الوحشية الإسرائيلية: تدمير الأحياء ومسح معالم القرى جنوباً

نستطيع إحصاء عدد المنازل، التي ما تزال قائمة ولا يمكننا تقديم جردة المنازل التي دمرت (وسائل تواصل)
نستطيع إحصاء عدد المنازل، التي ما تزال قائمة ولا يمكننا تقديم جردة المنازل التي دمرت (وسائل تواصل)


استوطن مشهد تفجير تل بلدة محيبيب منذ نحو أسبوعين في قضاء مرجعيون، ذاكرة وبصر مئات ملايين الناس، وتم حفظه في الأرشيف الإعلامي، كأول تفجير ضخم في لبنان، بعد تفجيرات أحياء غزة في فلسطين. ثم كرت سبحة هذا النوع من التفجيرات جنوباً وكان آخرها في ميس الجبل، جارة محيبيب.


ميس الجبل

في ميس الجبل سويت غالبية الأحياء سابقاً بالأرض جراء الغارات والقصف المدفعي، فتحولت إلى بلدة منكوبة. ومؤخراً جرى تفجير حي "الطراش" بكميات كبيرة من المتفجرات. وهو من الأحياء، ذات الأبنية الحديثة، التي لم يرق للاحتلال الإسرائيلي بقاءه صامداً وشامخاً.

يضم الحي بحسب رئيس بلدية ميس الجبل عبد المنعم شقير، ما يقارب 25 منزلاً، تمتد إلى مبنى ثانوية المربي محمد فلحة، التي أصيبت بأضرار جسيمة. وقال شقير لـ"المدن" إن "حي الطراش، هو أحد الأحياء "الميسية" العامرة، الذي يحتوي على منازل حديثة. بناها أبناؤها كغيرهم من أهالي ميس بالكد والتعب وعرق الجبين، ولا نرى مبرراً لهذه العدوانية الإسرائيلية التي تتخطى كل القوانين وحقوق الإنسانية، حيت تنال من التاريخ والتراث والجمال والحضارة".


محيبيب ومقامها

سبق وأبادت إسرائيل محيبيب، القرية الصغيرة والوادعة، بحراسة مقام نبيها "بنيامين" الذي يحمل اسمه رئيس حكومة العدو، عن بكرة أبيها، بما في ذلك المقام والمنازل القديمة، التي يعود بعضها إلى عشرات العقود من الزمن.

تجاوز عدد المنازل، التي حولها التفجير الضخم والهائل إلى رماد، المئة منزل. ولم يبق في أطراف البلدة، المجاورة لميس الجبل، سوى بيوت تعد على أصابع اليدين. دفنت في محيبيب، التي تعرّف غالبية اللبنانيين على اسمها بعد التفخيخ والتفجير وسحب الدخان، على وقع قهقهات جنود الاحتلال، كل الذكريات وملاعب الطفولة والشوارع الضيقة في حاراتها. واندثر مقامها مؤقتاً، الذي كان يأتيه الزوار من كل حدب وصوب للتبارك وتقديم النذور للنبي ببنيامين، ابن النبي يعقوب.

يقول ابن البلدة هاني جابر: "بيتي وممتلكاتي" أبقاري الخمسة" ومحل الحدادة، كانت هناك، مع بيوت أبناء قريتي، التي أحتلت 22 عاماً، ثم تحررت بفعل المقاومة. وصارت كلها ركاماً مكدساً فوق بعضه. كل الاحجار تعوض، مهما بلغت فداحة هذا العدوان، فالأرض باقية في مكانها، ونحن عائدون لزرعها وبناء منازلنا كما كانت وأجمل".


حولا ومركبا

بالقرب من ميس الجبل، وبعد تدمير مئات المنازل في حولا، على مدى سنة وشهر، كان حي صبيح على موعد مع كميات كبيرة من المتفجرات الإسرائيلية، تحت حجج وجود أنفاق كما يدعي العدو في كل عملية تفخيخ في بلدات وقرى الجنوب، لا سيما الأمامية منها. فهذا الحي الواقع عند تخوم بلدة مركبا، والذي يبعد عن الحدود مع فلسطين أقل من 1000 متر، فخخت جميع منازله، التي يبلغ عددها بين عشرة إلى خمسة عشرة منزلاً. جميعها انهارت بلحظة واحدة. ويتأسف رئيس بلدية حولا شكيب قطيش: "نستطيع إحصاء عدد المنازل، التي ما تزال قائمة إلى هذا اليوم، ولا يمكننا تقديم جردة المنازل التي دمرت منذ مطلع العدوان، بما فيها منازل حي صبيح التي ستعود".

بالتزامن مع محاولات التقدم الإسرائيلية، إلى بلدة مركبا، المحاذية لحولا وبلدة هونين المحتلة، جرى تفجير أحياء بكاملها. سبق وتم تدمير القسم الأكبر من منازل مركبا، وفق ما يوضح أحد أبناء البلدة ح. عطوي لـ"المدن". وشرح عطوي أن عمليات التفخيخ الأخيرة في مركبا، تركزت في منطقة الخط العام، باتجاه مدرسة البلدة وصولاً إلى وعرة الدجاج ووسط الضيعة. هناك يوجد عشرات المنازل والمؤسسات والمحال التجارية، التي زعم العدو، أنه يفجر أنفاقاً، وهي ادعاءات وأضاليل خبيثة.


عيترون ويارون

في المقلب الآخر للقرى الحدودية، في القطاع الأوسط، فتح العدو جبهة بلدة عيترون البرية منذ أيام بوابل من الغارات والقصف. ولم يكتف بالدمار الكبير الذي ألحقه في البلدة ومرافقها، فأقدم على تفجير بعض الأحياء بواسطة كميات ضحمة من المتفجرات. وأقدم على أعمال تجريف، في حي "الخانوق" الذي يبعد حوالي كيلو متر واحد عن الحدود، وحي "الجرودة" القريب من الحدود أيضا في المحلة المعروفة بالكيلو تسعة.

ومن ضمن المنازل التي تدمرت كلياً في حي الخانوق في عيترون، دمر منزل عائلة الطبيب أحمد مراد الذي كتب: "الدمار الأول لمنزل الطفولة الأولى كان في 16 اذار من العام 1956 عند حدوث الزلزال الكبير. بعده تم بناء منزلنا الحالي مسكنا لعائلة عمي ولعائلة المرحوم أخي مراد. اليوم نسف العدو الاسرائيلي المنزل وجرف حاكورة الدار من أشجار الزيتون التي زرعتها في العام 2000 الى جانب زيتونة جدي وجرف وهدم الكثير من منازل البلدة ، لكن عيترون لا تزال راسخة في الارض. سنعود اليك عيترون لنا تاريخ في الصولات والجولات في المقاومة والتحرير. نحن أبناء هذه الأرض. سنعود وفي يدنا بندقية ومعول".

كان مسجد بلدة يارون، في قضاء بنت جبيل، من أوائل الأماكن الدينية والتراثية، التي أقدم العدو على تفجيرها، بعد قصف كنيستها، وذلك بين الخامس والسادس من الشهر الجاري، بعد تفخيخه، بكميات كبيرة من المتفجرات. وهو مسجد قديم جداً، سبق وأن دمرته إسرائيل في عدوان تموز 2006. لكن بعد تعرضها لمئات الغارات التدميرية لمنازلها، استكمل العدو تقدمه إلى يارون، ودمر ما تبقى من قصور ومنازل ومحال ومؤسسات. وزنّرت وحداته احياء بكاملها بالمتفجرات الضخمة.

بكبسة زر تم القضاء على منازل يارون، التي يجثم فوقها الركام والحزن والخسارة. "مسحت يارون"، يقول نائب رئيس بلدية يارون حسين جعفر، واصفاً ما حل بالبلدة، التي كانت توصف بـ"سويسرا لبنان". ويضيف:"المنازل التي سلمت من الغارات فخخوها وفجروها، وقد أصبحت أثراً بعد عين. وهي منازل لطالما كانت آمنة وتضج بالحياة". ويؤكد أنه تبقى من يارون أقل من عشرة بالمئة من عمرانها في كامل نطاقها الجغرافي الواسع، الضارب إلى حدود فلسطين.


الضهيرة ومسجدها

من أرض بلدة الضهيرة الحدودية، انطلقت العمليات الفدائية ضد قوات الاحتلال في العرامشة، بعد يوم على بدء حرب الإسناد لغزة. وقد أصبحت الضهيرة أرض بدون منازل ومدارس وبلدية ومساجد.

بدأ العدو الإسرائيلي بنقل مسلسل التفجيرات من غزة إلى لبنان، للمرة الأولى، من خلال تفجير أحد مساجد بلدة الضهيرة، الذي يبعد مسافة قليلة من الحدود، ثم واصل عمليات التفجير. ويؤكد مختار الضهيرة فادي سويد، أن منازل بلدة الضهيرة فخخت وفجرت، ثم جرفت وسويت مع الأرض، من حدود يارين وحتى حدود علما الشعب، وصولاً إلى المنازل التي كانت إلى وقت قريب مترامية وملاصقة للحدود مع فلسطين المحتلة.


هذه العينة من البلدات الحدودية لقيت المصير عينه لقرى أخرى مثل عيتا الشعب وكفركلا وعديسة ورب ثلاثين وراميا ويارين وبليدا والخيام وكفرشوبا وغيرها. فقد شهدت جميع هذه القرى تفجيرات أدت إلى تدمير أحياء بكاملها. وفي مناطق أخرى مسحت معالم الحدود داخل القرية كحال عيتا وبليدا.

تعليقات: