سوق صبرا: مشروع خاص للمنطقة الأكثر إهمالاً في بيروت

سوق صبرا يحتاج الى التنظيم
سوق صبرا يحتاج الى التنظيم


وجد سوق صبرا في بيروت مَن يلتفت إليه، إذ سلكت مجموعة من مهندسي «مركز الالتزام المدني والخدمة الاجتماعية» في «الجامعة الأميركية في بيروت»، طريق السوق وأعدّت مشروع تأهيل للمحال والعربات والرصيف، بالقرب من الساحة التي تقع في وسط السوق تقريبا، على أمل أن تشمل عملية التأهيل جميع المحال في مراحل لاحقة.

ومن المفترض أن يبدأ تنفيذ المشروع في آذار الجاري، وقد وافقت عليه بلدية الغبيري، حيث تقع المنطقة المعنية في مجال صلاحياتها الجغرافية.

وتجدر الإشارة إلى أن سوق صبرا يبدأ من منطقة الدنا في الطريق الجديدة، ويمر في مخيمي صبرا وشاتيلا، وصولا إلى محطة الرحاب. وهو يعتبر بالتالي أطول سوق تجاري في بيروت.

تنتشر في الشارع الطويل محال وعربات وبسطات تمتد على الرصيف وأمامه، تحتوي على مختلف أنواع البضائع، ملابس رجالية ونسائية وولادية. بياضات وأدوات منزلية. أدوات زينة نسائية وعطورات. خضار بما فيها البرية وفاكهة. سوق لحوم تضاف إليه ملاحم متفرقة وأمامها مواقد الشواء.

كما تنتشر الأقراص المدمجة، التي تحتوي على أغان وموسيقى شعبية، وأفلام سينمائية، إباحية وغير إباحية، وبينها أفلام سينمائية حديثة، تعرض في صالات السينما، وتباع في الوقت نفسه هناك بسعر ألف ليرة للقرص الواحد.

وبين البضائع المعروضة، تتكوم النفايات بشكل عادي، بالقرب من المحال والعربات وبين البسطات، وتفيض إلى الأرصفة والطرق، كما تفيض عن المستوعبات التي وزعتّها شركة «سوكلين» في الشارع، بما تحتويه من فضلات خضار ولحوم. فتسد المجاري، وتملأ قطعة أرض بور مجاورة، وتكون النتيجة الطبيعة لمثل تلك الحالة، تكاثر الحيوانات القارضة والحشرات.

ومن أجل تلافي دخول مياه المجاري إلى المحال، يرفع أصحابها مستوى الأرصفة عن الطرق، عبر صب كميات من الباطون فوقها عشوائيا، فتسير مياه المجاري في الطرق، ويغطس فيها المارة كأنها جزء من ذلك العالم الواسع المتروك.

يتسوق من ذلك المكان سكان المخيمات والقاطنون معهم من لبنانيين وجنسيات عربية أخرى، كما يشتري منه عدد كبير من سكان بيروت، بسبب تدني أسعار بضائعه، والتي تكاد تساوي نصف أسعارها خارجه. يجدر وصفه بأنه العالم الآخر في بيروت، فهو عالم واسع وكبير، لكنه متروك، بكل ما للكلمة من معنى، لا وجود فيه لأثر تأهيل حكومي ولا بلدي.

وقد علّقت المتخصصة في علم الاجتماع في «الأميركية» ندى زنهور، خلال زيارة مشتركة للسوق، على ذلك المشهد بالقول: «لو أردنا الانتقال من صبرا إلى وسط بيروت، سيراً على الأقدام، لاستغرقت المسافة نصف ساعة من الوقت، لكن الفارق بين المنطقتين في الاهتمام الإنمائي والمعيشي، ونوعية الحياة، يوازي ما يقارب قرنين من الزمن، مع العلم أن تأهيل السوق يكاد لا يكلف قيمة بناء شقة سكنية في وسط بيروت».

يشكّل مشروع تأهيل سوق صبرا جزءاً من مشاريع عدة ينفذها «مركز الالتزام المدني وخدمة المجتمع» في الجامعة الأميركية. ويوضح المشرف على المركز المهندس منير مبسوط أنه بعد تجربة حرب تموز في العام 2006، تحوّل اهتمام مجموعة من المهندسين الأساتذة في «الأميركية» نحو تصميم مشاريع إنمائية وعمرانية في المناطق التي تحتاجها. وبدأ البحث عن تمويل لتنفيذها. وقد استفاد المهندسون من زياراتهم لمناطق عدة في الجنوب، ووضع مخططات إنمائية فيها، مثل مشروع مسح البلدة القديمة في الجبين، ومسح بلدة القليلة، ومشروع بناء برك مياه في مروحين، وحديقة أطفال في زوطر الشرقية، وغيرها.

وبعد تلك التجارب، قررت المجموعة إنشاء المركز بموافقة إدارة الجامعة من أجل تحقيق هدفين هما: توجيه الطلاب الذين يدرسون في الجامعة نحو إعداد مشاريع ميدانية، وتخصيص تلك بالمناطق التي تحتاج التنمية الاجتماعية في مختلف مجالاتها العمرانية والصحية والتربوية.

يضيف مبسوط أن تأهيل السوق سيتم على مراحل، تشمل المرحلة الأولى تأهيل الساحة وجوارها، بعد إنجاز الدراسة الخاصة بها، فيما يجري حاليا إعداد الجزء الثاني من الدراسة، التي تشمل متطلبات تأهيل السوق بمجمله، لكنها لن تنفذ إلا بعد نجاح تجربة المرحلة الأولى. ويلفت إلى أن المركز لن ينفذ مشروع تأهيل سوق صبرا، بل يعد الدراسات الخاصة به، ويراقب عملية التنفيذ.

وقد سعى المركز إلى البحث عن تمويل المشروع عبر إقامة الصلة مع «مؤسسة الحريري للتنمية». وهنا، يوضح المشرف المباشر على المشروع المهندس ربيع شبلي أن المسؤولين في المؤسسة وضعوا في صورة المشروع وأهميته للمنطقة، وانتهت المباحثات إلى الموافقة على تمويله، مضيفاً أنه يمكن أي جهة تملك التمويل، سواء كانت بلدية أو جمعية أو حزب، أن تساهم في تمويل المشاريع وفي مختلف المناطق.

يقول شبلي إن فريقا من المهندسين والمتخصصين في الهندسة وعلم الاجتماع والصحة قصد سوق صبرا، وأجرى دراسة تفصيلية لوضع المنطقة، فتعرف أولا إلى جغرافية المنطقة الحساسة برأيه، إذ أنها تشكل نقطة وصل بين بيروت والضاحية، وتتبع لمجالين بلديين هما بلديتا بيروت والغبيري، وتشكل امتداداً لمخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطينيين. في ظل تلك الوضعية، تشكل المنطقة أكبر سوق لبيع الخضار والمواد الغذائية في بيروت، وفي الوقت نفسه، مركزا لتجمع المياه، بسبب انخفاضها عن محيطها، فتتحول إلى مستنقع قي الشتاء.

قصد الفريق كلا من رئيسي بلدية بيروت عبد المنعم العريس ورئيس بلدية الغبيري محمد سعيد الخنسا وأطلعهما على المشروع، ولقي تجاوبا منهما واستعدادا لتقديم المساعدة اللازمة لإنجاحه.

وسوف يبدأ العمل بتأهيل واحد وعشرين محلا في المنطقة التي تتبع جغرافيا لبلدية الغبيري، ضمن منهج يعتمده المركز وهو التأهيل بطريقة تنسجم مع البيئة الاجتماعية الموجودة، كما يوضح شبلي، وصولا إلى تحقيق التنظيم الداخلي للمكان واستخدامه بشكل أفضل.

وبما أن المشكلة الأبرز التي تواجه أصحاب المحال هي تجمع المياه، سيعاد بناء الرصيف أمام المحال، وتوحيد شكله ومدى ارتفاعه عن الأرض، لمنع المياه من الدخول إليها. كما سيعاد تأهيل واجهات المحال، وطلاؤها بألوان منسجمة بعضها مع بعض. وعلى الرصيف الموازي للمحال، ستوضع عربات لبيع الفواكه والخضار، بطريقة منتظمة، وشراء مظلات جديدة لها، بدلاً من المظلات القديمة الممزقة أو المكسرة.

بالاضافة إلى ذلك، ستثبت أعمدة إنارة، وتتم إضاءتها جميعها، وتوضع حاويات للنفايات أمام المحال والعربات، تفصل بين كل منها مسافة أربعة أمتار. وسيُطلب من البائعين وضع نفاياتهم في تلك الحاويات، بدلاً من رميها على الأرض. أما نقل النفايات إلى المكب الرئيسي فسيتم بالطريقة نفسها التي يعتمدها أصحاب المحال والعربات حاليا، وتقضي بالتعاقد مع أشخاص ينقلونها، مقابل أجرة، لأن حاويات سوكلين الموضوعة في المنطقة لا تكفي لاستيعاب كمية النفايات في السوق.

ويقول شبلي إن «مسألة إقناع البائعين بالمشروع لم تكن سهلة، لأنه سبق لمؤسسات وجمعيات أن زارتهم وأخبرتهم بأنها تريد تنفيذ مشاريع للسوق، إلا أنها لا تعود. فكانوا يقولون لنا: لقد جاء غيركم قبلكم، وسألنا الأسئلة نفسها. ولم يكن أمامنا سوى أن نجيبهم: الحق معكم، ولكن نتمنى أن تثقوا بأننا سوف نعمل على تنفيذ ما نعدكم به».

يؤكد شلبي أن «الضمانة الأولى لنجاح المشروع تكمن في تعاون الناس المستفيدين منه، مع الذين سينفذونه، مشيرا إلى أن نجاح المرحلة الأولى سيؤذن بالقيام بمشاريع اجتماعية وصحية في المنطقة، لأن المستوى الصحي للسكان والبضائع المعروضة، يستدعي الكثير من العمل«.

من جهتها، توضح منسقة المشروع في «مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة» ديما الحسن أن تأهيل السوق يأتي ضمن مشروع شامل تنفذه المؤسسة، «وهو تحفيز وتنمية الشباب في بيروت وضواحيها». وبذلك، تلتقي المؤسسة في أهدافها مع أهداف «مركز الخدمة الاجتماعية» في الجامعة الأميركية.

وتقول الحسن إن التمويل سيؤمن من صندوق إعادة إعمار لبنان بعد حرب تموز، بالتعاون مع «برنامج الأمم المتحدة الانمائي». أما المنفذون فهم مقاولون وعمال تتعاقد معهم المؤسسة، وقد جرى لتلك الغاية جمع بائعي الخضار واللحوم ومختار المنطقة.

وشكّلت لجنة لمتابعة تنفيذ المشروع، لأن أحداً لا يضمن عدم سرقة البضائع المستخدمة، من دون وجود تعاون أهلي في المنطقة.

تعليقات: