رحيل الياس خوري.. يوم حزين في بيروت وفلسطين. رحل بعد عام من الألم
رحل الروائي والناقد والمسرحي والناشط والأستاذ الجامعي، الياس خوري (1948 – 2024). رحل بعد معاناة مع الألم والمرض الذي أصابه منذ أكثر من سنة. رحل في زمن النكسات والركام والحرائق والخواء والانهيارات. إنه يوم حزين في بيروت وفلسطين وفي الوسط الثقافي العربي. ومن المفارقات أن الياس خوري ولد في عام النكبة 1948، وآخر إصدراته كتاب "النكبة مستمرة". الافتراض الذي ينطلق منه هو أن النكبة الفلسطينية لم تبدأ وتنته في سنة 1948، وإنما هو مسار بدأ في سنة 1948، ولا يزال مستمرًّا حتى الآن. فمنذ خمسة وسبعين عامًا وفلسطين تعيش نكبتها المستمرة التي تتخذ أشكالًا متعددة، من التطهير العرقي إلى نظام الأبارتهايد. فالصهيونية ليست أقلّ من مشروع محوٍ شاملٍ للوجود والهويَّة الفلسطينيَّيْن.
ومن آخر المقالات التي كتبها "عام من الألم" يقول فيه: "كان الألم وجعاً لا سابق له، ولم أكن أتخيل وجوده بهذه الوحشية، لكنه كان هناك يتربص بي.
كان ذلك ليلة عيد ميلادي، وكانت ابنتي قد أعدت عدة العيد، وفجأة تحول العيد إلى عكسه، وصار عرس الألم هو البديل.
هل تذكرون؟ أنا لم يعد لي طاقة على التذكر، أنا الآن في السرير أروي لكم ما أحسست به في ذلك اليوم والأيام التي تلته، وأريدكم أن لا تنسوا أن الألم قد يأتي من حيث لا ندري ويستوطن أجسادنا وأرواحنا ويقيم بيننا.
ورغم كل ذلك، فأنا لم أفقد الأمل ولا الشجاعة.
كيف يفقد الأمل من هو محاط بأصدقاء ومحبين ومن يعيش تجربة حب لا مثيل لها ومعي مجموعة من الأطباء نذروا وقتهم لإنقاذي؟
كيف يفقد الشجاعة من امتزجت تجربته بالتراب منذ بداية المقاومة الفلسطينية؟
غزة وفلسطين تُضربان بشكل وحشي منذ ما يقارب العام أيضاً، وهما صامدتان لا تتزحزحان. إنهما النموذج الذي أتعلم منه كل يوم حب الحياة".
أثناء مرضه الذي أمضى معظم أيامه في المستشفى، كان يتألم أيضاً بسبب حرب الإبادة في فلسطين، وكافح بالكتابة حتى الرمق الأخير. وفي آخر ظهور له عبر "زووم" كان نحيلاً وضعيفاً جداً..
وعن فعل الكتابة في زمن الإبادة التي تشهدها فلسطين، قال خوري: "هو فعل مؤلم لأنك بعيد من الناس الذي تحبهم وتكتب عنهم وتتمنى أن يكونوا في سعادة وأمان، فإذ بك تكتشف أن الإسرائيليين أخذوا قراراً بإبادة الشعب الفلسطيني في غزة والعالم، القرار أخذه الإسرائيليون والغرب الذي قرر تحطيم هذا الشعب، وهذا ما نلاحظه من خلال اضطهاد المثقفين العرب والأجانب حول العالم لضرب الروح المعنوية للشعب الفلسطيني".
ولد في عائلة من الطبقة المتوسطة في منطقة الأشرفية في بيروت. سافر إلى الأردن في عام 1967 حيث زار مخيم للاجئين الفلسطينيين، ثم انضم إلى حركة فتح التابعة إلى منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت. غادر الأردن في عام 1970 بعد أحداث أيلول الأسود، وسافر إلى باريس لمواصلة دراساته. بعد عودته إلى لبنان، أصبح باحثًا في مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، وبات مشهوراً بأنه فلسطيني الهوى في مواقفه وكتاباته، إلى درجة أن كثيرين يظنّونه من أصل فلسطيني.
عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "شؤون فلسطينية" من عام 1975 إلى عام 1979، ومديرًا لتحرير مجلة "الكرمل" التي كانت يرأس تحريرها الشاعر محمود درويش من عام 1981 إلى عام 1982. كما شارك في هيئة تحرير مجلة "مواقف" التي يرأس تحريرها الشاعر أدونيس، وساهم في تحرير مجلة "الطريق" التابعة للحزب الشيوعي اللبناني. عمل مديرًا لتحرير القسم الثقافي لجريدة "السفير" اللبنانية. عمل مديراً فنياً لمسرح بيروت بين عامي 1992 و1998، الذي ساهم في نهضة بيروت الثقافية بعد الحرب. وله في المجال المسرحي ثلاث مسرحيات، مع ربيع مروة وروجيه عساف، إضافة إلى العديد من الكتابات النقدية الأخرى. كانت ناشطاً في السياسة الثقافية، عدا عن مساهمته في إبراز مواقف النشطاء الثقافيين في سوريا، انضم إلى حركة "اليسار الديموقراطي" وسريعاً ما انشق عنها بسبب موقفها من "حرب تموز" 2006. كان ناشطاً بارزاً في حراك بيروت في 17 تشرين 2019، سرعان من انتقد نوابه وتوجهاتهم.
درّس في الجامعة اللبنانية، والجامعة اللبنانية الأميركية، والجامعة الأميركية في بيروت، وجامعة كولومبيا في نيويورك، ودرّس في جامعة نيويورك مادة الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية. شغل منصب رئيس تحرير الملحق الثقافي الأسبوعي لجريدة النهار اللبنانية منذ عام 1993 حتى عام 2009. في سنواته الأخيرة كان يشغل (منذ عام 2011) منصب رئيس تحرير مجلة "الدراسات الفلسطينية". ترجمت رواياته إلى العديد من اللغات مثل اللغتين الإنجليزية والفرنسية.
فاز بجائزة كتارا للرواية العربية – الدورة الثانية 2016 عن فئة الروايات العربية المنشورة عن رواية "أولاد الغيتو– اسمي آدم". حاز في العام 2011 على وسام جوقة الشرف الإسباني من رتبة كومندور، وهو أعلى وسام يمنحه الملك خوان كارلوس، تكريماً لمساره الأدبي؛ وفاز بجائزة اليونسكو للثقافة العربية لعام 2011 تقديراً للجهود التي بذلها في نشر الثقافة العربية وتعريف العالم بها.
النتاج الروائي:
* "عن علاقات الدائرة"، 1975
* "الجبل الصغير"، 1977
* "أبواب المدينة"، 1981
* "الوجوه البيضاء"، 1981
* "رحلة غاندي الصغير"، 1989
* "مملكة الغرباء"، 1993
* "مجمع الأسرار"، 1994
* "باب الشمس"، 1998 وقد تم إنتاجها فيلماً سينمائياً من إخراج يسري نصرالله وتمثيل عروة نيربية، هيام عباس، حلا عمران، نادرة عمران، عماد البيتم، باسل خياط.
* "رائحة الصابون"، 2000
* "يالو"، 2002
* "كأنها نائمة"، 2007
* "سينالكول"، 2012 تمت كتابة قسم منها في بيروت ونيويورك 2008-2010 وأنجزت في حزيران 2011 في برلين حيث قضى عاما دراسيا 2010/2011 كزميل زائر في معهد الدراسات المتقدمة.
* "أولاد الغيتو – اسمي آدم"، 2016
* "أولاد الغيتو - نجمة البحر"، 2018.
النتاجات الأخرى:
* "دراسات في نقد الشعر"، 1979
* "الذاكرة المفقودة" (دراسات نقدية)، 1982
* "المبتدأ والخبر" (مجموعة قصصية)، 1984
* "تجربة البحث عن أفق" (نقد)، 1984
* "زمن الاحتلال"(مقالات)، 1985
1994.
* "النكبة المستمرة" 2023
تعليقات: