
زهران ممداني وسيدة نيويورك الأولى
في عالمٍ يتغيّر بسرعة، ووسط مشهدٍ سياسي متوتر، أطلّ فجر جديد من قلب نيويورك، بفوز زهران ممداني بمنصب العمدة. لم يكن هذا الحدث مجرّد انتصارٍ انتخابي، بل علامة فارقة في تاريخ التنوّع الإنساني والانفتاح الحضاري. فأن يتبوأ مسلمٌ هذا المنصب في مدينةٍ تجمع أعراق الأرض كلّها، هو إشارة إلى نضوجٍ ديمقراطيٍّ بدأ يعترف بالكفاءة قبل الهوية، وبالإنسان قبل الانتماء.
إن هذا الفوز، بما يحمله من رمزيةٍ سياسية وثقافية، يعبّر عن انتصارٍ للقيم التي تسعى إلى بناء عالمٍ أكثر عدلاً ومساواة. فهو يثبت أن العالم بدأ يسمع صوت الفقراء والمهمّشين، وأن الإنفتاح قادرٌ على اختراق جدران الاحتكار والتمييز، ليصوغ نموذجًا جديدًا في القيادة، عنوانه العدالة الاجتماعية واحترام الإنسان أينما كان.
وفي المقابل، بينما يسطع هذا الأمل في الغرب، ينزف الجنوب اللبناني تحت وطأة العدوان الصهيوني المتجدّد. مشهدٌ يعيد إلى الأذهان مآسي الحروب السابقة، حين كانت القرى تحترق والأطفال يُهجَّرون من بيوتهم. إنّ الاعتداءات التي تستهدف الجنوب اليوم ليست سوى محاولةٍ لإشعال حربٍ ثانية يريدها العدو ليغسل فشله الداخلي، غير مدركٍ أنّ لبنان ليس ساحةً مستباحة، وأنّ مقاومته هي درعٌ للأرض والكرامة.
إنّ هذا العدوان يستدعي وقفة عربية جادّة، لأنّ النار إذا اشتعلت في الجنوب فلن تبقى محصورة في حدوده. لبنان ليس وحده، فهو خط الدفاع الأخير عن شرف الأمة، وحمايته واجب إنساني قبل أن تكون مسؤولية لبنانية. لذلك، لا بدّ من تحركٍ عربي ودولي عاجل، يمنع انزلاق المنطقة إلى حربٍ مدمّرة، ويعيد الاعتبار للعدالة ولحق الشعوب في الحياة الآمنة والسيادة الكاملة.
وفي هذا السياق، تبرز ضرورة تدخل الأمم المتحدة وفرنسا، بوصفهما راعيتين أساسيتين للسلام والاستقرار في لبنان، من أجل منع اندلاع حربٍ ثانية. فلبنان يحتاج اليوم إلى مظلةٍ دولية تحميه من الطمع الصهيوني، وتدفع باتجاه تطبيق القرارات الدولية التي تضمن سيادته ووحدة أراضيه. فرنسا التي كانت دائمًا صوت العقل في الأزمات اللبنانية، مطالبة بأن تقود تحركًا دبلوماسيًا يضع حدًا للتصعيد، ويعيد الثقة إلى مسار الحلول السلمية، بعيدًا عن منطق الدم والنار.
وفي ظلّ هذا المشهد المزدوج بين النور والدم، يبدو العالم أمام مفترق طرق: فبين من يحتفل بفوزٍ يعكس التقدّم الإنساني، ومن يقف على أنقاض قرىٍ مهدّمة في الجنوب، تتجلّى المفارقة الكبرى بين حضارةٍ تبني بالحرية وأخرى تدمّر بالعدوان. لقد آن الأوان أن يتحوّل هذا الوعي العالمي إلى فعلٍ سياسيٍّ حقيقي يرفض الاحتلال والعنصرية ويؤمن بالمساواة بين الشعوب.
ولبنان، رغم جراحه، سيبقى البلد الذي لا ينكسر. فالتاريخ علّمنا أن أبناء الجنوب، مهما اشتدّت المحن، لا يعرفون الهزيمة. من ترابهم يولد الأمل، ومن رماد بيوتهم تنبت كرامة الوطن من جديد. إنهم رجالٌ كتبوا بالدم معنى الصمود، وحملوا البندقية لا للقتل، بل للدفاع عن الوجود والحق.
وفي الختام، تحيّة إجلالٍ وإكبارٍ لأرواح شهداء الجنوب ولبنان، الذين سقطوا دفاعًا عن الأرض والعروبة والكرامة. هم النور في زمن العتمة، والعنوان الأبقى لوطنٍ لا يساوم على عزّته. وإن كان العالم اليوم يحتفي بفوزٍ يرمز إلى الانتصار الإنساني، فإنّ شهداء لبنان هم عنوان الانتصار الأبدي للحقّ في وجه الباطل.
راشد شاتيلا سياسي لبناني مختص في الذكاء الاصطناعي و إدارة البيانات
الخيام | khiyam.com
تعليقات: