، يبدو أن معركة الصلاحيات هدأت بين الوزارة والهيئة انطلاقاً من اقتناع رئيس الهيئة الناظمة للاتصالات بالانابة عماد حب الله، "أن استمرار المشكلات بين الوزارة والهيئة لن ينفع القطاع ولا الهيئة ولا الوزارة". الى ذلك، فإن الاجتماعات التي عقدها الجانبان أفضت الى الاتفاق على جملة من الثوابت وفي مقدمها، تفادي أي مشكلة مع الوزير، وعدم التخلي عن القطاع الخاص وكذلك عن مسؤولية الهيئة وصلاحياتها.

من بين نقاط الخلاف السابق، برز تحديد مسؤولية سياسة القطاع والسياسة العامة لخدمات الاتصالات ومن يصدر الأنظمة وعلى أي أساس. لكن حب الله يعود الى القانون بتحديد العلاقة بين الجانبين، "فسياسة القطاع من مسؤولية الدولة ممثلة بالوزير، وكذلك بالنسبة الى القواعد العامة لخدمات الاتصالات (المادة 5). أما الهيئة فهي في موقع المستشار وإبداء الرأي وتحديد الأنظمة".

منذ تسلّم مهماته كرئيس بالوكالة، كيلت للهيئة اتهامات بالخنوع والخضوع لسيطرة الوزير. لكن حب الله نفى هذا الاتهام، "وكأنهم لا يرغبون في رؤية مؤسسات تعمل على نحو مؤسساتي قائم على فصل الصلاحيات والاحترام في التعامل. فمن الأفضل ان نصل الى نسبة معقولة من التوافق والتفاهم، بدل أن ننشر غسيلنا في الاعلام"، مؤكداً "أن الهيئة لن تكون في موقع المتاريس لا مع نحاس ولا مع أي وزير آخر".

أما بالنسبة الى الوزير نحاس، فيشير الى أنه يملك توجهاً اقتصادياً واضحاً "وعلى أساس هذا التوجه، يضع رؤيته للقطاع ويحاول توضيحها مع الأخذ في الاعتبار الآراء الأخرى. فإذ اتخذ القرار بسياسة عامة ورؤية للقطاع على الهيئة ان تنفذها". لكن في المقابل، يعترف بعدم وجود تطابق كلي بالرؤية بين الهيئة والوزير، "وفي النهاية، فإن الوزير والحكومة هما أصحاب الرؤية، ونحن في موقع المستشارين، والقانون هو الذي يحكم العلاقة بيننا".

إذاً ثمة تفاهم بين الوزارة والهيئة. وفي هذا السياق، يشير حب الله الى "ان الهيئة أصدرت بعض الأنظمة التي تتعلق بالقطاع، "وكنا على اقتناع بأنها تتبع السياسة العامة والقواعد العامة التي كانت معتمدة. لكننا عدنا واتفقنا على أن نبحث مع الوزير هذه الأنظمة لتتوافق مع رؤيته للقطاع والقواعد العامة". ويشير الى ان الهيئة اعادت درس خمسة أنظمة وبحثتها مع الوزير والمستشارين وتم التوافق على صيغتها المعدلة. و"نحن في انتظار أن يصدر الوزير القواعد العامة". وهذه الأنظمة هي: نظام شؤون المستهلكين، نظام الخدمات ذات القيمة المضافة، نظام إدخال المعدات، نظام جودة الخدمة، إعادة تأكيد انتقال الصلاحيات المتعلقة بالترددات من الوزارة الى الهيئة والتي كانت قد تمت أيام الوزير مروان حماده عام 2007.

سلف للهيئة

في ظل الخلافات بين وزارتي المال والاتصالات، ثمة سؤال عن موقع الهيئة المنظمة وسبل عملها في ظل عدم اقرار الموازنة؟

يحرص حب الله على إبعاد الهيئة عن السياسة وزواريبها، ويؤكد أن العلاقة جيدة مع وزير الاتصالات وكذلك مع وزيرة المال. "فالأخيرة تدعم الهيئة بكل شيء محق ولا تعرقل الأمور، ونبحث معها في قضايا موازنة الهيئة ومداخيلها ومصاريفها، وفي كيفية توفير السلف الضرورية لتسيير عملها والقيام بمهماتها". وأكثر، يؤكد أنه منذ ستة أشهر، لم يلحظ اي مشكلة بين الوزيرين بما يخص الهيئة.

وفي السؤال عن موازنة الهيئة المنظمة للاتصالات، قال حب الله "إذا لم تقر الموازنة وفي ظل غياب قدرتنا على جمع الأموال من الشركات التي تقوم بالخدمات، لا يسعنا إلا أن نطلب تمويلنا عبر السلف".

خروق أمنية

لدى الهيئة المنظمة للاتصالات عمل تنظيمي وتنفيذي وتشريعي وتقريري في مراقبة الترددات واصدار التراخيص والأنظمة وملاحقة المخالفين وادخال المعدات والمقاييس، إضافة الى تلك المسؤوليات ثمة ما يتعلّق بأمن الاتصالات. ووفق حب الله، فإن من مسؤولية الهيئة توفير المناخ التنظيمي والشروط التنظيمية لمقدمي خدمات الاتصالات ليتلاءم واقعهم مع تنفيذ القوانين _القانون 140). "وقد اصدرنا بعض التوجيهات للمؤسسات العامة والخاصة كي تحمي القطاع أمنياً وتقلل امكانات خرقه من العدو الاسرائيلي".

وماذا عن التقييم؟ "لا يزال قائماً" يقول حب الله. “لدينا العديد من الملاحظات على اداء الشركات وخصوصاً حيال بعض الخروق الممكنة. وسنقوم في الوقت المناسب، باطلاع الراي العام عليها".

الدولة تؤمن البنى التحتية

يبدو أن الوزير بدأ تطبيق أجزاء من رؤيته. وبدا واضحاً من هذه الرؤية ان الدولة هي التي تشرف على بناء وتقديم خدمات البنى التحتية في لبنان. وقد بدأت مرحلة التنفيذ في هذا المجال. ووفق حب الله، فإن ذلك يتأكد من خلال توسعة السعات الدولية، "إذ تحدث الوزير نحاس عن زيادة تفوق الـ1600 مرة بالسعات خلال فترة قصيرة إضافة الى السعة الداخلية للشبكات التي تشمل عمليات الوصل ما بين المراكز والمناطق والمستخدمين بألياف بصرية، وتنفيذ وتركيب معدات تؤمن السعات الكافية والخدمات الجديدة".

تلزيم احدى الشركات بتنفيذ مشروع الألياف البصرية هو جزء من الخطوة الأولى "وهي خطوة في الاتجاه الصحيح"، ويلفت حب الله الى قرب اطلاق عملية استدراج عروض للمعدات. أما الخطوة التي يجب أن تلي هاتين الخطوتين، فهي ربط الشبكات NGN (شبكات الجيل الجديد) والتي يعتبر أنه في حال تنفيذها، يحصل لبنان على سعات كبيرة تخفف الاختناق داخل الشبكة وعبورها الى الخارج. "وبالطبع يكون خطوة أولى تسمح للبنان أن يكون لديه سرعة الانترنت تصل الى 8 و10 و15 ميغابايت في الثانية للمنازل، وقد يصل الى مئات الميغابايت للشركات".

وعن دور الهيئة في هذه العملية، يشير الى انها تعمل مع وزير الاتصالات على ان تكون هذه المواصفات متقدمة، "ونعمل معه على ان ينتهي قبل نهاية السنة من تصوره، بحيث يتضح موقع القطاع من هذه المتغيرات وتحضير الأرضية التنظيمية لملاقاة انفتاح السوق وخصوصاً في مجالات الخدمات. كذلك نعمل معه على درس الأسعار وتقييمها، بحيث تكون التوسعات الجديدة حافزاً لخفض الاسعار وارتفاع نسبة المستخدمين وتحسين قدرات الشبكات. كذلك تحضر الهيئة عمليات التراخيص، وكيفية ادخال المعدات حتى لا ترضخ الشركات لبعض المساومات". ولا يغفل مسألة أمن الشركات وما اذا كانت ترقى الى المستويات المطلوبة.

500 مليون دولار لقطاع أكثر تطوراً

كيف يقوّم القطاع؟ وما المطلوب لتطويره؟

يعتبر حب الله ان قطاع الاتصالات هو القطاع الأكثر انتاجية الذي يحتاج الى أقل الاستثمارات، "ويمكن ان نحقق اسرع النتائج في حال اصدرنا الرؤية وبدأنا التنفيذ". وبرأيه، فإن 500 مليون دولار كافية لتضعنا في مصاف الدول الأكثر تطوراً في العالم، و200 مليون دولار لتوصلنا الى مستوى الأردن. وذلك يتطلب طبعاً ان نفتح السوق للشركات الخاصة وخصوصاً في مجال الخدمات الالكترونية، وأن نشجع التعامل الالكتروني للأفراد والشركات والدولة".

ينظر حب الله الى قطاع الاتصالات باعتباره رافعة لكل القطاعات، ولكن بوضعه الحالي (عدم انتشاره، وغلاء الاسعار، وعدم وجود المنافسة وقلة الاستثمارات)، فهو من ابرز المعوقات أمام تطور بقية القطاعات. لذلك، يرى ضرورة نشره وتشجيع استخدامه ليكون في متناول الجميع، "أي بمعنى آخر، الا نغرق كاهل القطاع ومستهلكيه بالضرائب. ومن واجب الدولة ان توفّر بيئة استثمارية صالحة يؤمن بها المستثمر وكذلك تأمين بيئة تنظيمية واضحة وثابتة. لقد اعددنا الكثير من الأنظمة التي تواكب هذا العمل، ونتمنى اصدار الرؤية والقواعد قريباً، علماً انني على ثقة بأن الوزير نحاس يعمل عليها بأسرع ما أمكن".

أما بالنسبة الى الحزمة العريضة، فأشار الى "انه في حال توفير التوسعة للسعات في اتجاه الخارج اضافة الى التوسعة الألياف البصرية في الداخل، وتوفير الوصول الى منازل المستهلكين والشركات، نكون قد أمنا الارضية. واذا صدرت الرخص للقطاع الخاص، نكون قد وفرنا الحزمة العريضة". وفيما توقع انجاز المشروع في نهاية السنة المقبلة، اكد في المقابل ضرورة مواكبته بعمل تنظيمي ورخص طويلة الأمد للشركات وتأمين جودة الخدمة وحقوق المستهلكين وتوفير ما يحتاج اليه القطاع الخاص من الترددات والاذونات والمنافسة للقيام بمهماته.

سلوى بعلبكي

تعليقات: