إعمـار لبنـان بعـد الحـرب: الطريـق الصعـب

ورشة في الخيام (على لمع)
ورشة في الخيام (على لمع)


استعجلت الحكومة وخلفها الدول المانحة دفع أكبر كمية ممكنة من التعويضات الخاصة بالمتضررين من حرب تموز، قبل مرور سنة على بدء الحرب.

مع ذلك لا تزال عملية الاعمار في بدايتها، تسلك الطريق بصعوبة في قرى وبلدات ومناطق وصلت المنازل المدمرة والمتضررة فيها إلى ما يقارب مئة وعشرين ألف منزل. بينها منازل في الجنوب والبقاع، لم تدفع لها أقساط الدفعة الأولى من بدلات الهدم حتى اليوم، وبينها مدينة بنت جبيل الأكثر دمارا التي لا تزال تخضع للتخطيط الهندسي، وبينها الضاحية الجنوبية حيث تسلك التعويضات الطريق الطويل من وزارة المهجرين مرورا بالهيئةالعليا للاغاثة وصولا إلى المصرف المركزي.

يعمل في مشروع الاعمار ما يقارب عشر جهات رسمية ومانحة. في الجانب الرسمي تتولى كل من وزارة المهجرين، صندوق المهجرين، مجلس الجنوب، الاستشاري «الخطيب وعلمي»، ثم الهيئة العليا لاغاثة. تحديد الأضرار، قبل دفع التعويضات المقررة لها.

في المقابل توجد ثلاث دول مانحة رئيسية، تبنت مشاريع إعمار المنازل وترميمها وهي: قطر والسعودية والكويت. يضاف اليها تولي قطر والكويت إعادة بناء وتأهيل البنى التحتية في القرى والبلدات التي تبنتها، بينما تولت السعودية إعادة إعمار العديد من الجسور.

وهناك دولتان تتوليان مشاريع بناء وتأهيل خارج المنازل وهما الامارات التي عملت على إعادة تأهيل المدارس المتضررة وبناء المهدم منها. وإيران التي تعمل على إعادة تأهيل الطرق الرئيسية والفرعية المتضررة في الجنوب، بعد بناء الجسور المنتشرة في قضاء صور.

من بين الدول المانحة الخمس توجد ثلاث دول تشرف مباشرة على مشاريعها وليس عبر الحكومة وهي: قطر والامارات وإيران، بينما تدفع السعودية والكويت الأموال المخصصة للبنان عبر الهيئة العليا للاغاثة، مع فارق أن الكويت قررت عبر الصندوق الكويتي للتنمية، التوقيع على الجداول الجاهزة بالكشوفات، قبل دفع الشيكات الخاصة بها.

بالاضافة إلى الدول المانحة تولت مؤسسة «جهاد البناء» دفع تعويضات بدلات الإيواء لمن تهدمت منازلهم وبدلات ترميم المنازل المتضررة، غير المتصدعة في جميع المناطق التي تضررت من الحرب، باستثناء البلدات التي تبنتها قطر.

تشابك في الملفات

شكل هذا التشابك في التعاطي مع ملف الاعمار بين الجهات الرسمية وبين الجهات الخاصة وبين الدول المانحة، ما يشبه «الموزاييك» الذي عرقل في الكثير من الأحيان دفع التعويضات في الوقت المناسب، وأظهر أن الحكومة لم تكن جاهزة لحالات طوارئ، تماما كما حصل خلال صرف المساعدات الغذائية والصحية للنازحين والمصابين.

كما أدت الطريقة المتشابكة في الحصول على التعويضات إلى ضياع المواطنين في العديد من الحالات. لأي جهة سيتقدمون بالمستندات اللازمة؟ ومن أي جهة سوف يتقاضون التعويضات؟ وقد اضطروا في أكثر من بلدة وقرية ومنطقة إلى تقديم المستندات لدى أكثر من جهة. مرة إلى البلديات ووزارة المهجرين ومرة إلى «جهاد البناء»، كما حصل في الضاحية والبقاع، ثم مرة إلى مجلس الجنوب ومرة إلى جهاد البناء كما حصل في الجنوب، ومرة الى مجلس الجنوب ثم الجهة المانحة، كما حصل في البلدات التي تبنت قطر اعمارها.

زاد في تلك المشاكل عدم معرفة الكثير من المواطنين بالمستندات المطلوبة لدى كل جهة، لأنها لم تكن واضحة منذ بداية عمليات تحديد الأضرار، بينما استغل البعض الآخر، تشعب الجهات التي تستقبل الطلبات وسجل اسمه لدى أكثر من جهة، من أجل الحصول على أكثر من تعويض.

تشكل بلدة عيناتا مثالا واضحا على حالة الضياع هذه. عندما قدم الاهالي مستندات إلى مجلس الجنوب، ثم مستندات إلى البلدية بعد رفضها مسوحات المجلس، ثم إلى المكتب الاستشاري القطري في الجنوب، بعد اشكالات حصلت في مسوحات البلدية.

أظهرت خلاصة الآليات التي اعتمدت، بعد مرور عام على حرب تموز، أن أكثر المظلومين في تقدير الأضرار اللاحقة بهم، كانوا أصحاب المنازل ذات المساحات الكبيرة، لأن قيمة الوحدة السكنية كما قررتها الحكومة لم تكن كافية لاعمار منازلهم. ومن المعروف أن الحكومة قدرت بدل الوحدة المهدمة في الضاحية بتسعين مليون ليرة من ضمنها بدل الأثاث، وفي باقي المناطق بستين مليونا من ضمنها بدل الأثاث، بغض النظر عن صغر مساحة الوحدة أو كبرها.

خرجت قطر عن تلك القاعدة، لمصلحة المتضررين عندما حددت مساحة الوحدة السكنية بمئة وثلاثين متراً مربعاً. في حال زادت المساحة إلى ضعفها تقريبا، يحصل صاحبها على بدل وحدتين، وإذا زادت ثلاثة أضعاف يحصل على بدل ثلاث وحدات، وهكذا..

مئتان وستون مليون دولار للجنوب والبقاع الغربي

تعتبر الهيئة العليا للاغاثة الجهة الرسمية المخولة بدفع التعويضات وقد دفعت حتى تاريخ التاسع من تموز ما يقارب ثلاثمئة وخمسين مليار ليرة بدل تعويضات في الجنوب والبقاع الغربي، ورجحت الهيئة وصول المبالغ المدفوعة حتى تاريخ العاشر من تموز الى ما يقارب ثلاثمئة وتسعين مليار ليرة، أي ما يوازي مئتين وستين مليون دولار. بينما شملت عمليات الدفع اثنين وسبعين ألفا ومئتين وعشرين وحدة سكنية.

ويوضح المدير العام لمجلس الجنوب هاشم حيدر الذي يتابع تفاصيل ملف إعمار الجنوب أنه لا تزال هناك ثلاثة آلاف وحدة سكنية مهدمة لم يدفع لها القسط الأول من تعويضات الهدم، التي يجري دفعها على ثلاث مراحل، بالاضافة إلى عدم دفع تعويضات ما يقارب 1500 وحدة سكنية تحتاج إلى ترميم. ويعيد حيدر سبب إعلان الهيئة العليا للاغاثة في بعض وسائل الاعلام عن جهوزية شيكات لم تصل إلى أصحابها فعلا، إلى تدقيق بعض الدول المانحة في الشيكات الخاصة بها قبل دفعها، الأمر الذي أدى إلى تأخرها.

ويؤكد حيدر على إلحاق الظلم ببعض المواطنين الذين يملكون منازل ذات مساحات واسعة تكلف إعادة إعمارها ما يفوق مبلغ ستين مليون دولار. مع الاشارة هنا إلى أن العديد منهم سجلوا خلال المسوحات أكثر من وحدة، لكي يكون المبلغ كافيا لاعمار منازلهم.

يقول حيدر إن التعويضات سلكت طريقها إلى الجنوب في الأشهر الأخيرة، بعد تعقيدات الأشهر الأولى الناتجة عن استكمال آلية عمليات الكشف، وتبدأ تلك الآلية من مهندسي مجلس الجنوب الذين أجروا الكشوفات الأولية، ثم مراقبة الشركة الاستشارية الخطيب وعلمي لنتائج الكشوفات، ثم تحويل جداول الكشوفات إلى الهيئة العليا للاغاثة، ثم مصرف لبنان لاعداد الشيكات وصرفها.

ثلاثة وخمسون مليون دولار للضاحية

هذا في الجنوب، أما فيما يتعلق بالضاحية الجنوبية فقد أعلنت رئاسة مجلس الوزراء في بيان أصدرته يوم الخميس الماضي عن تخصيص مبلغ مئة وثمانية عشر مليار ليرة من أجل تعويضات المنازل، أي ما يوازي ثمانية وسبعين مليون وستمئة ألف دولار، وذلك بدل تعويض عن ثمانية آلاف ومئة وواحد وثمانين وحدة سكنية.

تشكل تلك الأموال ما نسبته واحد وثلاثون بالمئة من الأموال المخصصة للضاحية وهي تقدر بمئتين وخمسين مليون دولار كما أوضح مدير مشروع وعد حسن الجشي للزميلة «الأخبار»، يضاف اليها فارق الكلفة في البناء ويقدر بمئة مليون دولار.

يقول المسؤولون عن ترتيب عملية دفع الشيكات في صندوق المهجرين إن الصندوق استلم أربعة آلاف وخمسمئة شيك حتى تاريخ العاشر من تموز ،دفع منها ألفي شيك للمتضررين في الضاحية، والباقي بانتظار المستندات اللازمة للطلبات التي يقدمها المتضررون.

تقسم تلك الطلبات إلى مجموعتين: الأولى لم تستكمل مستنداتها، والثانية لم يقدم أصحابها مستنداتهم بعد، لكن الشيكات سلمت إلى الصندوق بعد انتهاء عملية التدقيق في الكشوفات الخاصة بها.

ويترتب على كل مواطن متضرر مراجعة مركز الصندوق لمعرفة جهوزية طلبه أو عدمها، لأنه لا توجد وسيلة أخرى لاعلامه، بينما يتم لصق اللوائح التي استكملت مستنداتها على باب المركز.

وقد ساهمت الطريقة المتبعة في دفع التعويضات بتأخيرها، وهي تبدأ من كشوفات وزارة المهجرين، ثم تدقيق شركة الخطيب وعلمي في الكشوفات وتحديد بدل التعويضات المالية عن كل وحدة، وإرسالها بعد ذلك إلى وزير المهجرين نعمة طعمة للتوقيع عليها، ثم السرايا الحكومية لاعداد الشيكات الخاصة بها من قبل الهيئة الادارية المختصة في السرايا.

أما في البقاع فلم تدفع تعويضات حتى الآن سوى لبعض المنازل في شمسطار ودورس. وباقي المناطق في الشمال والجبل توجد فيها منازل متضررة خضعت للترميم.

قطر تدفع النسبة الأكبر للإعمار

بين الدول المانحة دفعت قطر حتى الآن النسبة الأكبر من التعويضات للبلدات الأربع التي تبنتها وهي كل من بنت جبيل والخيام وعيتا الشعب وعيناثا. ووصلت المبالغ الدفوعة إلى ما يقارب مئة وثمانين مليون دولار. ويتوقع أن تصل بعد استكمال عمليات الدفع إلى ما يزيد عن مئتي مليون دولار وهي جاءت على الشكل التالي:

بنت جبيل: 34 مليون دولار بدل تعويضات المنازل المهدمة خارج المدينة القديمة. 26 مليون دولار بدل ترميم المنازل المتضررة.

عيتا الشعب: أربعون مليون دولار بدل تعويضات المنازل المهدمة. عشرون مليون دولار بدل ترميم المنازل المتضررة.

عيناثا: 28 مليون دولار بدل منازل مهدمة، وما يقارب ثمانية ملايين دولار بدل منازل متضررة.

يضاف إلى ذلك تبني قطر مشاريع إعادة بناء وتأهيل دور العبادة المهدمة والمتضررة في الجنوب، بالاضافة إلى بناء وتأهيل المؤسسات العامة والبنى التحتية في البلدات الاربع. كما تبنت مشروع إعادة إعمار سوق بنت جبيل التجاري، وهناك بحث جار حاليا في تبني مشروع إعادة إعمار المدينة القديمة، وهو مشروع تعده هيئة فنية تضم عددا من المهندسين، يحافظ على طابع المدينة القديمة وترميم منازل الحجر المتبقية فيها.

السعودية عبر هيئة الإغاثة

أما السعودية فقد رصدت مبلغ 570 مليون دولار دفعت منها حتى الآن بموجب معطيات الهيئة العيا للاغاثة، ما يقارب 244 مليون دولار، بدل تعويضات الوحدات السكنية المهدمة والمتضررة و50 مليون دولار بدل مساعدات غذائية وصحية، و20 مليون دولار بدل رسوم تسجيل الطلاب في المدارس الرسمية، و7 ملايين دولار وخمسمئة ألف دولار بدل بناء عدد من الجسور.

الكويت: منازل وبنى تحتية

يوضح ممثل الصندوق الكويتي في لبنان محمد الصادقي أن الكويت رصدت 100 مليون دولار لمشاريع إعادة الاعمار في الجنوب والضاحية. دفعت حتى الآن 24.5 مليون دولار بدل تعويضات في قرى الجنوب وعددها 25 قرية، لكنها لا تتضمن عددا كبيرا من المنازل المهدمة والمتضررة، و50 مليون دولار لمشاريع إعمار في الضاحية، خصص جزء منها لبناء 12 مبنى مهدما، ولا يزال البحث جاريا مع المسؤولين المعنيين في الحكومة من أجل الموافقة على الاقتراح الكويتي بتولي عملية بناء المباني كاملة، لأن الحكومة حددت التعويض على أساس الوحدة السكنية وليس المبنى. كما رصد الصندوق مبلغ 150 مليون دولار من ضمن المبلغ الاجمالي لاقامة مشاريع بنى تحتية في الجنوب والبقاع. يجري حالـيا تلزيم ثلاث شركات استشارية اختيرت للاشراف على المشاريع الخاصة بالجنوب، وستكون مراكزها في المناطق الثلاث، النبطية ومرجعيون وبنت جبيل.

الامارات: مدارس وألغام

من جهته، يتحفظ نائب رئيس المشروع الاماراتي لدعم إعمار لبنان عبد الله الغفلي الموجود في بيروت عن إعلان كامل المبلغ المالي المرصود لمشاريع الاعمار، مشيرا إلى أن الامارات لم ترصد مبلغا محددا، وإنما تتولى مشاريع تحدد كلفتها تباعا. أبرز تلك المشاريع إعادة إعمار المدارس المهدمة، وتأهيل المتضرر منها، بينها مدارس نزح اليها مهجرون. ويعاد بناء خمس مدارس مدمرة وهي في كل من بلدات كونين ومجدل زون ودبل، بينما بلغ عدد المدارس التي اهلت 263 مدرسة حكومية: بينها 248 مدرسة في الجنوب، و15 مدرسة في البقاع الغربي والشوف وبعبدا وعاليه.

كما تبنت الامارت مشروع تأهيل مرفأ الأوزاعي للصيادين، وهي بصدد بناء مستشفى في منطقة العرقوب، بعد إعداد الدراسات الخاصة به. وفي مبادرة هي الأولى من نوعها تولت إعادة إعمار المجمع التربوي في مخيم عين الحلوة. يضاف إلى ذلك المشروع الاماراتي لازالة الألغام والقنابل العنقودية.

وكان يفترض أن تتولى سوريا تبني مشاريع إعمار كل من قانا وصديقين والقليلة، لكن وقعت إشكالات خاصة بطريقة الاعمار، بعدما طلبت سوريا أن تتولى عملية البناء مباشرة عبر استخدام مهندسين وعمال سوريين، الأمر الذي أدى إلى إلغاء المشروع. وسيتولى مجلس الجنوب عملية إعمار هذه القرى.

من دمار الضاحية الجنوبية (م.ع.م)
من دمار الضاحية الجنوبية (م.ع.م)


تعليقات: