مشروع قياس غاز الرادون (Rn222) في البيوت السكنية في لبنان


إحتمال تسبُب هذا الغاز لسرطان الرئة...

«مشروع مقدم للمجلس الوطني للبحوث العلمية»

أ- مقدمة في الخيال العلمي

عندما يمتد بك الخيال حتى يصل إلى أطراف المجرة , تقف أمام النجوم التي تكوّنت فيها جذور حياتنا. هنا يقف العقل حائراً أمام وجودنا, وإذا به يربط تكويننا على هذه الأرض بتلك النجوم والسدم التي خلقها الله في رحاب هذا الكون. فعلى الأرض وُجدنا, ومن ترابها تكوُّن الجسد البشري الذي نفخ الله فيه من روحه, لكي يتجاوز هذا الجسد أخطار محيطه المادي. فبكلمة "كن" الإلهية وُلدت الشمسُ ومعها الأرض التي ابتلعت في أعماق رحِمها المواد المشعة، التي تدمر خلايا الحياة، ومهّّدت هذه الأرض بذلك لبقائنا نحن على وجهها المعطاء. لقد أغرَقت اليد الإلهية هذه المواد في أعماق جسد الأرض لتبقى بعيدة عن إفناء وتدمير ينبوع الحياة فينا. وبذلك تكون الأرض الأم قد مهّدت لنشوء خلق الإنسان، الذي سيتولى بعد ذلك بناء الحضارة ومجدنا الفكري.

ب- العناصر الأساسية لتركيبة الذرة

إن جميع المواد الموجودة في رحاب هذا الكون تتألف من عناصر متواجدة، إما في حالة غازية أو سائلة أو صلبة. يوجد في الطبيعة مئة عنصر منها الحديد والنيكل والألمنيوم والكلس والذهب والفضة واليورانيوم وغيرها من العناصر. ولو أخذنا مكعّباً صغيراً من الذهب وبدانا نُقسِّمه إلى قطع أصغر ثم أصغر نصل في النهاية إلى جزءٍ نهائي لا يمكن تجزئته ويملك جميع خصائص وميزات الذهب. هذا الجُسيم الصغير نسمِّيه الذرة. ولو أردنا أن نقارن حجم الذرة بحجم تفاحة، مثلاً، فكأننا نقارن حجم التفاحة بحجم الكرة الأرضية. غير أن هذه الذرة لها سحرها وجمالها، فهي تعطي الضوء وتدخل في تركيبة وجود هذا الكون كما لها فعلها في نشوئنا المادي والعضوي. نقدم في الشكل-1-1 رسماً كمـَثلٍ لتركيبة ذرة الكربون وذرة الهيدروجين: نرى أن نواة ذرة الهيدروجين تتألف من بروتون واحد وألكترون واحد.

أما نواة ذرة الكربون فهي تتألف من 6 بروتونات و6 نيوترونات تدور حولها ستة ألكترونات في مدارات مختلفة و محددة. إذن،هكذا بنينا الحضارة، غير أن أيدينا إمتدت إلى رحم أمّنا الأرض واستخرجت منها المواد المشعة لكي نبني قصورنا وبيوتنا وحروبنا, غيرعابئين ما يمكن أن نتعرض له من الأشعاعات النووية الصادرة، مثلاً، عن معدن اليورانيوم ومولّداته. هذا المعدن، والعناصر المشعة الناشئة عنه، يمتد وجودها في كل مكان في القشرة الأرضية، حيث التعرض لأشعاعاتها تكوِّن مصدراً لنشوء الأمراض السرطانية.

د- إشعاعات اليورانيوم والعناصر المشعة الناتجة عن انحلاله

1- خصائص اليورانيوم الفيزيائية

إن اليورانيوم معدن أبيض فضي اللون، ثقيل الوزن، طيّع ولدِن وسريع الإلتهاب في حال تصادُمه بعنف بأجسام صلدة. فلليورانيوم كثافة معدنية عالية تساوي 19,5 كيلوغرام في حجم الليتر الواحد، وهذه الكثافة تقارب كثافة معدن التنغستن. لذا فهو أثقل معدن في الطبيعة. إن معدن اليورانيوم موجود في القشرة الأرضية بما معدله 3 غرامات لكل طن منها و يبدو أنه تكوّن في قلب النجوم ذات الحرارة الهائلة قبل 6.6 بليون سنة (6600000000 سنة). اكتُشِف اليورانيوم سنة 1789 من قبل العالم الألماني الكيميائي "مارتن كلابروث" وسماه أورانيوم، تيمُّناً بالكوكب "أورانوس" وأعطاه الرمز الكيميائي للحرف اللاتيني(U).

( راجع الجدول المرفق: الشكل-2 ). لذلك فإن اليورانيوم، إلى جانب نشاطه الإشعاعي، فهو أيضاً سام كيميائياً ومؤذٍ جداً للجنس البشري.

لا يوجد اليورانيوم في الطبيعة بشكل مستقل وغير مترابط مع مواد أخرى، وهو موجود منذ تكوين كوكب الأرض. ومنذ ذلك الحين واليورانيوم يقوم بانحلال نووي لذاته و إنتاج مواد إشعاعية مثل مواد: البيزموث، الراديوم،

غاز الرادون، البروتكتينيوم، والثوريوم والتي كلها مواد سامة(راجع الجدول المرفق في الشكل-2 )

2- ديناميكية الإنحلال النووي لليورانيوم:

إن ذرات معدن اليورانيوم مشعة ولذا فهي غير مستقرة، ولهذا السبب تبدأ من ذاتها، وفي لحظات معينة، بالإنحلال النووي و التحول الى ذرات اخرى، التي تسمى مواليد اليورانيوم ، وذلك للتخلص من فائض الطاقة المخزّنة في باطنها. كل واحد من هذه المواليد يُوَلّدُ عناصر كيميائية أخرى أثناء تناقص أو تزايد عدد البروتونات في نواتها.هذه العناصر الجديدة مشعة أيضاً و تسمى أبناء ذرة اليورانيوم، والتي تتالف منها سلسلة انحلال اليورانيوم، كما هو واضح في الجدول المرفق.

أثناء عملية الإنحلال هذه، تبث كل نواة طاقتها الفائضة عن وجودها الإستقراري على شكل جسيمات لنواة غاز الهيليوم التي تسمى اشعة ألفا(α) و المؤلفة من 2 بروتون و2 نيوترون ، أو تبث الكترونات تسمى بيتا(β). كما تترافق هذه الاشعاعات مع اشعاعات اخرى كهرومغناطيسية تشبه أشعة أطياف الضوء، تسمى أشعة غاما ولكنها تملك طاقة أعلى بملايين المرات من طاقة الضوء.

الجدول المرفق في الشكل-2 يبين في هذه السلسلة مواليد تسلسل الانحلال النووي لنظير اليورانيوم 238 ومواليده. كما يبين الجدول أسماء هذه المواليد بلفظها العربي. كما نرى من الجدول كيف انه عند كل انحلال من عنصر الى عنصر آخر يرافقه بث جسيمات أشعة ألفا (α) وبيتا (β).كما نرى مدة حياة كل عنصر المتولد. إن أهم المواليد الناتجة عن إنحلال اليورانيوم هو عنصر الرادون Rn المشع، حيث ثبت علمياً بأن إشعاعاته وتلك الناتجة عن اليورانيوم تسبب مرض التورم السرطاني.

3- ما هو غاز الرادون Rn؟

من المواد الخطرة على الانسان في بيئته الطبيعية، والناتجة عن الانحلال النووي لليورانيوم ،هو غاز الرادون المشع والذي هو وليد اليورانيوم( انظرانحلال اليورانيومU-238 في الشكل-2 المرفق). هذا الغاز خطر في أماكن تواجده وهو ليس له لون ولا طعم ولا رائحة وخامل، أي فاقد النشاط الكيميائي،

ويستطيع أن يتسرب بين الصخور ذات التفسخ ومن خلال التربة. هذا الغاز يمكن أن يدخل البيوت السكنية وأن يكون خارجها( راجع الشكل-3)، كما أنه يتواجد في مواد البناء كالغرانيت، والرمل والسيمنت، والجفصين والفوسفات. ففي حال تنشق غاز الرادون لمدة طويلة يمكن أن يسبب داء السرطان في الرئة، كما حدث ويحدث لعمال مناجم اليورانيوم.

إن مدة حياة الرادون النصفي، أي اندثار كميته الأساسية إلى 50% أثناء انحلاله النووي، هي 3.8 أيام فقط. ففي هذه الأثناء تتولّد منه عناصر جامدة، أي غير غازية. هذه المواليد هي ذات نشاط إشعاعي وتبقى في المكان الذي ولدت فيه، كالرئة مثلا، مما يعني إنتاج عناصر مشِعّة يكون مصدرها أساساً عنصر اليورانيوم و بالتالي غاز الرادون. إن خمسون بالمئة(50%) من تعرض البشر للإشعاعات النووية الطبيعية تأتي من غاز الرادون. لذا أصبح من الضروري لكل فرد تحاشي هذا التعرض، بان تقاس كثافة هذا الغاز في البيوت السكنية، حيث يقضي الناس معظم أوقاتهم.

4- غاز الرادون ونشوء سرطان الرئة:

إن عنصر الرادون هذا له القدرة على اختراق طبقات الأرض, داخلاً إلى البيوت السكنية بشكل دائم، و ليدخل بذلك إلى رئة الإنسان عن طريق التنفس, حيث تقصف إشعاعاته خلايا الرئة وتدمرها، مسببة بذلك نشوء التورم السرطاني في هذا العضو الحيوي للإنسان. ( راجع الشكل-3و4 المرفقين، حيث يبينان طريق الرادون إلى السكن و الرئة).

هذه الظاهرة المرضية، الناتجة عن تنفس الرادون، وقصف إشعاعاته للحمض النووي، اللاعب الأساسي في تكوين الأنسان (راجع الشكل-5 المرفق)، دفعت الكثير من الباحثين والعلماء في العالم, وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية , للقيام بأبحاث علمية، وذلك برصد وقياس مستوى كثافة غاز الرادون في داخل البيوت السكنية, والمدارس, والمستشفيات, وقياس الإشعاعات في مواد البناء. وبناءً على نتائج تلك الأبحاث تُقدّم الهيئات العلمية التوصيات الضرورية لأصحاب السكن لمعالجة وتحاشي الضرر السرطاني الذي ينتج عن وجود هذا الغاز في داخل بيوتهم.

أما في لبنان فإن هذه الأبحاث حول غاز الرادون المشع وكثافته في البيوت السكنية غير موجودة, مما دفع الدكتور محمد علي قبيسي إلى تكوين مجموعة من الباحثين وتأليف فريق بحث علمي لقياس المواد المشعة، كاليوارنيوم ومولَّداته, ومنها غاز الرادون، في مواد البناء- مرجع(1)- وداخل البيوت السكنية. هذا الفريق يتألف من:

1- الدكتور محمد علي قبيسي: باحث في العلوم النووية و عضو مجلس إدارة في المجلس الوطني للبحوث العلمية، و الباحث الرئيسي للفريق.

2- الدكتور إبراهيم رشيدي: عضو هيئة تدريس متفرغ في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية.

3-الدكتور عمر الصمد: باحث في الإشعاعات في هيئة الطاقة الذرية التابعة للمجلس الوطني للبحوث العلمية.

4- الدكتور علي عطوي: باحث في العلوم البيولوجية في هيئة الطاقة الذرية.

وللحفاظ على صحة المواطنين ومعالجة مشكلة الضرر الناتج عن التعرض لإشعاعات اليورانيوم ومواليده المشعة، قام هذا الفريق بتقديم مشروع بحث علمي إلى المجلس الوطني اللبناني للبحوث العلمية، للقيام بقياسات ورصد كثافة غاز الرادون وإشعاعاته في البيوت السكنية في لبنان, بدءً ببلدة الخيام في الجنوب اللبناني وبعدها سيطبق المشروع في عدة أماكن أخرى في لبنان، وخصوصاً في الأماكن الجبلية، حيث احتمالية ترسّب اليورانيوم جد محتملة، بسبب تركيبها الجيولوجي، وبثها غاز الرادون إلى داخل البيوت السكنية. كما وافق المجلس مشكوراً على الدعم المادي واللوجستي لهذا المشروع، حيث ستنفّذ تحليلات وتقييم نتائج هذا البحث في مركز هيئة الطاقة الذرية التابع للمجلس. يجب الإشارة هنا بان الدقة في القياسات التي سيقوم بها الفريق في المركز تتناسب مع الأبحاث المنشورة عالمياً. لذا نهيب بأفراد وعائلات المجتمع بأن يفسحوا المجال أمام هذا الفريق لقياس تركيز وكثافة غاز الرادون المشع في منازلهم لتحاشي إمكانية الإصابة بالعوارض السرطانية للرئة التي تنشأ عن التعرض لغاز الرادون المشع. وسيقدم الفريق الحلول اللازمة في حال كان التركيز لغاز الرادون في داخل السكن أعلى من المسموح به عالمياً. كما سيقوم د. قبيسي، بالتعاون مع الفعاليات البلدية، بإنشاء ندوات وشرح مفصّل حول المشروع وإعطاء توضيحات حول أسباب نشوء سرطان الرئة نتيجة التعرض لتنشق غاز الرادون المشع داخل المساكن

الدكتور محمد علي قبيسي Tel. 03 744138

البريد الألكروني makobeissi@yahoo.com





تعليقات: