جزين وحساباتها البلدية ـ السياسية... «حيث لا يجرؤ الآخرون»


لم يكن عونيو جزين بحاجة الى تجييش الأرض والتسويق لمواجهة بلدية ترفع من حماوة معركة، لم يكن بالإمكان في الأساس تفادي حصولها... على اعتبار ان «الملف النيابي» اقفل على زغل. في بيروت وزحلة ارتكز جوهر الاستفتاء على تثبيت «شرعية» الحضور «البرتقالي». على أبواب بلدية جزين جيّر الاستفتاء في خانة «تحجيم الأخصام الأقوياء». وساعات النهار الجزيني الثقيل دلّت بالأصبع على صراع «النهجين» و«المشروعين» وإن بأدوات بلدية لم تغب عنها لغة «شراء الأصوات» و«اللوائح الملغومة» وغيرها.

وبين «خط الاعتدال» و مشروع «استعادة القرار الجزيني»، أدلى ناخبو المدينة الجنوبية المسيحية بأصواتهم أمس. لائحة رئيس البلدية الحالي سعيد بو عقل، المدعومة من النائب السابق سمير عازار و«القوات اللبنانية» و«الكتائب» وفوزي الأسمر، راهنت على أن «توضّح» الصناديق البلدية ما موّهته صناديق النيابة من فوز شحنته العصبية الغرائزية لمصلحة الرابية، فيما اتكلت اللائحة المدعومة من «التيار الحر» على تثبيت دعائم العودة «البرتقالية» الى أحد أهم مواقع النفوذ المسيحية، عبر «استرداد» المجلس البلدي بعد الفوز بالمقاعد النيابية الثلاثة.

الساعات الفاصلة عن موعد فتح صناديق الاقتراع شهدت لقاءات «ودية»، وبالصدفة، في منزل النائب السابق أدمون رزق بين المرشحين المتنافسين على اللائحتين. هؤلاء سعوا بشكل مباشر الى نيل «مباركة» رزق الذي لعب دور «الإطفائي» في معركة اشعلتها الاصطفافات السياسية. بتوصيف رزق، جزين «فيها حزبيات مش أحزاب» والجميع فوّت فرصة الوصول الى فريق عمل بلدي من أجل إنماء البلدة، وتصوير هذا الاستحقاق كأنه مواجهة بين «التيار» و«القوات» و«الكتائب» هو تزييف للواقع».

«كلام الحياد» تمحوه وقائع الأرض الساخنة. منذ الصباح تمركز مندوبو الأحزاب قرب تمثال «السيدة العذراء» عند مدخل البلدة. لوائح وأزهار وأعلام ومواكب تجوب أحياء المدينة التي استفاقت باكراً على صخب ذكّر العديد من الجزينيين بمشهد حزيران الماضي، وبتأكيد الأهالي نامت عروس الشلال على استنفار أمني لا سابق له، نفّذه «مغاوير الجيش» بسبب عرض العضلات المتبادل بين «العونيين» و«القواتيين»، من خلال المواكب السيّارة و«زجَل» الزمامير، وكان اللافت للانتباه عودة أعلام «الصدم» والشعار القواتي «حيث لا يجرؤ الآخرون» من البوابة الجزينية البلدية!

بعد ساعات من فتح الصناديق بدا الإقبال على التصويت مرتفعاً. عند الثانية عشرة بلغت النسبة 30%، وبحدود الساعة الثانية تجاوزت الـ 42%، و49% عند الرابعة، وصولاً الى 55% عند الخامسة والنصف. في حسابات «التيار الوطني الحر» المشاركة المرتفعة في الاستحاق تعني حكماً فوزاً مريحاً للائحة «البرتقالية»، فالأرض سياسياً لنا، يقول خليل حرفوش مسؤول الماكينة الانتخابية في «التيار». هكذا كان العونيون يراهنون على نسبة تصل الى 50% في جزين - عين مجدلين (بلدية واحدة: جزين 16 عضواً- عين مجدلين عضوان) لكي يضمنوا الاحتفال ليلاً في ساحة البلدة، مع العلم ان نسبة الاقتراع في الانتخابات النيابية الماضية بلغت 56%. لدى «القوات» تجد التفسير نفسه. في انتخابات 2009 لم نخض المعركة بمرشحين ملتزمين، يوضح منسق «القوات» في جزين بيار حنا، أما اليوم فوجود ثلاثة مرشحين قواتيين على اللائحة أعطى دفعاً كبيراً للمشاركة من أجل الإتيان بمجلس بلدي لا تغذيه الأحقاد. في الطابق الأول لأحد الأبنية الأثرية في جزين وسط ساحة البلدة، تمركزت «غرفة عمليات» «التيار الحر»، وفيها تولى النائب زياد اسود المتابعة الدقيقة لمجريات المعركة على الأرض.

بعيداً عن «المقر البرتقالي» تمركز القواتيون في حي الشاوي، لاستقبال «داتا» الأقلام وفرزها. وما بين المركزين كانت الساحة الجزينية مفتوحة على مصراعيها على «حروب اللوائح»، وباصات وسيارات «الدليفري» لتأمين وصول الناخبين الى أقلام الاقتراع، مع تسجيل تحركات خجولة لمندوبي ومؤيدي «الكتائب» الممثل بعضو واحد على لائحة «جزين حلوة...جزين أحلى»، فيما القوات ممثلة بثلاثة أعضاء.

رئيس البلدية الحالي سعيد بو عقل أمضى نهاره البلدي متنقلاً بين مراكز الاقتراع الخمسة عشر، من دون ان يفوته التأكيد «على متانة مكونات اللائحة وضعف حظوظ اللائحة المنافسة» الى حد القول «بأنها ميؤوس منها».

وفيما تحدث «العونيون» عن عملية شراء أصوات حصلت في المدينة نفسها، بالتزامن مع دفع أموال للمقيمين خارج جزين «لعدم المجيء والاقتراع»، لم ينف النائب السابق أدمون رزق «إمكان حصول دفع أموال، خاصة ان دورات 2001 و2004 و2009 الانتخابية شهدت «نفقات غير مرئية». لكن في الواقع وصمة البيع والشراء هي غريبة عن الجسم الجزيني». يكمل نجله أمين رزق «ان الآتي من العاصمة سيصوّت لخيار سياسي أي للائحة كاملة. هذا الواقع لا ينفي ان الصبغة السياسية التي اعطيت للانتخابات هنا ستسقط عند المساء».

القوة «الثالثة» المتمركزة في منزل رزق أضفت التشويق والغموض على لعبة الكباش البلدي، مع مراهنة «التيار» على ان «بلوك الأصوات الرزقية» سيذهب مناصفة بين مرشحي «القوات» و«الكتائب» على لائحة بو عقل، وبين اللائحة البرتقالية.

وحتى موعد إقفال صناديق الاقتراع بقيت نسبة المشاركة و«رمزيتها» عامل انقسام اضافياً بين المتنافستين. زياد أسود يدعو صراحة الى الاستعداد للاحتفال، فيما رئيس البلدية الحالي سعيد بو عقل يحمل الخبر السيئ لأخصامه «فقد رصدنا حركة الصعود من بيروت الى جزين، وهي لم تكن أبداً موازية لتلك التي حشدها «التيار الحر» في الانتخابات الماضية».

«الحرب النفسية» على «التيار» لم تؤثر على قناعات العونيين «بفوز قد تنغّصه بعض الخروقات المحدودة». عملياً، انشغل هؤلاء خلال ساعات النهار بسدّ النقص في الحصول على الـ«تي شيرت» البرتقالية، التي نفذت من المخازن، فاستعيض عنها بالـكحلية التي حملت شعار «جاهزين للتغيير؟». أما السبب فكان المضاربة غير المتوقعة من جانب «القواتيين» الذين نفذوا انتشاراً منظماً في أحياء جزين، أوحى بأنهم «أصحاب الأرض». أكثر من ذلك، تقمّص القواتيون بالأمس دوراً سبق لهم ان لعبوه ايام «التحالف الرباعي» بتحالفهم مع الرئيس نبيه بري، حيث تلاقى الأخصام أمام أقلام الاقتراع، مع اعتراف ضمني من جانب الطرفين بـأن صلاحية التحالف نافذة... فقط حتى الساعة السابعة مساءً».

تعليقات: