صناعة الكراسي الخشبية: عاندت الإندثار والركود قبل الإزدهار مجدداً

بسام كوسا يتحدث الى الزميلة ثريا حسن زعيتر
بسام كوسا يتحدث الى الزميلة ثريا حسن زعيتر


مهنة توارثها الأبناء عن الأجداد·· ولم يبقَ منها سوى محترفين في صيدا..

بسام كوسا: المسلسلات السورية أعادت للتراث القديم تألّقه..

وسط عشرات الكراسي الخشبية المتنوعة حجماً ولوناً وسلال القش، يجلس بسام كوسا الشاب الصيداوي داخل محترفه الصغير الكائن عند الكورنيش البحري قبالة مرفأ المدينة وهو يتصبب عرقاً وينهمك في صناعتها بيديه، بعد الإقبال الكثيف على شرائها من جديد، اذ أصبحت هذه الأدوات الخشبية من <صيحة العصر> أو <آخر موضة> تناسب فصل الصيف وارتفاع حرارته ورحلاته أو الجلوس في حدائق المنازل··

وصناعة الأدوات الخشبية في صيدا عادت لتزدهر من جديد بعد مضي سنوات على نسيانها، عاندت فيها الإندثار والأفول، لتعيد اليوم مجدها الغابر وتألقها بسبب رغبة الناس إقتناء كل ما هو متين وتراثي في آن، إضافةً الى رخصها قياساً على الغلاء الذي طاول المصنوعات المعدنية والبلاستيكية نتيجة ارتفاع أسعار النفط وانعكاسه على الدورة الاقتصادية، والأهم تأثر الناس بالمسلسلات السورية وما يعرض فيها من أدوات منزلية خشبية جميلة تأخذ الألباب··

<لــواء صيدا والجنوب> توقف عند محترف بسام كوسا ليطلع على تفاصيل هذه الحرفة التي باتت تشغل الكثير من الناس لإقتنائها··

ورشتان واقبال لم يبقَ في صيدا سوى ورشتين لصناعة الكراسي الخشبيّة الأولى في سوق <النجارين> ويحترفها آل الشامي، والثانية آل كوسا التي ورثها بسام عن والده الذي تقاعد بعدما احترفها لأكثر من نصف قرن من الزمن، وما زال يُحافظ عليها على اعتبارها ليس مجرد مهنة وإنما تراثاً يتوارثه الأبناء بعد الآباء والأجداد·

ويقول كوسا: لقد تعلمت المهنة من والدي عندما كان عمري 10 سنوات، كنت أساعده خلال عطلة الصيف، فكرت كثيراً في تركها ولكنني عدت وتحملت أعبائها في عصر الركود لأنها بالنسبة لي ليست مجرد مهنة، بل حفاظ على التراث، الآن تبدل الحال لا نكاد نتوقف عن الإنتاج، والسبب رغبة الناس بالعودة الى كل قديم تراثي، فضلاً عن غلاء البلاستيك والحديد من جهة، وإلى النوعية الرديئة للبلاستيك، وخصوصاً أن الكراسي البلاستيكية لا تعمّر كثيراً كما الخشبية·· مشيراً الى <أن جودة الصناعة ونوعية الخشب الجيد، قد تجعل الكراسي الخشبية تُعمر أكثر من مئة عام، لأنه يُمكن تأهيلها وصيانتها بسهولة وفي أي لحظة>·

المسلسلات السورية وأضاف: كما أن الإقبال ناتج أيضاً عن تأثر الناس بالمسلسلات السورية التي تعرض على مدار العام وخاصة في شهر رمضان المبارك، وفيها يتم تصوير المنازل الدمشقية التراثية وما فيها من أدوات منزلية خشبية جميلة تشجع على إقتناء مثلها، وكثيراً ما حضر اليّ زبائن وهم يحملون صوراً عن هذه الأدوات ويريدون صناعة مثلها، فضلاً عن كثرة إنتشار المقاهي الشعبية، حيث باتت هذه الكراسي تزينها، ورغبة ربات المنازل بإقتنائها على الشرفات أو الحدائق الخاصة كي تتناسب مع الاستجمام والراحة·

رغم الطلب المتزايد على هذه الكراسي الخشبية، إلا أن محترفيها باتوا من القلائل، بسبب الركود الذي أصابها وأدى الى تراجعها أمام <ثورة البلاستيك> في الربع الأخير من القرن الماضي، وعدم إقبال جيل الشباب أو ورثة الحرفة على تعلمها وإتقان صنعتها على إعتبار أنها بالكاد تسد رمق العيش ولا تلبي طموح الكثير من هؤلاء أمام عصر التكنولوجيا والإنترنت·

عمل يدوي وأوضح كوسا <أن العمل لا يعتمد على أي من الآلات الكهربائية، وأن المهنة ليست سهلة، تحتاج الى رغبة الإنسان بإحترافها ثم الخبرة قبل كل شيء إضافة الى جهد وإناءة وصبر>·· قبل أن يضيف <كل العمل يتم يدوياً 100% ولا تدخل الآلات به وبالتالي فهي تحتاج الى وقت أكثر لإنجازها وقد تصل الى يوم كامل، بينما نحتاج إلى ثلاثة أيام متتالية لتجميع القش للكرسي>·

وتتنوّع الصناعات الخشبية بين أنواع مختلفة من الكراسي الصغيرة والكبيرة والكنبة وكراسي السفرة، وأخرى للإستخدام الخارجي أو الداخلي، فضلاً عن السلات و<الطبليات> وسواها، وجميعها يتداخل فيها الفن مع الصناعة وجودة الخشب واذ كان بعض الحرفيين يستعينون بين الحين والأخر بـ <النايلون> الملون بدلاً من القش، ويعود هذا الأمر إلى مزاجية المشتري الذي يقرّر قبل التصنيع ماهية طلبه، لكن الأولوية تبقى للقشّ، فقد كان المادة الأولى في صناعاتهم، واستخدم الصيداويون سابقاً قشاً فرنسياً، ثم آخر مستورداً من سنغافورة، بسبب غلاء الأول في صناعة كراسي الخيزران·

أنواع وأسعار أما بالنسبة إلى الأسعار، فيقول كوسا: إن أسعار الكراسي تتراوح بين 10-100 ألف ليرة لبنانية وفق حجم الكرسي صغيرة كانت أم متوسطة أو كبيرة، فيما كراسي الأطفال تكون عادة ملونة من أجل أن يرغبوها ويكونوا سعداء بها·

وأضاف: إن الإقبال عادة على <الكنبيات> آخر موضة، 3 قطع خشبية كبيرة مع إثنتين صغيرتين بسعر 300 ألف ليرة لبنانية، فضلاً عن سلال القش التي تتفاوت أسعارها بين صغيرة بـ 8 آلاف ليرة لبنانية وكبيرة بـ 12 ألف ليرة، وهي عادة مصنوعة من خشبي: السرو والحور·

ويؤكد كوسا <أن قاصديه من الزبائن ليسوا من مدينة صيدا وحدها، بل من كافة مدن وقرى الجنوب ومختلف المناطق اللبنانية، وتحديداً من بيروت والجبل>·· قبل أن يعزو السبب <أن محترفات هذه الصنعة لم تعد موجودة وهناك القليل منها في بيروت والشمال فقط، لذلك يزداد الاقبال علينا>·

زينة البيوت يقول الصيداوي علي البني (الذي كان يسأل عن الأسعار ليشتري منها) لا تزال الكراسي الخشبية أو كراسي القش كما يعرفها معظم الجيل القديم تزين البيوت اللبنانية القديمة منها والحديثة، وذلك لشكلها من الخشب والقش المتميز من جهة ولتباهي أصحاب البيت بإمتلاكهم·· لم تستطع الكراسي البلاستيكة إلغائها رغم إكتساحها السوق اللبنانية بألوانها المختلفة، فبين الأبيض والأزرق والأخضر لا يزال لون الخشب البني فريداً من نوعه من حيث الجودة والمتانة ودوام الصلاحية، فصناعة الكراسي الخشبية مهنة كافحت من أجل البقاء وها هي اليوم تزدهر من جديد لتملأ المنازل والصالونات والشرفات وحدائق المنازل·

th@janobiyat.com

الأدوات الخشبية في صيدا: ازدهار بعد ركود
الأدوات الخشبية في صيدا: ازدهار بعد ركود


كراس من الخشب بإنتظار أن تزيّن البيوت
كراس من الخشب بإنتظار أن تزيّن البيوت


صناعة الأدوات الخشبية هل يحترفها جيل الشباب مجدداً؟
صناعة الأدوات الخشبية هل يحترفها جيل الشباب مجدداً؟



تعليقات: