السرايا الشهابية في حاصبيا ماضيها عريق لكن حاضرها مهمل وآثارها مندثرة !

السرايا الشهابية وسط حاصبيا
السرايا الشهابية وسط حاصبيا


إذا أردنا الدخول الى السرايا الشهابية في حاصبيا يجب ان نسلك مدخلاً واحداً، لكن اذا أردنا الدخول اليها عبر بوابة التاريخ، فهي تعتبر الأقدم في منطقة الجنوب على الاطلاق. واذا أردنا التحدث عن إهمال الأماكن الأثرية في لبنان، فهي "تتبوأ" المرتبة الاولى من دون منازع! كل الذين استقروا فيها، وعدوا بترميمها واعادة تأهيلها للحفاظ على هذا التراث الوطني. لكن للأسف بقيت الوعود مجرد كلام، وبقيت السرايا الشهابية أحد أبرز عناوين الاهمال.

مع تقلّص عدد أفراد الشهابية تهاوت السرايا من دون اي اهتمام، فيما بقي بعض أفراد عائلة شهاب صامدين في السرايا وبين جدرانها المشققة، منهم الأمير مفيد شهاب الذي لا يفارق الأمير طلال ارسلان، والأمير منذر شهاب الذي يعود بالذاكرة الى ما كانت عليه السرايا وما شهدته.

ويروي الامير منذر ان تاريخ السرايا يعود الى 3500 سنة، "فهي في الاساس قلعة رومانية تضم ثلاث طبقات تحت الأرض، كانت مهدمة ثم أعيد بناؤها على أنقاض القلعة الرومانية، وعندما جاء الشهابيون عام 1171 تمركزوا فيها. وفي اثناء حوادث عام 1860 هدّمت الطبقة العلوية، لكن الشهابيين استقدموا معلّماً في بناء الحجارة المزركشة من ضهور الشوير يدعى سليمان الحاوي، ونقلت الحجارة الاثرية من الطبقتين السفليتين الى الطبقة العلوية التي بنيت على الشكل التي هي عليه الآن".

وبعد مرحلة 1860، تولت العائلة الشهابية الاهتمام بالسرايا، ثم تدخلت الدول الاجنبية وأقامت القائمقاميتين، لكن الشهابيين لا يزالون حتى اليوم مستقرين فيها. ويضيف الامير منذر: "ثم بدأت الهجرة الشهابية، فمنهم من هاجر الى الشام وبيروت واوروبا والولايات المتحدة الاميركية والأردن، وبقيت أنا والامراء مفيد وعادل وفؤاد مقيمين في القلعة. وثمة جناح في القلعة للامير طلال ارسلان ورثه عن والده الامير مجيد ارسلان".

حصن منيع

للقصر الشهابي في حاصبيا ماض عريق وهامة مرفوعة وحاضر مهمل وآثار مندثرة، كما يقول الامير منذر شهاب. ويعتبر القصر الشهابي أحد أبرز مظاهر وادي التيم الخصب والذي كان فاعلاً في تاريخ لبنان القديم والحديث. لقد بنيت قاعدة القصر او القلعة الرئيسية، على أنقاض آثار رومانية. وجعل الصليبيون من هذه القلعة حصناً عسكرياً منيعاً في عهدهم على غرار القلاع والحصون المنتشرة في الشرق، والتي تحتوي على الفتحات الخارجية التي كانت ترمى منها السهام والنبال والزيت المحروق عندما كانت تتعرض القلعة لهجمات، وتزعمها القائد العسكري الفرنسي الكونت اورا دو بوربون الى ان انتزعها منه الامير منقذ شهاب بعد معركة قاسية عام 1170.

اما المدخل الرئيسي للقلعة، فهو عبارة عن بوابة كبيرة تلفها قنطرة من الجهة العليا. ونقشة عند جانبي البوابة صورة أسد كبير مقيّد بالسلاسل وأسد صغير غير مقيّد، مما يرمز على أنه ايام العهد الشهابي كان القوي مقيداً والضعيف طليقاً.

أقسام القلعة

تقسم القلعة الى ثلاث طبقات: الاولى والثانية بناهما الصليبيون، وهما كناية عن قلعة عسكرية مغلقة تتخلل جدرانها بعض النوافذ الصغيرة للردّ عسكرياً على المهاجمين بالسهام والنبال.

تضم الطبقة الاولى أيضاً كنيسة الكونت دو بوربون ولا تزال النقوش تزيّنها حتى اليوم، وفي وسطها بئر عميقة، ويوجد فيها أيضاً صليب معقوف كان شعاراً لأحد اباطرة الرومان ولوحة فسيفساء مزركشة بطريقة مميزة، مما يدل على ان جذور القلعة كانت رومانية قبل ان تكون صليبية.

في القلعة، قاعة الاستقبال الكبرى المعروفة بـ "الفسدقية" وهي عبارة عن ديوان جميل رصفت أرضه بالفسيفساء البديعة، تتوسطه نافورة للمياه وحوض رخامي مطعّم قلَّ مثيله، مقاعده من الحجر المنحوت وتعلوه الطنافس الجميلة الفاخرة ومنها عبارة للأمير منصور الشهابي: "حسبي الله الغفور وكفى عبده منصور". هذه القاعة يستعملها حالياً الأمير منذر علي شهاب لتكريم زواره.

أما قاعة ابرهيم باشا المصري التي تتصدر الجانب الشرقي للطبقة الأولى فقد سمّيت باسمه لأنه أقام فيها لفترة طويلة، عندما قدم الى حاصبيا لمحاربة الثوار الدروز بقيادة شبلي آغا العريان "الجدّ". علماً ان الامير خليل ابن الأمير بشير الشهابي الثاني التحق بهذا الحصن، مع الاشارة الى ان ملك النروج سيغور ديور سالفادور قد زار هذه القلعة عام 1080م.

الطبقة الثالثة، اي العلوية، بناها الشهابيون تضم عدداً كبيراً من القناطر والنوافذ على الطراز العربي. اضافة الى القاعات الفسيحة التي يغطي جدرانها الرخام المستورد من الخارج، وعليه الرسوم التي تزين المكان، كذلك استحدثت نوافير المياه داخل القاعات وفي الباحات واعتلت أعتابها الآيات القرآنية وغيرها من النقوش.

• • •

يتحسّر من بقي من الأمراء الشهابيين على وضع القلعة المزري، فلا اهتمام رسميا بها ولا من يسأل او يكترث، وقد وصفه الأمير منذر بأنه "غائب" تماماً، واضاف: "في فصل الصيف تمتلئ بالسياح من أقطار العالم ويبيت بعضهم فيها لأيام عدة ونهتم بهم من دون اي مقابل، لكن لا اهتمام رسمياً بهذه السرايا التاريخية. ورغم تصنيفها من المعالم الاثرية في لبنان في عهد الرئيس فؤاد شهاب، "فإن مديرية الآثار تتحجج بأنها ملك خاص ولا شأن لها بها، علماً انها استملكت فيها".

جناح الأمير طلال ومركز الحزب الديموقراطي
جناح الأمير طلال ومركز الحزب الديموقراطي


قبو يشهد على الاهمال اللاحق بها
قبو يشهد على الاهمال اللاحق بها


تعليقات: