ظاهرة التنجيم التي تقرأ الطالع.. وتدّعي شفاء المريض وردّ الغائب؟

 يروي الفلك لكل عين ما تشتهي سماعه (عن الإنترنت)
يروي الفلك لكل عين ما تشتهي سماعه (عن الإنترنت)


علم الفلك «يتبرأ» منه.. والإسلام يعتبره «دجلاً وأكاذيب» ويحرّم تصديق العرّافين..

«عطارد يخرج من برجك في الشهر الحالي ليدخله زحل، لذلك، ستشهد أياماً صعبة، وعليك انتظار الفرج». هذا ما قاله أحد المنجمين عبر المذياع، لمتصل مكتئب ومتلهف لمعرفة طالعه. وهو واحد من منجمين كثر يغزون شاشات التلفزة، ويرسمون مصائر الناس، «جازمين» بأنهم ينطلقون في تنبؤاتهم من دراسة حركة الكواكب والمجموعات الشمسية.

المفارقة هي أن منجّماً آخر قد يغزل من كوكب زحل، في حال دخل برجاً ما، أحلاماً وردية لصاحبه. وقد يقرأ في عطارد نذير شؤم. بما يعني انقلاب المعادلة الأولى. إلا أن الإشكالية ليست في سوء قراءة تأثيرات الكواكب، بل إنها تتمحور حول ما إذا كان هناك أساساً علاقة فعلية بين علم الفلك والتنجيم؟ وعما إذا كان التنجيم ينطلق فعلاً من ركيزة علمية؟

ولا يقتصر الأمر، بطبيعة الحال، عند حدود الأبراج الإثني عشر المتعارف عليها، فثمة علماء وضعوا منذ مئات السنين، أسساً مبنية على قواعد حسابية وفلكية معينة، لرد الغائب، أو شفاء المرضى، أو تحديد جنس الجنين، وما الى ذلك. ونورد مثالاً عن ذلك، أبا معشر الفلكي الذي اشتهر بعلومه في الفلك والتنجيم في الماضي. وهو المجال الذي يحترفه كثيرون اليوم، فيفتحون أبوابهم، و»جيوبهم»، أمام كل من فقد عزيزاً، أو ابتلى بمرض، أو عاكسته الحظوظ والأيام.

ذلك كله يقود إلى أسئلة من نوع آخر: هل تؤثر الدورات الفلكية على الإنسان ومزاجه ومصيره؟ وما هي صحة ما يعتقد به بعض المسلمين من وجود «أيام نحسات»، وفق العبارة الواردة في القرآن الكريم، وقد يتجنبون خلالها الإتيان بعمل ما أو مشروع ما؟ وما هو مدى صحة ربط حوادث معينة بالظواهر الفلكية، كظاهرتي الخسوف والكسوف، والتشاؤم بهما؟ أو، في الاعتقاد السائد بوجوب عدم مقاربة الزوج لزوجته في ظروف مناخية معينة كاشتداد الريح، أو خلال فترات محددة من الليل والنهار، ونسب ذلك أحياناً إلى الأحاديث النبوية؟

موضوع علاقة علم الفلك بعلم التنجيم وموقف الدين الإسلامي منهما، طرحته «السفير» على هامش أعمال مؤتمر «جدلية العلاقة بين الفلك والفقه - شرعية علم الفلك في تحديد المواقيت الشرعية»، الذي عقد مؤخراً في بيروت. وتم تناول الموضوع عبر أربع قراءات: جاءت اثنتان من زاوية علم الفلك، قدمهما كل من مدير «مرصد بُريدة في مجمع الأمير سلطان» في السعودية الدكتور خالد الزعاق، ورئيس مجلس إدارة «المشروع الإسلامي لرصد الأهلة» في الإمارات محمد شوكت عودة. وقراءتان من زاوية الدين الإسلامي، قدمهما كل من السيد محمد حسن الأمين في لبنان، ومساعد المفتي العام في عمان الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي.

النقطة المشتركة في وجهات النظر الأربع هي عدم اعترافها بالتنجيم، ووصفها إياه بالدجل والأكاذيب. وإذ تم التشديد على أهمية علم الفلك، إلا أنه تم الفصل بينه وبين أصول التنجيم غير المرتكزة على أساس علمي. ويكشف كل من الزعاق وعودة أن ظاهرة الأبراج الاثني عشر هي ظاهرة مغلوطة، مع تبيان الشواهد الفلكية. ما ينسف من حيث المبدأ فكرة التنبؤ على أساسها. كما يقدم كل من الأمين والخروصي لدعم وجهة نظرهما، براهين مستقاة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية. ماذا في التفاصيل؟

عودة: أخطاء لدى المنجمين

يكشف محمد عودة عن ثلاثة أخطاء كبيرة، يرتكبها المنجمون ويعتمدون عليها في قراءاتهم. ويعيد تاريخ تحديد الأبراج إلى العام 600 قبل الميلاد، حيث كان العرب يتخيلون كل مجموعة من النجوم على شكل أداة أو حيوان كالأسد، والقوس... وحددوا المجموعات النجمية بـ12 مجموعة، ومنحوها أسماء الأبراج الاثني عشر. وتم تقسيم 365 يوماً على 12 برجاً، لتصبح المساحة الزمنية لكل برج 30 يوماً. أي أن الشمس تمكث في كل برج 30 يوماً.

وهنا الخطأ الأول بنظر عودة: «فعدد المجموعات النجمية (الأبراج) التي تقطعها الشمس في مسارها الظاهري خلال السنة هو 13 مجموعة وليس 12. فبين برجي القوس والعقرب، هناك مجموعة شمسية إضافية تسمى «حواء»، وتمكث الشمس فيها 20 يوماً».

وعودة الذي ساهم في تأسيس «المشروع الإسلامي لرصد الأهلّة»، ومهمته تتمحور حول رصد الهلال عند بداية كل شهر هجري في مختلف دول العالم، ونشر النتائج عبر الإنترنت، خاض المجال الفلكي في العام 1992. ويقوم بدراسات وأبحاث في هذا المجال. ويلفت النظر الى أن هذه الأبراج موجودة الى جانب 88 مجموعة نجمية أخرى في السماء، كان «الاتحاد الفلكي الدولي» قد أقرّها ما بين عامي 1928 و1930. لكن ما يميز هذه الأبراج هو أنها مجموعات نجمية لامعة تمكن رؤيتها بالعين المجردة، لأن الشمس تظهر فيها.

ويكشف عن خطأ آخر بقوله: «حتى تواريخ الأبراج أصبحت خاطئة، بسبب إهمال البشر حركة الترنح. ما يعني أن الطول الزمني للأبراج ليس متساوياً».

أما الخطأ الثالث، الذي ينسف فكرة التنجيم برأي عودة، فهو أن «المجموعات المشكلة للأبراج هي عبارة عن نجوم متباعدة عن بعضها البعض، وليست مجموعات حقيقية، كما يتراءى لمشاهديها عن بعد. وبالتالي لا علاقة فعلية بين نجوم المجموعة نفسها، ولا تأثير إطلاقاً للنجوم على الأبراج. فمن أين استدل المنجمون على تأثيراتها؟ ومن قال لهم إن لزحل أو المريخ دلالات خير أو مؤشرات شؤم على سبيل المثال؟».

ثم يذهب عودة إلى أبعد من ذلك، فيقول: «إذا قسمنا عدد سكان العالم إلى 12 برجاً، فهل يعني أن مئات ملايين البشر المنتسبين لبرج معين سيمرضون أو سيرزقون على سبيل المثال في وقت واحد؟ فغالباً ما يصادف رجلان من البرج ذاته، أحدهما رئيس دولة والآخر معدم فقير، فبماذا يفسر المنجمون ذلك؟».

ويؤكد عودة أن المنجمين يكنون الكراهية لبعضهم البعض، لأن كلاً منهم يكشف كذب الآخر: «والمشكلة هي في وسائل الإعلام، ولا سيما أنها تنعت المنجم بالفلكي».

الزعاق: التنجيم دليل تخلّف الأمم

يدعم الدكتور خالد الزعاق، وهو عضو «الإتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك»، وحاصل على دكتوراه في الفسيولوجيا الفلكية (الفلك العام)، كلام عودة، فيعتبر أن مواقع الأبراج الـ12 تغيرت أمكنتها اليوم، نتيجة لتغير محور دوران الكرة الأرضية، وفق معادلة الاعتدال. ويتم الاعتماد اليوم على كلام المنجمين بالارتكاز على ما قبل أربعة آلاف سنة. وخلال هذه المدة الطويلة، تقهقر وجه السماء، وأصبح عدد الأبراج 13 بدلاً من 12. والبرج الزائد يسمى «الازدلاف» («حواء»، بحسب عودة).

ويرى الزعاق أن ما تتعاطاه وسائل الإعلام من التنجيم والمنجمين هو دجل وأكاذيب، ولا يقوم على أصول علمية، علماً بأن هناك نظرية تقول ان لكل إنسان شريحة كونية (وضعية معينة من الكون)، الا أن هذه الشريحة لا تتكرر الا كل 26 ألف سنة. وهذه النظرية لم يأخذ بها الواقع، لأن البشرية لا تمتلك سجلات لـ26 الف سنة منصرمة.

وتوجه الى المنجمين بقوله: «لو كان لكم من الأمر شيء، لخرجتم عن دائرة استنزاف جيوب المغفلين، من أجل حفنة من الأموال».

وعما إذا كانت ثمة علاقة بين علم الفلك والإنسان، يقول: «الإنسان بطبعه لا يتحرك إلا عبر السلوك المناخي. فنحن نرتدي ملابسنا تبعاً لتغيرات المناخ، ونبني مساكننا تبعاً لتحركات الشمس. ومعروف أن للقمر جاذبية للسوائل، بما يعرف بظاهرة المد والجزر. وبما أن جسم الإنسان يحتوي على نسبة كبيرة من السوائل، فإنه يتأثر بحركة القمر. فتزيد نشوته في حال الإبدار (منتصف الشهر القمري)، وتقل نشوته في حال الاستسرار (آخر الشهر القمري)».

ويكمل: «لذلك، استسنّ النبي صيام أيام البيض (13 و14 و15 من كل شهر)، لكسر حدة الشهوة (الطعام، الجنس، الانتقا...)، لأن الصيام يخمل الإنسان. والأيام البيض هي التي يحتجم بها الناس (من الحجامة)، لإخراج الدم الفاسد من الجسد، الذي يثور خلالها. والأنثى التي يوافق يوم حيضها أيام البيض، تتعب كثيراً لأن الدم يخرج بغزارة». ولهذا، قال: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباء (المال) فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإن له وجاءة». ويقول ان هناك دراسة تثبت أن أعداد المجرمين وشاربي الخمور تكثر في أيام الإبدار. وثمة مادة لا تفرز في جسم الإنسان إلا في حال بزوغ الشمس، وهي تبعث على التفاؤل. «لهذا، يصابون في بلاد أوروبا الشمالية بمرض «وعكة الشتاء»، أو «كآبة الشتاء»، لأن الليل يدوم لستة أشهر بشكل متواصل».

وعن العلاقة بين علم الفلم والتنجيم، يقول الزعاق: «علم التنجيم هو الأصل، والفلك خرج من رحم علم التنجيم. وأول ما خرج الإنسان على سطح الأرض شاهد النجوم والكواكب، فظن أنها هي التي تتحكم بمصير الطبيعة فعبدها. فأنزل الله العبادات حتى يخرج الناس من عبادة النجوم الى عبادة الله. ومن هنا قول النبي ابراهيم: «فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر». الا أن المشكلة هي أن التنجيم لم يتطور، فيما سار علم الفلك بتطور عجيب، وأصبح علماً مستقلاً بذاته. ولهذا يقول الله تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق». ولهذا، لا ينتهي علم الفلك الا بعد نهاية البشرية. وتطور الأمم يكون على أكتاف علم الفلك، كما يحصل في الدول المتقدمة. وتأخرها لا يكون إلا على أكتاف علم التنجيم، كما هي حال العرب».

الأمين: علم الغيب مناط بالله وحده

من جهته، يعتبر السيد محمد حسن الأمين أن «هناك فرقاً كبيراً بين علم الفلك والتنجيم. والمقصود بالتنجيم هو الزعم أن مواقع النجوم والكواكب وعلاقتها بالأرض، هي مصدر معرفة غيبية. ولا يصح أساساً إطلاق صفة «العلم» على التنجيم. فيما علم الفلك هو علم حقيقي وموضوعي».

ويؤكد الأمين أن «أي دعوة لمعرفة الغيب هي دعوة باطلة لا يقرها الإسلام، ويعتبر أدعياءها من المذنبين. فالله وحده الذي يختص بعلم الغيب، ولا دلالة للفلك على ما سيحدث مستقبلاً، ولا رابط بين ما يحدث عندنا في الأرض وبين الفلك. فقد توفي ابن النبي ابراهيم، وصادف في ذلك اليوم أن كسفت الشمس، فظن الناس أنها كسفت من أجل موت ابن ابراهيم. فوقف النبي مخاطباً الناس: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا تكسفان لموت أحد ولا لحياة أحد».

ويؤكد «عدم جواز تصديق المنجمين، لأن تصديقهم من ضعف الإيمان، وعلينا أن نترفّع وأن نزن الأمور بعقولنا».

وعن الفلكيين، ومنهم أبو معشر الفلكي، يصف الأمين أعمالهم بـ «الشعوذة». ويؤكد «عدم جواز الاعتماد عليها، ولا سيما أن أحداً لم يستطع تأكيد تأثير علم الفلك على الإنسان. وإذا كان للفلك دورته وقوانينه التي قد تكون لها مؤثرات غير منظورة على الكيان الإنساني، لكنها ليست تلك التأثيرات التي يدّعيها المنجمون».

الخروصي: الإسلام يحذر من تصديق العرّافين

يفصل الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي بين التنجيم الذي يدّعي من خلاله المنجمون والكهان والمشعوذون علمهم بمستقبل الإنسان ومصيره، وما يمكن أن يقع في العالم من حوادث غير طبيعية، وبين علم الفلك القائم على قواعد علمية حسابية وتجريبية، تصل إلى نتائج دقيقة حول حركة الأجرام السماوية وما يتصل بها من آثار طبيعية، كالخسوف والكسوف، والمد والجزر، والشروق والغروب... ويقترب منه علم الأرصاد الجوية الذي يتيح أيضاً رصد حركة السحب والرياح في طبقات الجو العليا، ومعرفة نتائج كل ذلك بقواعد حسابية دقيقة.

ويؤكد الخروصي، الحاصل على دكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة أكسفورد،

أن «الإسلام يدعو إلى العلم، ليحرر العقل من الأساطير والخرافات، ومطلوب من المسلم أن يبدع في العلوم وفي كل مجالات الفكر والعقل، لا أن يكون أسير أساطير الطيرة والتشاؤم وقراءة الكف والنظر في الطالع. ويوم تحرر المـسلمون من ذلك كله، تمكنوا من بناء حضارتهم ومن التفوق العلمي».

ويشدد الخروصي على أن «الإسلام يحذر من تصديق الكهّان، بل منع الذهاب إلى العرافين والمشعوذين في بعض النصوص الصريحة. فعن ابن عباس، قال رسول الله: من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر. وعن أبي هريرة، قال رسول الله: من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد. وجاء عن بعض أزواج النبي أنه قال: «من أتى عرّافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما». لكن، للأسف الشديد، فإن حالة الضعف والتأخر العلمي التي يمر بها المسلمون اليوم جعلتهم يلجأون الى هذه الخرافات وقراءة البخت علّهم يجدوا فيها أملاً! وهذا هو صـنو الضعف والتخلف، سواء كان ذلك مادياً علمياً أو إيمانياً».

تعليقات: