موقوف ألفا: خدماته تلبّي المطالب الأميركية

السفيرة الأميركيّة ميشيل سيسون
السفيرة الأميركيّة ميشيل سيسون


ثقافة سياسية تغطّي فعل التعامل مع العدو؟

عود على بدء في ملف العملاء.

شربل قزي، التقني العامل في شركة «ألفا» الذي تقول مصادر التحقيق معه في مديرية استخبارات الجيش إنه أقرّ بتعامله مع العدو منذ 14 عاماً، ليس الأول في هذه القائمة، وهو بالتأكيد ليس الأخير. ومع الحديث عن موقعه الحساس وخدماته المرتفعة السعر لدى مشغليه، فهناك قائمة طويلة جداً ـــــ مع الأسف ـــــ لمشتبه في أنهم على علاقة بأجهزة العدو الأمنية، وهم إما تحت المراقبة والتدقيق اللصيقين، وإما أنهم كُشفوا أمنياً ولم يُعتقلوا بعد لأسباب أمنية أيضاً.

مرة جديدة، هناك مزاج إعلامي، له خلفيته السياسية وله بعده السياسي أيضاً في التعامل مع هذه الوقائع على أنها أحداث أمنية عادية، لدرجة أن بعض السياسيين الدائرين في فلك 14 آذار أو بعض الرسميين وبعض المراجع الدينية، يفضّلون عدم التركيز على الأمر. ومن يرتح من هؤلاء في مجلسه يتشكّك في ما يقال، ويحاول أن يفسّر الأمر بأنه عمل من خلفية سياسية، مع العلم بأن هؤلاء المراجع والنافذين يدركون أنه حتى اللحظة لم يُكشف عن مشتبه في تعاملهم مع العدو من الفئة الأولى سياسياً، وأن غالبية الذين أوقفوا وأحيلوا على القضاء أو صدرت في حقهم الأحكام، ليسوا من علية القوم، وغالبيتهم لا يتمتعون بأي حصانة حقيقية. وعندما أوقف أشخاص ينتمون إلى تيارات سياسية، كان رد فعل هذه التيارات رفع الغطاء وعدم التدخل، وحتى عدم ممارسة أي نوع من الضغوط الفعلية على جوهر التحقيق. ثم إن الأجهزة التي تقوم بهذه العملية، هي التي تمثل وجهات الانقسام السياسي في البلاد. وهي الآن مُجمعة على علاقة جيدة بسوريا، وبدرجة أقل بالمقاومة. وفي معزل عن دور جهاز أمن المقاومة في ما يُكشف على صعيد مكافحة التجسس، فإن الجهات الأمنية الرسمية ومن ثم الأجهزة القضائية، تعود لتمسك بهذا الملف، وإن الأخطاء على مستوى الشكل أو المضمون لا تشير إلى ثغر حقيقية، لا بل إن قسماً كبيراً من هؤلاء الموقوفين بجرم التعامل لم يتعرضوا لما يتعرّض له فتى مشرد كان يقود دراجة نارية دون أوراق ثبوتية.

كيف تكون تصريحات قادة 14 آذار والسفراء لو أوقف مواطن يبيع معلومات لمصلحة سوريا؟

أكثر من ذلك، فإن أي جلسة لمجلس الوزراء منذ تأليف الحكومة الحالية، لم تدع يوماً إلى اجتماع خاص لمناقشة هذه الظاهرة، وحتى القيادات السياسية أو الوزراء المعنيون لم يتحدثوا يوماً عن دعوتهم من مرجعية رسمية في رئاستي الجمهورية والحكومة أو حتى من مجلس النواب، لمناقشة الأمر من زاوية أسباب هذه الظاهرة المخيفة من العملاء. وحتى اللحظة، ليس هناك من دليل حقيقي على جهود يبذلها أصحاب النفوذ على الرأي العام، تعكس قلقاً حقيقياً من هذه الظاهرة، وليس هناك أي عمل جدّي لخوض مواجهة مع المناخات التي تسهّل ارتكاب مواطن لفعل الخيانة.

لنتصوّر مثلاً، مجرد تصوّر لا أكثر، أن الأجهزة الأمنية أوقفت موظفاً في شركة رسمية أو خاصة، وتبيّن أنه ينقل معلومات حساسة إلى دولة مثل سوريا أو إيران، أو أنه يبيع المعلومات التي يتمكن من الوصول إليها لجهات من خارج الدولة. فكيف سيكون الأمر محلياً وإقليمياً ودولياً؟

من دون أي جهد، ستنطلق حملة إعلامية وسياسية يشارك فيها وزراء ونواب وقيادات حزبية وجوقة إعلامية، ومراجع دينيون، وسفراء وهيئات دبلوماسية، وستصدر بيانات عن وزارات الخارجية في عدد من العواصم، وقد يرسل تقرير إلى مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، وكل ذلك تحت عنوان «المس بالسيادة». وستُشغل البلاد والعباد وشاشات التلفزة بمناقشات وتحليلات ومواقف كلها تصبّ في خانة «مواجهة الاختراقات للسيادة اللبنانية». وسيقال أيضاً إن من يريد عدم تكبير الموضوع ومن لا يتوغل أو يسهب في شرحه هو من الذين يغطّون المس بالسيادة اللبنانية، وإنه من جماعة الجهات التي تقوم بالاختراقات، إلى آخر المعزوفة التي يعرفها الجميع.

لكن هل من تفسير لهذا الصمت المدوّي؟ وهل من تفسير لهذه الرغبة العميقة في تحويل أي خبر عن اكتشاف عميل للعدو كأنه خبر عابر يجب أن تتقدمه أنباء زيارات السفيرة الأميركية وجولاتها السياحية، وأخبار القيل والقال التي يتندّر بها السياسيون عن ناخبيهم، ثم يردّدها الناخبون مع ضحكات تعكس حالة الهبل التي ترافق عملية التجديد للطبقة السياسية ذاتها؟

في الاحتفال الذي أقامه وليد جنبلاط على شرف السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي، تحدث زعيم المختارة عن «أننا كنا أدوات» في المحور الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية. وليد جنبلاط من قال ذلك، ولم يرد عليه أحد من الذين رافقوه في هذه الحقبة، وهم أنفسهم أدّوا الأدوار التي يبدو أن لوائح «السير جيفري» تضم مؤسساتهم ومنابرهم ومواقعهم الإلكترونية وشركاتهم الإعلامية والإعلانية، ومع ذلك، كانت تثور ثائرة كل هؤلاء عندما كان يصدر تحليل أو موقف يشير إلى أن ما يرفعونه من شعارات وما يقومون به من خطط سياسية وإعلامية إنما هو تحقيق لمصالح أعداء لبنان، وأنهم مجرد أدوات فيه.

هذه العقلية التي تريد إهمال هذه العناصر، وتريد تسخيف فعل الخيانة والتعامل مع إسرائيل، والتي تحاول توفير حمايات طائفية ومذهبية ومناطقية لأي مشتبه فيه، هي العقلية التي تجعل مجموعة كبيرة من الموقوفين لا يجيدون تفسير سبب تورّطهم في هذه الأعمال، وهم في غالبيتهم لا يشعرون بأنهم ارتكبوا فعل الخيانة، وأنهم كانوا على ثقة بأنه في حالة انكشافهم، ستحصل مداخلات لإطلاق سراحهم: ألم تهدّد مرجعية دينية بأن توقيف اثنين من المشتبه فيهم بخطف وقتل المناضل الصيداوي محيي الدين حشيشو بعد 27 عاماً على اختفائه، سيفسّر بأنه إنعاش لذاكرة الحرب الأهلية؟ ألم يشعر المتهمان بأنهما يحظيان بحماية وغطاء يتجاوزان عمل الجهات القضائية؟

في كل ما سبق، ثمة قاعدة وحيدة، وهي أن من يسمّي إسرائيل بالدولة العادية، ولا يحرّم لفظ اسمها إلا كعدو واضح، ومن لا يعود إلى بديهيات المفردات في هذا الصراع، لا يكون راغباً في معركة مواجهة العدوان.

----------------------------------------------------------------

موقوف ألفا: خدماته تلبّي المطالب الأميركية

تقدّمت مديرية استخبارات الجيش في التحقيق مع الموقوف شربل ق. المشتبه في تعامله مع العدو منذ 14 عاماً. وثمة همس عن «صيد ثمين» وراء هذا الموقوف. كذلك أوقفت مساء أمس في صيدا المدعو محمود ب. للاشتباه في أنه شريك في عملية توزيع منشورات التحريض الطائفي في شرقي المدينة

الصدمة التي لفّت مكاتب شركة «ألفا» أمس تواصلت مع تقدم التحقيقات مع الموقوف لدى استخبارات الجيش شربل ق. الذي يعمل في شركة الاتصالات نفسها ويترأس فيها وحدة فرعية (SUB UNIT) تتبع لقسم هندسة الشبكة في الشركة.

وهي الوظيفة التي تمكّنه من الاطلاع على كل بيانات الهاتف الخلوي، وعلى كل المعلومات المتعلقة بمحطات الإرسال، لناحية تحديد هويتها وموقعها ورموزها، وعلى تحديد الترددات التي تعمل عليها أنظمة البثّ والاستقبال. كذلك يمكنه أن يحدد موقع صاحب أي رقم خلوي مشغّل من حامله. وقد تطورت التقنيات خلال السنوات الماضية إلى حدود أنه إذا زُوّد بجهاز متطور، يتمكن من تحديد الغرفة الموجود فيها أي هاتف خلوي يتبع للشركة.

شربل الذي تقول مصادر التحقيق إنه متعاون وإنه لا ينفي ما يعرض عليه من وقائع وإثباتات، تبيّن أنه ليس متمرّساً في التعامل فقط، بل في كيفية التواصل مع مشغليه، وحتى العمل على وقف أي تعقبات له. وهو عمل مع قوات الاحتلال خلال 14 عاماً على مجموعة كبيرة من الأهداف التي يبدو انها تتجاوز الاحداث المتصلة بالمواجهة المفتوحة بين المقاومة وإسرائيل.

شربل له أقارب سبق أن خدموا في ميليشيا العميل أنطوان لحد، ويبدو أن أحد هؤلاء الاقارب هو من تولى تجنيده وتنسيق تواصله ومن ثم لقاءاته مع مشغليه، التي جرت في اكثر من مكان داخل لبنان وخارجه، حيث كان كثير السفر. كذلك تبيّن خلال نهار أمس، من مصادر الاقارب والاصدقاء، أن وضعه المالي قوي جداً وغير متناسب مع مدخوله القائم من عمله، وأنه بات يملك في الفترة الاخيرة عقارات عدة، وهو يسكن حالياً في محلة النقاش في المتن الشمالي.

التحقيقات في فرع التحقيق في مديرية الاستخبارات، تجري بوتيرة خاصة وتستهدف مجموعة أمور منها:

1- التثبت من تاريخ علاقته وجدول لقاءاته ونوعية المعلومات التي زوّد العدو بها.

2- محاولة التأكد من وجود شركاء له في العمل، سبقوه الى هذا العمل أو عمل هو على تجنيدهم أو ترشيحهم للمشغل الاسرائيلي ولا سيما إذا كان الأمر يشمل شركة «ألفا» نفسها أو الشركة الاخرى «m.t.c».

3- نوع الاهداف التي كان يطلب منه متابعتها وخصوصاً في مجال التقنيات والاتصالات.

إلا أن معلومات مصادر عدة تقاطعت عند عبارة «القضية أكبر ممّا تبدو في ظاهر الأمور، وإن التحقيقات تتجاوز ملف التعامل التقليدي، وإن الرجل قد يكون على مسافة من أحداث كبيرة شهدتها البلاد في العقد الاخير».

وكان واضحاً أن الجهات المعنية بالتحقيق، قد حرصت على مستوى جدي من التكتم الذي لم يظهر في حالات سابقة، بما في ذلك الجهات الرسمية المعنية التي لم يتم اطلاعها على تفاصيل إضافية عن التحقيقات. وأشارت المعلومات الى أنه ينتظر خلال وقت قريب جداً أن تظهر المعطيات الحاسمة في بعض الامور ومن بينها ملف الاغتيالات السياسية التي جرت بعد عام 2005.

إسرائيل تحقق مطالب أميركا

من جهة ثانية، كشفت مصادر التحقيق أن الموقوف شربل أشار الى أنه وفّر معطيات لمشغليه، تبيّن أنها هي نفسها التي كانت الولايات المتحدة الاميركية قد طلبتها من شركات الهاتف الخلوي من خلال وزارة الاتصالات، وهي التي سبّبت يومها فضيحة جاءت لاحقة لفضيحة مشغلي الانترنت والمحطات المشبوهة التي كانت تنتهي في آخرها الى مراكز إرسال واستقبال موجودة في أحد جبال فلسطين المحتلة، والتي كانت شركة مملوكة من إسرائيليين تدير الاعمال التجارية من قبرص وتعرض بيع خدماتها بسعر أقل من نصف سعر الخدمة في لبنان.

وكانت اللجنة الفنية التي كلفها وزير الاتصالات شربل نحاس درس الطلب الأميركي قد أشارت في تقريرها الى أن المعلومات المطلوبة تمنح «فرصة إضافية لإساءة الاستخدام أو أية أعمال عدائية على الشبكة أو مستخدمي الهواتف الخلوية. وتعطي البيانات المطلوبة لمستخدميها نظرة معمّقة ودقيقة، ولو غير شاملة، عن شكل تركيب الشبكة الخلوية من توزيع محطات التغطية ومناطق التغطية المتوقعة (...) كذلك تؤمّن إحداثيات كل برج إرسال خلوي وماهيته ليصار إلى تمثيلها في نظام المعلومات الجغرافية، ما يسمح بتحديد أولي لموقع المستخدم واستهداف أبراج محددة للشبكة وعزل وعرقلة الاتصالات للأفراد والمناطق المستهدفة من البر والبحر والجو». وفي حال وجود ما وصفه التقرير بـ«أجهزة ومعطيات وأنظمة أخرى»، يمكن «استخدام البيانات المطلوبة من الأشخاص الذين يحصلون عليها في إجراء عمليات التتبّع والملاحقة والعزل وتحديد مكان الوجود».

ومع أن لبنان رفض الاستجابة للطلب الاميركي، إلا أن إسرائيل كانت تتكل «على نفسها» في الحصول على هذه المعلومات من مجموعة عملاء لها يعملون على طريقة عمل الموقوف شربل.

وفي هذا السياق يفترض أن يعقد رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النائب حسن فضل الله مؤتمراً صحافياً ظهر اليوم، يتناول فيه قضية كشف التجسّس الاسرائيلي على شبكة الهاتف الخلوي.

مناشير صيدا: توقيف مشتبه فيه

من ناحية أخرى، أوقفت مديرية استخبارات الجيش أمس مشتبهاً فيه في قضية رمي المناشير التحريضية في منطقة شرقي صيدا قبل أسبوع. وبحسب مصادر أمنية، فإن الموقوف يدعى محمود ب. (مواليد عام 1955)، وهو من مدينة صيدا. وقد اشتبه فيه بعد ورود معلومات عن تصويره عشرات الأوراق في إحدى مكتبات المدينة قبل مدة. وعثر في حوزته على حافظة معلومات إلكترونية (USB) تحوي نسخة عن البيان الذي وزّع. وأشارت المصادر إلى أن الموقوف كان قد ترشح للانتخابات الاختيارية الأخيرة في المدينة، وبالتحديد في حيّ مار نقولا، إلا أنه لم يفز. وقالت مصادر سياسية في صيدا إن محمود كان على صلة خلال ثمانينيات القرن الماضي بأحد عملاء إسرائيل (قتل عام 1985). وفيما تحدثت مصادر صيداوية عن أن الموقوف كان خلال السنوات الأربع الماضية يعلن غياب أي عداوة بينه وبين أيّ طرف سياسي في المدينة، أشار مسؤول أمني إلى أن محمود كان مقرباً من النائبة بهية الحريري. وتردّد أنه كان قد حاول ابتزاز الحريري مالياً عبر القول إنه يعرف أشخاصاً في الولايات المتحدة الأميركية يملكون معلومات عن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وإنهم يريدون مبالغ من المال لقاء البوح بها. وقد بوشرت التحقيقات معه من أجل تحديد ما إذا كان له شركاء أو محرّضون.

(الأخبار)

تعليقات: