من تموز 2006 الى تموز 2007: السياسيون يكملون تدمير ما عجز عنه العدو الاسرائيلي

السياسيون يبكون من ويلات الحرب والشعب يبكي من ويلات السياسيين
السياسيون يبكون من ويلات الحرب والشعب يبكي من ويلات السياسيين


ضـرب مثلـث النمـو الاقتصـادي فـي لبـنان.. والرساميـل الوافـدة تتـراجـع 7,23٪

بين تموز ,2006 تاريخ الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان، وتموز ,2007 مسافة سنة من حيث الزمن، ولكنها توازي سنوات من السلبيات والاثقال الاقتصادية والاجتماعية والمالية والمعيشية، ناهيك عن الاحباط في معظم فئات المجتمع اللبناني الذي بات يبحث عن مخرج من بلده بعدما سُدت المخارج من ازمته.

بكلام آخر، لقد اكمل الأداء السياسي الداخلي للمرجعيات اللبنانية في المعارضة والموالاة بكل امانة ما بدأه العدو الاسرائيلي في تدمير نفسيات البشر وبنى المؤسسات، بعدما دمر الاعتداء في حرب تموز كل المقومات المادية للبنان، ارضاً وشعباً وموجودات وقطاعات.

ولأن العجز السياسي لدى المرجعيات تحول شحناً طائفياً ومذهبياً في الكثير من المجالات، مما اضعف الهامش اللبناني في الحل، فإن العجز في كل المؤشرات الاقتصادية والحياتية تصاعد بشكل مستمر، وسط صراع البقاء لبعض القطاعات الاكثر تحملاً وقدرة على الصمود وتخطي المصاعب، على امل الخروج من الازمة المتعددة الجنسيات والرؤوس، وقد استطاع القليل منها المحافظة على وضعه، مع تراجع حجم الاعمال لبعضها، وتقدم بسيط لبعضها الاخر، لا سيما في القطاع المالي والمصرفي الذي عزز صموده التوسع عربياً وإقليمياً، للمحافظة على حجمه، ولبقائه في دائرة المنافسة مع المؤسسات العربية والدولية التي تكبر، بينما تتعرض مؤسسات لبنان للتهجير او التصغير، بفعل غياب الاستقرارين الامني والسياسي، وتراجع الرساميل والاستثمارات الوافدة الى لبنان.

هذا الكلام يستوجب التوقف عند بعض المقارنات والارقام، باعتبار ان فترة ما بعد تموز من العام الماضي ما زالت سارية على تموز من العام الحالي، ولكن بأدوات خلافية سياسية داخلية، تزينها ممارسات وتوترات امنية متنوعة الاشكال والالوان والمصادر.

بداية، يمكن القول إن النمو الاقتصادي الذي كان سلبياً بنسبة متفائلة قدرها 5 في المئة خلال العام الماضي، اضحى اليوم مع التقديرات المتفائلة جداً للدولة اللبنانية سلبية بنسبة واحد الى 2 في المئة، مع ترقب تحسنها الى ايجابية بنسبة واحد في المئة مع نهاية العام، وهذا امر لا يبدو قريب المنال في سنة استحقاقية رئاسية، مع خلافات مفصلية، ومقاطعة رئاسية ـ حكومية ونيابية لعمل المؤسسات.

ضرب مثلث النمو من تموز 2006 الى تموز 2007

لقد ضربت التطورات مثلث اسباب النمو الاقتصادي في لبنان، وهي: الحركة السياحية التي تأتي بالاموال النقدية لتحريك الاقتصاد، وكذلك ضعف نمو الصادرات اللبنانية التي كان يفترض ان تحقق زيادات تفوق الـ20 في المئة سنوياً، تبعاً لحجم انتشارها المرتقب في الاسواق. والعنصر الثالث والاهم هو تدفق التحويلات والرساميل الخارجية، وهي ما زالت اضعف بكثير من العام الماضي، برغم القرارات العربية والدولية ومساهمات باريس ـ3 التي لم يصل منها سوى 177 مليون دولار تقريباً حتى الآن.

فقد بلغت الرساميل الوافدة خلال الثلث الاول من العام الحالي حوالى 2957 مليون دولار، مقابل حوالى 3873 مليون دولار للثلث الاول من العام الماضي، اي بتراجع نسبته 23.7 في المئة.

اما ميزان المدفوعات فقد حقق خلال الاشهر الخمسة الاولى فائضاً قدره 335 مليون دولار مع كل الدعم الخارجي، مقابل فائض للفترة ذاتها من العام الماضي فاق 1835 مليون دولار، اي بتراجع نسبته 81.7 في المئة. هذا مع العلم ان النمو الايجابي برغم ضعفه يشكل انجازاً قياساً الى حجم الاحداث التي يشهدها لبنان.

وحده القطاع المصرفي استطاع ان يحافظ على بعض النمو في موجوداته، وإن كانت قليلة بما لا يقاس مقارنة مع النصف الاول من العام الماضي، الا انها ظاهرة صحية لقطاع تخطى العديد من القطوع في الحفاظ على ربحيته وأسواقه ومصداقيته.

اما على صعيد التقديمات والخدمات، فإن ما يتعرض له المواطن في التقديمات الاجتماعية والصحية من صندوق الضمان وتأخير المعاملات لأشهر او لسنوات حتى، يذكر بأيام التفكك بين المناطق اللبنانية، وعندها كانت التقديمات افضل برغم العجز في الضمان الصحي والتعويضات العائلية، ولكن الاسوأ اليوم هو غياب الحد الادنى من العمل النقابي الضاغط لتحقيق مطالب العمال وتحصيل حقوقهم.

يبقى الاخطر اليوم، وهو امر على علاقة بنتائج الاعتداءات الاسرائيلية، هو قطاع الكهرباء الذي تعرض لأضرار في معمل الجية وبعض المحطات والشبكات. هذا القطاع يعيش ازمة مالية وعجزاً تاريخياً بات يرهق الخزينة والمواطن الذي يدفع فاتورتين للمولدات الخاصة والدولة، ولا يحصل على الكهرباء بالشكل اللازم.

الا ان الوضع الراهن، ومع بداية تموز الحالي، فأن الازمة الحاصلة في نقص الفيول اويل والمازوت، بسبب تأخر الاعتمادات، تنذر بازمة كهرباء وزياد التقنين من البداوي الى الزهراني، مروراً بمعملي الذوق والجية، باعتبار ان المخزون المتوافر في المصافي والمعامل لا يكفي البلاد لأكثر من اربعة ايام على ساعات التغذية المطبقة حالياً.

السبب في ذلك هو ان الاعتمادات تأخرت بين الكهرباء والمالية ووزارة الطاقة ومصرف لبنان، لصعوبة توافر الاموال بالعملات الاجنبية من جهة، ولتراجع احجام الجباية التي خلفتها احجام التدمير التي الحقها العدو الاسرائيلي بلبنان، مما خفض عائدات الكهرباء بأكثر من 33 في المئة، ناهيك عن القضاء على خزانات الجية التي تعمل حالياً على نقل الصهاريج وبنصف الطاقة.

إشارة الى ان هناك 3 بواخر تنتظر في الزهراني ومصفاة طرابلس ومعمل الذوق، باخرتان منها تحملان المازوت وواحدة تحمل الفيول اويل. واحدة منها تنتظر منذ اكثر من شهر ونصف الشهر فتح الاعتمادات للتفريغ، مما قلص المخزون الى حده الادنى في المعامل، وبات ينذر بأزمة تعتيم شاملة، بما يذكر بالتعتيم القسري الذي كانت تفرضه الاعتداءات الاسرائيلية.

نمو التسليفات يسابق نمو الودائع

بالاشارة الى نشاط القطاع المصرفي حتى نهاية الشهر الخامس من عام ,2007 فإن الميزانية المجمعة للقطاع المصرفي سجلت ما مجموعه 77.893 مليار دولار في نهاية ايار، مقابل حوالى 76.179 مليار دولار لنهاية العام الماضي، اي بزيادة قدرها 1717 مليون دولار (ما يوازي 2585 مليار ليرة) وما نسبته حوالى 2.25 في المئة خلال خمسة اشهر.

مع الاشارة ايضاً الى ان الميزانية المجمعة زادت خلال شهر ايار وحده ما قيمته 873.7 مليون دولار، وهي اعلى نسبة تسجل خلال شهر واحد هذا العام. يذكر ان اجمالي الموجودات كانت زادت خلال الفترة ذاتها من العام الماضي بما قيمته 5813 مليار ليرة، بما يوازي 3856 مليون دولار، مما يعني تراجع نمو الموجودات بما نسبته 55 في المئة تقريباً.

اما حركة الودائع المصرفية فقد سجلت خلال ايار وحده ما قيمته 608 ملايين دولار، مقارنة مع شهر نيسان، حيث كانت حققت زيادة قدرها 1200 مليار ليرة، اي ما يوازي 800 مليون دولار، وهو مبلغ يفوق ما حققته زيادة الودائع خلال كامل الفصل الاول من السنة. وقد بلغ حجم الودائع في نهاية ايار 2007 ما مجموعه 62.484 مليار دولار، مقابل حوالى 60.693 مليار دولار لنهاية العام الماضي، اي بزيادة قدرها 1791 مليون دولار خلال خمسة اشهر، بما نسبته 2.95 في المئة.

نقطة اخرى لافتة في نشاط القطاع المصرفي وهي ارتفاع الاحتياطي لدى المصارف الى حوالى 20.242 مليار دولار، بزيادة قدرها 106 ملايين دولار خلال شهر ايار وحده.

وتبقى نسبة الزيادة في التسليفات للقطاعات الاقتصادية التي سجلت في نهاية ايار ما مجموعه 30861.1 مليار ليرة، اي ما يوازي حوالى 20.471 مليار دولار، مقابل حوالى 19.801 مليار دولار حتى نهاية الثلث الاول، اي بزيادة قدرها حوالى 1547 مليون دولار، ونسبتها حوالى 8 في المئة مقارنة مع نهاية العام الماضي.

على صعيد الاموال الخاصة للقطاع المصرفي، فقد بلغت في نهاية ايار ما قيمته 9014.6 مليار ليرة، اي ما يوازي 5.979 مليارات دولار، مقابل حوالى 5.783 مليارات دولار لنهاية العام الماضي، اي بزيادة قدرها 196.8 مليون دولار، وما نسبته 3.40 في المئة خلال خمسة اشهر.

وفي المحصلة، لا بد من القول ان التركيز الحاصل في الخلافات يستهدف اولاً وأخيراً ضرب كل مظاهر التحسن، بحيث تأكل التطورات السلبية لكل شهر مقبل ايجابيات الشهر الذي سبقه، بينما من المفترض، لو ان نسبة من الهدوء تسيطر على الاسواق والاجواء السياسية الداخلية على الاقل، ان يتخطى شهر حزيران نسبة التراجع الحاصلة في الاشهر السابقة، لا سيما نتائج الفصل الاول من العام.

في هذا الوقت تبقى البلاد من دون موزانة ولا توازن او اتزان، بحيث تمسح السلبيات الآتية الايجابيات الجزئية التي تحققت، ويأكل العجز الآتي كل مقومات النمو الاقتصادي التي ترتكز اولاً واخيراً على الايرادات السياحية، والتحويلات من الخارج وحركة الرساميل ثانياً، ومن ثم حركة الصادرات الصناعية والزراعية اللبنانية، وهي من عناصر الصمود التي بدأت تتأثر من جراء التطورات الأمنية وانعكاسها على الحدود اللبنانية السورية في الفترة الاخيرة، وهي من العناصر المؤثرة اكثر من غيرها بالنسبة للصادرات اللبنانية وكذلك حركة السياحة البرية، وهما عنصران اساسيان في المساعدة على تحقيق بعض النمو الاقتصادي للعام الحالي.

ارتفاع وتيرة ترك العمل بداعي الصرف والهجرة

المؤشر الاكثر دلالة على تردي الوضعين الاقتصادي والاجتماعي تكمن في وضعية سوق العمل، والضمان الاجتماعي هو المطرح الذي فيه الاحصاءات الاقرب على هذه الوضعية المتردية، انطلاقاً من حجم تزايد المسجلين الجدد في الصندوق من الأجراء في القطاع الخاص، باعتبار ان الدولة باتت عاجزة اكثر من اي وقت مضى عن استيعاب الشباب الخارج الى سوق العمل من جهة، وباعتبار ان القطاع الخاص هو المحرك الاول والأخير لفرص العمل وهو يخضع لقانون الضمان.

الاخطر في الامر ان عدد الخارجين من سوق العمل اضحى يوازي ويزيد عن عدد الداخلين الى السوق، لا سيما في الفترة اللاحقة لحرب اسرائيل ضد لبنان والمقاومة في تموز من العام الماضي، حيث زادت البطالة وعمليات الصرف بشكل كبير فاق الـ6 في المئة، مما رفع نسبة البطالة الحقيقية السافرة والمقنعة الى ما فوق الـ20 في المئة بين فاقدي فرص العمل.

إشارة هنا الى ان احصاءات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي اشارت بوضوح الى ان نسبة المضمونين الذين صفوا تعويضاتهم في الاشهر الاولى بعد حرب تموز بلغت حوالى 100 مضمون يومياً، منهم حوالى 75 مضموناً على كل مئة مضمون، اي حوالى 75 في المئة من اجمالي الذين صفوا تعويضاتهم بسبب الترك خلال عام 2006 وعددهم حوالى 14 الف مضمون.

اما في النصف الاول من عام ,2007 وتحديداً مع بداية تموز الحالي، فإن الاخطر هو استمرار الوتيرة عينها، مع تراجع بسيط بنسبة عدد الذين صفوا تعويضاتهم بسبب الترك المبكر.

وتشير احصاءات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ان عدد الذين صفوا تعويضات نهاية خدمتهم خلال النصف الاول من العام الحالي بلغ 8120 مضموناً، منهم 5315 اجيراً بالترك المبكر، اي ما نسبته 65.5 في المئة من اجمالي تاركي العمل المضمون.

في المقابل، بلغ عدد الذين صفوا تعويضاتهم بسبب بلوغ السن حوالى 1302 اجيراً، اي ما نسبته حوالى 16 في المئة، في حين بلغ عدد الذين صفوا بسبب 20 سنة خدمة حوالى 869 مضموناً، بما نسبته 10.6 في المئة. ويشكل الرقم الخاص بالتصفية لبلوغ السن او 20 سنة خدمة على ستة اشهر اقل من حجم عدد التصفية التي تمت لتاركي العمل بسبب الصرف او الهجرة خلال شهر واحد، والذي بلغ خلال ايار حوالى 977 مضموناً وحوالى 984 اجيراً في شهر اذار، اي بمعدل يومي يصل الى 40 أجيراً على اساس 24 يوم عمل في الضمان. وهذه خطورة لم يشهدها لبنان حتى في اصعب ايام الحرب الاهلية والاجتياح الاسرائيلي عام .1982

ماذا يعني الترك المبكر بالنسبة للمضمونين؟

يعني ذلك ببساطة ان المضمون يقدم على تصفية تعويضه مضحياً بما نسبته 25 الى 50 في المئة من قيمة مستحقاته، تبعاً لعدد سنوات الخدمة، لإقدامه على التصفية قبل بلوغ السن، او بسب عدم امضاء 20 سنة خدمة او لسبب العجز او الوفاة او بداعي الزواج بالنسبة للمرأة، وهي الحالات التي يحصل المضمون خلالها على تعويضه بنسبة 100 في المئة على اساس اجره الاخير اذا كان يعمل عند صاحب عمل او مؤسسة واحدة.

في المحصلة، إن هذه النتائج تعكس تردي الوضع الاجتماعي والمعيشي بشكل تصاعدي، منذ ما بعد حرب تموز 2006 وصولا الى ما بعد تموز ,2007 وذلك بسبب تردي الأداء السياسي الداخلي وتفوق المصالح الشخصية للمرجعيات السياسية على ما عداها من مصالح المواطن اللبناني واقتصاده ومعيشته، وبالتالي تفوق نسبة المصالح الخاصة والمكاسب لأكثر المرجعيات على مصلحة لبنان الذي يخسر دوره في المنطقة، لتعزيز أدوار الغير.

تعليقات: