أسعار العقارات تؤرق بنت جبيل

 ارتفعت بدلات الإيجار في السوق بعد حرب تموز
ارتفعت بدلات الإيجار في السوق بعد حرب تموز


5000 منزل في بلدة لا يقيم فيها سوى 3500 نسمة!...

بنت جبيل:

150 ألف دولار أصبح سعر الدونم الواحد في منطقة بنت جبيل بعدما كان لا يتعدّى الخمسة آلاف دولار، وهذا الارتفاع الصارخ في أسعار العقارات ناجم عن فورة في ورش البناء لتلبية الطلب الخارجي، فيما ارتفعت بدلات إيجار المحال التجارية حوالى ثلاثة أضعاف، ما أدّى، بحسب أبناء البلدة، إلى تفاقم المشكلة الاجتماعية والاقتصادية!

لا تزال مدينة بنت جبيل تشهد حركة بناء كثيفة، وارتفاعاً هائلاً في أسعار عقاراتها، في ظلّ تدنّي عدد سكّانها المقيمين، نسبة إلى عدد أبنائها المهاجرين والنازحين. ورغم تهدّم معظم مبانيها في حرب تمّوز الماضية، وكثرة الحديث عن إمكان شنّ إسرائيل عدواناً جديداً، فإن الزحف العمراني للأبنية السكنية والتجارية امتدّ إلى القرى والبلدات المجاورة في عين إبل وكونين وعيناتا وعيترون. وباتت أسعار العقارات توازي أسعار عقارات المدن الكبرى الجنوبية كصيدا وصور والنبطيّة، وهو ما يتناقض مع الواقع الاقتصادي والمعيشي لأبناء بنت جبيل وتجّارها... فقد قارب سعر الدونم الواحد من الأرض الـ150 ألف دولار أميركي. كذلك ارتفعت أسعار إيجارات المحال التجارية منذ بدء عملية إعادة إعمار المدينة بعد حرب تموز 2006. ورغم أنّ عملية دفع التعويضات من قبل الحكومة القطرية التي كانت مشروطة بعملية إعادة البناء، كان لها دور كبير في زيادة ورش البناء بعد الحرب، إلا أن المغتربين والنازحين تهافتوا أيضاً على بناء منازل جديدة لهم في بنت جبيل، رغم عدم إقامتهم فيها، إضافة إلى بناء المجمّعات التجارية وزيادة الطلب على إيجارات المحال التجارية.

أسعار المحالّ ترتفع 3 أضعاف!

ويقول التاجر جعفر بوصي، صاحب مؤسسة لبيع الخرضوات، إن ورش البناء الكثيرة لا تعود إلى المقيمين، بل إلى المغتربين الذين قرّروا تشييد منازل لهم في قراهم بعدما ساء الوضع الاقتصادي في بلدان المهجر، ولا سيّما في الولايات المتحدة الأميركية، التي يقيم فيها أكثر من 30 ألف نسمة من أبناء بنت جبيل.

ويرى بوصي أنّ الارتفاع الجنوني لأسعار إيجارات المحال التجارية أمر غير منطقي ومخيف، فقد كان يستأجر قبل الحرب 7 محال بـ700 دولار شهرياً، لكنّ بدل إيجار المحلّ الواحد اليوم أصبح 400 دولار، وهذا لا يتناسب إطلاقاً مع الحركة الاقتصادية في بنت جبيل. وبحسب بوصي، فإن هدم سوق بنت جبيل في حرب تموز ( 135 محلّاً تجارياً)، وتأخر إعادة البناء، ساهما في انتقال معظم التجّار إلى محال تجارية أخرى خارج السوق، ما ساهم في ارتفاع بدلات الإيجار. ورغم ذلك، فإن بدلات إيجار المحال التي أعيد بناؤها في السوق ارتفعت كثيراً أيضاً.

ويفسّر التاجر محمد بزّي ارتفاع أسعار العقارات وبدلات الإيجار بمراهنة الأهالي على زيادة حركة الشراء بعد الانتهاء من أعمال السوق الجديد، الذي شيّد بطريقة منظّمة وجميلة، لكن عدد المحال التجارية في بنت جبيل كلّها ازداد أكثر من 200%، رغم أن بنت جبيل لم تعد المركز التجاري الوحيد في المنطقة. فأغلب القرى المجاورة انتشرت فيها المؤسسات التجارية بكثرة أيضاً، وأسعار العقارات لم ترتفع إلى هذا الحدّ. ويقول فادي خنافر إن والده باع بعد التحرير دونم أرض على مدخل بنت جبيل بخمسة آلاف دولار، أمّا اليوم فقد أصبح ثمن الدونم الواحد في المكان نفسه 150 ألف دولار، وكذلك فإن أحد تجّار بنت جبيل استأجر محلّاً تجارياً داخل السوق بـ700 دولار شهرياً. ويعتقد خنافر أن الأسعار ستتراجع بعد افتتاح السوق الجديد، لأن اعتقاد الأهالي بزيادة عدد الزبائن كثيراً بعد افتتاح السوق ليس في محلّه، فجميع القرى والبلدات المجاورة تنشط فيها الحركة التجارية على نحو لافت أيضاً.

السبب: ضيق المساحة العقارية

ويبيّن المهندس المعماري عماد بزّي أنّ حوالى 150 شخصاً من أصحاب الوحدات المهدّمة الصغيرة (أقل من 70 متراً مربّعاً) داخل وسط المدينة فرض عليهم إعادة بناء منازلهم في محيط المدينة، شرط أن تحسب لهم تعويضات كاملة عن كلّ وحدة سكنية (أربعون ألف دولار عن الوحدة السكنية الواحدة)، وهذا ساهم في زيادة عدد المباني السكنية. أما ارتفاع الأسعار الهائل فيعود سببه إلى ضيق المساحة العقارية لبنت جبيل، وزيادة الطلب على استثمار المحال التجارية وبنائها. فالأغنياء، حتى من خارج بنت جبيل، يتنافسون على شراء الأراضي في المواقع المميزة على الشارع العام ومداخل البلدة، ويبنون فيها المجمّعات التجارية، وكثير من أبناء بنت جبيل المغتربين لا يملكون الأراضي في بنت جبيل فيندفعون إلى شراء ما بقي من الأراضي لبناء منازلهم فيها. وبحسب بزّي، فإن سعر الدونم الواحد على مدخل بنت جبيل الرئيسي

معظم أصحاب العقارات الجديدة من المغتربين، وخصوصاً من الولايات المتحدة

ارتفع إلى نحو مئة وخمسين ألف دولار. لكن رغم ذلك، فإن عدداً كبيراً من ورش البناء توقّف العمل فيها، وهذا الأمر مرتبط بعملية دفع التعويضات. وبعد حرب تموز، ارتفع عدد ورش البناء الجديدة والمهدّمة التي يعاد بناؤها إلى 1800 ورشة، حتى أصبح عدد منازل بنت جبيل أكثر من 5000، بينما عدد المقيمين بقي حوالى 3500! ويبيّن محمد بزّي أن أبناء البلدة، وخصوصاً المغتربين منهم يتنافسون على بناء المنازل الجميلة، لكنهم في الوقت نفسه لا يأتون للإقامة هنا، لافتاً إلى أن إخوته الذين يعيشون في الولايات المتحدة يعملون على بناء منازل جديدة لهم في البلدة، وأن أحدهم لم يأت إلى لبنان منذ أكثر من عشرين عاماً!

ويرى التاجر علي هاشم أنّ ارتفاع أسعار العقارات وبدلات الإيجار يساهم كثيراً في ارتفاع أسعار السلع والبضائع، ما قد يؤدي إلى تدهور الحركة التجارية في بنت جبيل بسبب وجود أسعار منافسة في القرى والبلدات المجاورة، فيما تشير صاحبة محلّ للألبسة في السوق المؤقت في بنت جبيل ساميا جمّال إلى أن مكان السوق بعيد عن الشارع العام، وكبار تجّار بنت جبيل فضّلوا عدم فتح محالّهم هنا، وليس هناك اهتمام كاف من البلدية بتأمين الكهرباء والماء والإعلان عن السوق. أمّا افتتاح سوق عيترون فقد أدّى إلى خسارة العديد من الزبائن.

إلا أن جعفر بوصي يؤكد تحسّن الوضع الاقتصادي في بنت جبيل بسبب الحركة العمرانية وزيادة العمّال الأجانب إلى أكثر من 1800 عامل سوري يشترون ما يحتاجون إليه من طعام وألبسة من محال البلدة.

600 منزل

بُنيت بعد التحرير في بلدة مركبا، ومعظمها منازل فخمة كلّفت أصحابها مئات الآلاف من الدولارات. فقد بني أكثر من 600 منزل بعد التحرير، واستمرّ البناء على حاله بعد حرب تموز، وخاصة الأبنية الملاصقة للحدود، بحيث لم تعد المنطقة تتسع للمزيد من الأبنية.

من بيروت إلى مركبا

انتشرت في بلدة يارون (بنت جبيل)، الملاصقة للحدود، الأبنية الفخمة التي تدلّ على ثراء أصحابها وغناهم، ومعظمهم من المغتربين الذين قرروا إنفاق أموالهم على البناء المكلف. وفي بلدة حولا، انتشرت المنازل قبالة موقع العبّاد الشهير. وعلى طريق عام بلدتَي مركبا ــ العديسة (مرجعيون)، مقابل «مستعمرة كفرجلعادي»، تتكاثر الأبنية الحديثة بصورة لافتة، والعديد من الذين بنوا منازلهم على الحدود لم يولدوا في البلدة ولم يسكنوا فيها سابقاً، حتى إن بعضهم من بيروت. فهناك قصران على الحدود تعود ملكيتهما لآل عيتاني وآل الحص.

تعليقات: