سابقة قضائية في حادثة الطائرة الإثيوبية

يحمل وردة لرميها في مكان سقوط الطائرة
يحمل وردة لرميها في مكان سقوط الطائرة


خفت الحديث عن المسار القانوني الذي سلكته قضية تحطّم الطائرة الإثيوبية في الرحلة ٤٠٩ المنكوبة. لجنة عائلات الضحايا التي من المفترض أن تنسّق موقفاً موحّداً من جميع القضايا القانونية، لم يُسمع صوتها منذ فترة. وحدها عائلة الضحية أنيس صفا قررت باكراً أن تسلك طريق القضاء اللبناني ونجحت في الحصول على قرار سابقة من قاضي الأمور المستعجلة في بيروت

سجّل المسار القانوني لقضية تحطّم الطائرة الإثيوبية تطوراً بارزاً، تمثّل في اعتراف القضاء اللبناني بحق العائلات المنكوبة بالحصول على الوثائق والمستندات التي تمكّنها من تحديد الخصوم بطريقة دقيقة، تمهيداً لرفع دعاوى قضائية، وتحديد المحكمة الصالحة للنظر في هذه الدعاوى، وكذلك المعاهدة الدولية المطبّقة.

وفيما اختار عدد من العائلات الإثيوبية وعائلة لبنانية واحدة تكليف «مؤسسة ريبيك القانونية» رفع دعوى أمام القضاء الأميركي، اختارت عائلات أخرى الانتظار تمهيداً للاستشارة القانونية من السلطات والمرجعيات السياسية اللبنانية قبل التوقيع مع مكاتب محاماة أخرى، قدّمت عروضها للمرافعة، ومن بينها ائتلاف رباعي من أبرز مكاتب المحاماة الأميركية، على رأسه مستشار ذائع الصيت يدعى جورج هاتشر، بالتنسيق مع خمسة محامين لبنانيين يسعون إلى التواصل مع العائلات.

وحدها عائـلة الضحيــة أنيس صفا قررت اختبار القضاء اللبناني كجهة صالحة لرفع دعـوى مدنيــة ضد الخصوم المفترضين للعائلة، التي فقدت معيلها الوحيد. مكتب بارودي ومشاركيه للمحاماة وبوكالتهم عن ورثة أنيس صفا، أجرى هذا الاختبار، فتقــدّم المحامي جان بـارودي بتاريخ 8/3/2010 بطلب إلى القضاء اللبناني لتعيين خبير في شؤون الطيران للتحقيق في بعض جوانب الحادثة، وذلك عملاً بأحكام المادتين 579 و589 من قانون أصول المحاكمات المدنية. المهمّة التي حددها بارودي للخبير تستند إلى توصيات المنظمة الدولية للطيران المدني «ايكاو» المنشورة في دليل التحقيق في حوادث الطيران.

وطلب بارودي من قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، أن يمنح الخبير الحق في طلب الاستحصال على المستندات من أيّ جهة أو طرف أو مرجع رسمي مختص، بما فيها أيّ تقارير أوّلية أو نهائية متعلّقة بالحادثة. وطلب إلى القاضي إعطاء الخبير الحق في الاستماع إلى الشهود عند الاقتضاء دون تحليفهم اليمين القانونية. وختم الطلب بالتحفّظ على جميع الحقوق من أيّ نوع كانت أو تجاه أيّ كان، ولا سّيما حقهم في طلب توسيع مهمة الخبير، ومداعاة أيّ شخص أو جهة أو طرف مسؤول عن هذه الكارثة أمام القضاء اللبناني أو الأجنبي المختص.

وبالفعل، اتخذ قاضي الأمور المستعجلة، نديم زوين، بعد ١٥ يوماً على تقديم الطلب، قراراً بتكليف الخبيرين فيليب ملحة وفوزي أبو فرحات القيام بهذه المهمة، وذلك عبر الانتقال إلى مركز الشركة الإثيوبية في بيروت، وإلى مديرية الطيران المدني في المطار، والاطّلاع على المستندات التي تضمّنها الاستدعاء، والقيام بوصفها وبيان أهمّ ما تتضمّنه، وطلب مهرها بعبارة «كي لا يبدّل» (ما يحوّلها إلى نسخة أصلية) وترميزها ونسخها، دون إجراء أيّ تحليل أو تعليق أو استنتاجات حول المعلومات التي يجري الاطلاع عليها وتبيانها في التقرير.

وعلمت «الأخبار» أنّ ملحة، وهو طيار سابق، قد أقسم اليمين القانونية أمام القاضي زوين، فبات بذلك أول خبير لبناني محلّف في حوادث الطيران. أما أبو فرحات، فهو ضابط طيران متقاعد عمل سنوات طويلة في سلاح الجو في الجيش اللبناني، ولديه إلمام عميق بالمهمّات المتعلقة بعمل أجهزة المطار المدنية، ومن بينها برج المراقبة.

مصدر متابع لمسار المهمة أكّد لـ«الأخبار» أنّ الخبيرين توجّها الأسبوع الماضي إلى مقر الشركة الإثيوبية، لكن ممثلة الشركة في بيروت رفضت التعاون، وأحالت الخبيرين على محامي الشركة. بعدها انتقل الخبيران إلى مديرية الطيران المدني، وقابلا مديرها حمدي شوق، الذي تمنّع عن تسليمهما أيّ مستند، واكتفى بإجراء مقابلة شفهية شرح خلالها مسار عمل لجنة التحقيق الرسمية والنتائج الأولية التي توصلت إليها. ويُستدلّ من هذا التصرف أنّ شوق لم يكن على دراية بالطبيعة القانونية للمهمة القضائية التي تعطي الخبيرين صلاحية إبلاغ القاضي زوين تمنّع شوق عن التعاون، وطلب مساندة القوى الأمنية لإتمام المهمة بالقوة.

لكن المصدر لفت إلى أن الخبيرين فضّلا ألّا يستخدما هذا الحق، وأعطيا شوق فرصة لدراسة طبيعة مهمتهما وإبلاغ الجهات المعنية بها، وهي تحديداً وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي، ووزير العدل إبراهيم نجار والمدعي العام سعيد ميرزا، الذين بحسب شوق «أعطوه تعليمات صريحة بعدم إعطاء أيّ معلومات تتعلق بالتحقيق قبل موافقتهم على ذلك». ولقد حاولت «الأخبار» الاتصال بشوق لاستيضاح موقفه لكنها لم توفّق في ذلك.

اختبرت عائلة أنيس صفا القضاء اللبناني كجهة صالحة لرفع دعوى

يُستدل من الجولة الأولى للخبيرين، أنّ مهمّتهما لن تكون سهلة، وأن جلّ ما سوف يحصلان عليه، هو مستندات لا نتائج التحقيقات الأولية. ومن شأن هذه المستندات أن تمهّد عملياً لتحديد المسار القانوني للدعوى القضائية. فمستند بطاقة السفر مثلاً يحدّد المعاهدة التي تطبّق، لأن وجهة السفر النهائية للراكب هي المفصل في تحديد هذا الأمر. فإذا كانت بطاقة السفر تتضمّن تذكرة ذهاب وعودة إلى بيروت، فهذا يعني أن اتفاقية مونتريال، التي صدّق عليها لبنان، صالحة لتحديد قيمة التعويض، أمّا إذا كانت وجهة السفر النهائي هي اديس أبابا فإن معاهدة وارسو هي التي تطبّق، وبالتالي تنخفض قيمة التعويض النهائي الذي يمكن تحصيله من شركات التأمين. وفيما معاهدة مونتريال لا تحدّد سقفاً لقيمة التعويض النهائي فإن معاهدة وارسو تحدد السقف بمبلغ لا يتجاوز ٧٥ ألف دولار أميركي.

أمر آخر فائق الأهمية تضمّنه القرار السابقة لقاضي الأمور المستعجلة، هو الاعتراف بأنّ القضاء اللبناني يمكنه النظر في دعاوى تعويضات حوادث الطيران، وأنّ باستطاعة المستدعين طلب الحصول على مبالغ مالية موازية أو أكثر من قيمة التعويضات التي تُطلب من القضاء الأجنبي، وأن لا صحة إطلاقاً للمعلومات التي جرى تداولها بأنّ المحاكم الأجنبية تقرّ تعويضات أعلى من المحاكم اللبنانية.

العائق الذي يمكن أن تواجهه العائلات، هو أنّ يطلب القضاء اللبناني إيداع تأمين بنسبة 0.65 في المئة من قيمة التعويض المطلوب. وهنا، يطرح تساؤل مهم: هل كان من المفروض أن تقر الحكومة مشروع قانون يعفي العائلات المنكوبة من هذا الإجراء بدل تقديم مساعدات مباشرة إليها؟ وهل ستسلك بقية العائلات اللبنانية المعنيّة المسار نفسه الذي سلكته عائلة صفا؟

يلفت المصدر إلى أنه لو حصل ذلك فإن محامي شركات إعادة التأمين في بريطانيا سيسرعون إلى حجز تذاكر السفر إلى بيروت، بدل جلوسهم في مكاتبهم وانتظار وصول محام أميركي يحمل تفويضات من العائلات ومساومتهم على المبالغ التي سيدفعونها قبل رفع الدعاوى.

مهمة الخبيرين القضائيين

تنحصر مهمة الخبيرين اللذين عيّنهما القضاء اللبناني في تحديد كامل هوية كل من قائد الطائرة ومساعده، وتبيان وضعهما الصحي، وخبرتهما في القيادة، والاستحصال على نسخة عن مخطط الرحلة، وتحديد هوية واضعيه. إضافةً إلى تحديد الوزن الصافي والقائم للطائرة عند الإقلاع، ونسخة عن قائمة الحمولة والتوازن عند الإقلاع؛ وطلب الحصول على نسخة عن جميع التقارير المتوافرة بشأن حالة الطقس قبل حصول الكارثة وأثناء ذلك؛ وتحديد كامل أوصاف الطائرة وهويّة مالكها ومستأجرها ومجهّزها ومستثمرها؛ وتحديد هوية شركات التأمين وإعادة التأمين الضامنة للطائرة، والاستحصال على نسخة عن عقود التأمين على الطائرة ومحرّكها؛ وتحديد الجهات التي أجرت صيانة للطائرة، والاستحصال على نسخ عن عقود الصيانة وطبيعة أعمال الصيانة والإصلاحات. وطلب بارودي الاستحصال من الشركة الإثيوبية على نسخة طبق الأصل عن تذكرة السفر، وتحديد هوية الجهة المصدرة والبائعة لها، وثمن بيعها، وتحديد عدد الأمتعة التي اصطحبها الضحية أنيس صفا على متن الطائرة المنكوبة وأوزانها.

تعليقات: