نهر إبراهيم: من يقف خلف الهدر ــ السرقة

نهر إبراهيم
نهر إبراهيم


منذ انطلاقها قبل أكثر من 3 أشهر، تعجز الحكومة عن إصدار قرارات تصبّ في الصالح العام. فمعظم ما توافق عليه يدخل في إطار قبول الهبات ونقل اعتمادات مالية، إضافةً إلى بيع ما يصنّف ضمن «فضلات» أراضي الدولة. وآخر هذه الإنجازات هو إصدار مرسوم يمنح مواطنَين اثنين حق استخدام 146 مليون ليتر من المياه «لأغراض صناعية» (أي تجارية)، بسعر لا يزيد على 60 قرشاً لليتر الواحد.

صدر المرسوم 3293 يوم 13 شباط 2010، وهو يحمل تواقيع كل من رئيسي الجمهورية والحكومة، ووزيري الطاقة والمياه جبران باسيل والمال ريا الحفار. ويمنح هذا المرسوم السيدين عماد وعباس أديب الهاشم رخصة «استعمال كمية 400 متر مكعب يومياً من مياه نبع الرويس وجرها لعقارهما غير الممسوح من منطقة العاقورة العقارية ـــــ قضاء جبيل، واستعمالها في الأغراض الصناعية». وقد مُنِحَت هذه الرخصة لمدة سنة واحدة تتجدد تلقائياً. أما المقابل المادي الذي ستحصل عليه خزينة الدولة، فيبلغ 87 مليوناً و600 ألف ليرة لبنانية، في السنة الأولى. أما الأعوام التالية، فقد أبقى المرسوم البدل المادي مرتبطاً بما يظهره العدّاد. وبغض النظر عن ذلك، فإن الرخصة تمنح الأخوين الهاشم حق التصرف بنحو 146 مليون ليتر من المياه القابلة للشرب سنوياً، في مقابل 60 قرشاً لبنانياً لليتر الواحد! وبما أن الرخصة الممنوحة تجيز لحاملَيها استخدام المياه «للأغراض الصناعية»، فإن بإمكانهما تعبئة هذه المياه وبيعها، علماً بأن بعض شركات المياه المعدنية تبيع الليتر الواحد بـ500 ليرة لبنانية للمستهلك، وخاصةً في ظل الحديث عن سعي شركة عالمية للمياه والمواد الغذائية إلى الاستحواذ على حقوق استغلال المياه.

في الشكل، فإن الدستور اللبناني، وفي المادة 89 منه، يحظر «منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة عامة أو أيّ احتكار إلّا بموجب قانون، وإلى زمن محدود». لكن الرخصة مُنحت للأخوين الهاشم بمرسوم أصدره مجلس الوزراء.

4 بلدات وشركة كهرباء نهر إبراهيم تعتمد على النهر الذي يتغذّى من النبع المذكور

أما على أرض الواقع، فإن نبع الرويس يزوّد نهر إبراهيم بثلث منسوبه من المياه، أي نحو 30 ألف متر مكعب يومياً. والمستفيد الرئيسي من هذا النبع هو 4 بلدات محيطه به، تصل إليها المياه بالجاذبية، وهي العاقورة والمجدل وهديمة وتحت القلعة. ويعتمد سكان هذه القرى على هذا النبع في أعمالهم الزراعية ومياه الشفة. إضافةً إلى ذلك، فإن شركة كهرباء نهر إبراهيم تعتمد في توليد الطاقة على النهر الذي يتغذّى من النبع المذكور. وبحسب مصدر قانوني مطّلع، فإن الشركة بصدد تقديم اعتراض على المرسوم. وتاريخياً، تعاني المنطقة إهمالاً كان يؤدي دوماً إلى خلافات ومعارك على حق الاستفادة من مياه النبع. إلى ذلك، فإن ثمة قراراً بإنشاء سد على نهر إبراهيم، قرب بلدة قرطبا، يمكن الاستفادة من المياه التي تتجمّع خلفه لري أراضي 3 أقضية، أي جبيل وكسروان والبترون، وخاصةً أن هذا النهر داخلي بالكامل، ويحق للبنان استخدام كل مياهه من دون اعتراض أي طرف خارجي.

القضية إذاً تمسّ مصالح أبناء المنطقة، الذين بدأوا أمس حركة اعتراضية. وسيتقدم عدد من المجالس البلدية باعتراضات أمام مجلس شورى الدولة. أما بلدة العاقورة، فذكر مصدر قانوني أن محامي مجلسها البلدي المنحلّ، طلب من قائمّقام جبيل حبيب كيروز الإذن للتقدم باعتراض، وهو بانتظار الجواب.

ويوم أمس، أقام أهالي بلدة المجدل اعتصاماً معترضين على المرسوم، وبدأوا بتوقيع عريضة تطلب الرجوع عنه. وقد أخذت القضية بعداً سياسياً، وخاصةً أن اللذين حصلا على الرخصة مدعومان من أحد الأطراف السياسية. ويقول عدد من أبناء البلدة إن نائباً سابقاً في المنطقة دعا مناصريه إلى عدم توقيع العريضة، واعداً إياهم بالمحافظة على حقوقهم. وقد قصد عدد من أبناء البلدة رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون يوم السبت الفائت، مستغربين موافقة الوزير جبران باسيل على مرسوم مماثل. وقد تحدّث عدد من الأهالي عن قيام النائب عباس هاشم (لا توجد أي صلة قرابة بينه وبين حاملي الترخيص) بالتوسط لدى الوزير جبران باسيل من أجل تمرير مشروع المرسوم، إضافةً إلى قولهم إن شخصيّتين معروفتين في القصر الجمهوري والسرايا الحكومية تدخّلتا لتسريع صدور المرسوم. النائب هاشم الذي كان حاضراً في الرابية أكد عدم وجود أيّ صلة له بالمشروع، لافتاً إلى أنه لم يزر الوزير جبران باسيل في مكتبه منذ عام 2008، لا في وزارة الاتصالات ولا في وزارة الطاقة والمياه. بدوره، أشار العماد عون إلى أن باسيل يوقّع أسبوعياً آلاف المعاملات، فيما أشار أحد الحاضرين إلى أن نص المرسوم يظهر أن طلب الحصول على ترخيص قُدّم عام 2008 ونال الموافقة الإدارية المبدئية يوم 12/2/2009، وفي الحالتين لم يكن باسيل في وزارة الطاقة. ووعد عون بدراسة الملف والسعي جدياً إلى معالجته بما يحفظ حقوق أهالي المنطقة، وخاصةً في ظل الحاجة إلى إنشاء سدود والاستفادة من المياه التي تهدر. بدوره، أكد الوزير جبران باسيل لـ«الأخبار» أنْ لا أحد راجعه من أجل توقيع المرسوم، لافتاً إلى أنه طلب من قاضيين دراسة الملف لتحديد الأسباب التي مُنح حاملا الترخيص بناءً عليها حق الاستفادة من المياه، قبل اتخاذ القرار المناسب.

تعليقات: