الغيبة

مساوئ الغيبة: إشاعة الفاحشة
مساوئ الغيبة: إشاعة الفاحشة


* أولاً ـ تعريف الغيبة :

وهي أن يُذكر المؤمن بعيبٍ في غيبته، سواء أكان بقصد الإنتقاص، أو لم يكن، وسواء أكان العيب في بدنه، أم في نسبه، أم في فعله، أم في قوله، أم في دينه، أم في دنياه، أم في غير ذلك مما يكون عيباً مستوراً عن الناس، كما لا فرق في الذْكر بين أن يكون بصورة القول، أم بصورة الفعل الحاكي عن وجود العيب، والظاهر اختصاصها بصورة وجود سامع يقصد إفهامه وإعلامه، كما أنّ الظاهر أنّه لا بدّ من تعيين المغتاب، فلو قال واحد من أهل البلد جبان لا يكون غيبة، وكذا لو قال أحد أولاد زيد جبان لا يكون غيبة، نعم قد يحرم ذلك من جهة لزوم الإهانة والإنتقاص لا من جهة الغيبة.

ولقد ورد عن رسول الله(ص) في تعريف الغيبة : "أتدرون ما الغيبة " قالوا :"الله ورسوله أعلم" قال (ص) :" ذكرك أخاك بما يكره"، قيل :" أرأيت إن كان في أخي ما أقول!" قال :" إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".

* ثانيا ـ مساوئ الغيبة: 1- إشاعة الفاحشة :

عن الإمام الصادق(ع) :" من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه، فهو من الذين قال الله عزّ وجلّ ﴿ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم ﴾ " ولقد ورد عن الإمام الكاظم(ع) أنّه قال في خطابه لمحمد ابن الفضيل :" يا محمد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك، وان شهد عندك خمسون قسامة وقال لك قولاً فصدقه وكذّبهم ولا تذيعن عليه شيئاً تشينه به وتهدم مروءته، فتكون من الذين قال الله ﴿ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة... ﴾ " وعن أمير المؤمنين(ع) :" لو وجدت مؤمناً على فاحشة لسترته بثوبي".

2- نشر العداوة والبغضاء بين الناس.

3- إهانة المؤمنين وإسقاطهم من أعين الناس :

فعن الصادق(ع) : "من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروءته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان".

* ثالثاً ـ الغيبة والدين :

لا شكّ أن للغيبة أثرها السلبي على دين صاحبها أو صاحبتها، فقد ورد عن الرسول الأكرم(ص) :"من اغتاب مسلماً أو مسلمةً لم يقبل الله صلاته ولا صيامه أربعين يوماً وليلة"، وعنه (ص) : " يؤتى بأحد يوم القيامة يوقف بين يدي الله ويدفع إليه كتابه فلا يرى فيه حسناته" ، فيقول :" إلهي ليس هذا كتابي فإني لا أرى فيه طاعتي!" فيقال له :" إن ربك لا يضل ولا ينسى، ذهب عملك باغتياب الناس"، ثم يؤتى بآخر ويدفع إليه كتابه فيرى فيه طاعات كثيرة فيقول :" إلهي ما هذا كتابي، فإني ما عملت هذه الطاعات!" فيقال له :" لأن فلانا اغتابك فدفعت حسناته إليك"، وعنه (ص) :" من اغتاب مسلماً في شهر رمضان لم يؤجر على صيامه".

* رابعاً ـ الأسباب الباعثة على الغيبة :

واعلم إن الأسباب الباعثة على الغيبة أمور عدّة منها :

1- شفاء الغيظ : وذلك أن يجري من الإنسان سبب يغضب به عليه آخر فإذا هاج غضبه تشفّى بذكر مساوئه وسبق إليها لسانه.

2- موافقة الأقران ومساعدتهم على الكلام، فإنهم إذا اجتمعوا ربما أخذوا يتفكّهون بذكر الأعراض فيرى أنه لو أنكر أو قطع المجلس استثقلوه ونفروا منه، فيساعدهم ويرى ذلك من حسن المعاشرة، مجاملة في الصحبة، وقد يغضب رفاقه من أمر فيحتاج إلى أن يغضب لغضبهم للمساهمة في السرّاء والضرّاء، فيخوض معهم في ذكر المساوئ والعيوب.

3- ومنها أن يستشعر من إنسان أنّه سيذمّه ويطول لسانه فيه ويقبح حاله عند بعض الرؤساء أو يشهد عليه بشهادة فيبادره قبل أن يقبح حاله فيطعن فيه ليسقط أثر شهادته عليه.

4- ومنها أن ينسب إلى أمر يريد التبرّؤ منه فيذكر الذي فعله، وكان من حقه أن يبرّئ نفسه ولا يذكر الذي فعله، ولكنّه إنما يذكره تأكيداً لبراءة نفسه وكي لا يكون تبرّأ مبتوراً.

5- ومنها المباهاة وحب الرئاسة مثل أن يقول :" كلام فلان ركيك ومعرفته بالفن الفلاني ناقصة"، وغرضه من ذلك إظهار فضله عليه.

6- ومنها الحسد وإرادة إسقاط من يمدحه الناس بذكر مساوئه لأنه يشقّ عليه ثناء الناس عليه ولا يجد سبيلاً على سد باب الثناء عليه إلا بذكر عيوبه.

7- ومنها اللعب والهزل والمطايبة وتزجية الوقت بالضحك والسخرية فيذكر غيره بما يضحك الحاضرين على سبيل الهزء والمحاكاة.

* خامساً ـ من تحرم غيبته :

عن الإمام الصادق(ع) :" من لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر وشهادته مقبولة، وإن كان في نفسه مذنباً، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله وداخل في ولاية الشيطان"، وعن الرسول الأكرم(ص) إنه قال :" من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته، ووجبت أخوّته، وحرمت غيبته".

* سادساً ـ من يجوز اغتيابه :

عن رسول الله(ص) :" أربعة ليست غيبتهم غيبة : الفاسق المعلن بفسقه، الإمام الكذّاب إن أحسنت لم يشكر وإن أخطأت لم يغفر، والمتفكّهون بالأمهات، والخارج عن الجماعة الطاعن على أمتي الشاهر عليها سيفه".

وعن الإمام الرضا(ع) : " من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له".

وذكر الشهيد الثاني(رض) بعض الموارد التي تجوز فيها الغيبة :

1- المظلوم إذا توقّف استيفاء حقه على التظلّم إلى من يرجو منه إزالة ظلمه.

2- الإستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى النهج الصحيح، ومرجع الأمر في هذا إلى القصد الصحيح فإن لم يكن ذلك هو المقصود كان حراماً.

3- الإستفتاء : كما تقول للمفتي :" ظلمني أبي أو أخي " والأسلم في هذا التعريض أن تقول :" ما رأيك في رجل ظلمه أبوه أو أخوه؟".

4- تحذير المسلم من الوقوع في الخطر والشر، ونصح المستشير، كما لو رأيت متفقهاً يتلبّس بما ليس من أهله فلك أن تنبّه الناس على نقصه وقصوره عمّا يؤهل نفسه إليه، وكذلك إذا رأيت رجلاً يتردّد إلى فاسق يخفي أمره وخفت عليه من الوقوع بسبب الصحبة ومرجع هذا الأمر إلى القصد الصحيح أيضاً.

5- الجرح والتعديل للشاهد والراوي ويشترط في ذلك إخلاص النصيحة كما وكأن يقصد بذلك حفظ أموال المسلمين وضبط السنة وصيانتها عن الكذب.

6- أن يكون المقول فيه مستحقاً لذلك لتظاهره بسببه كالفاسق المتظاهر بفسقه، على أن تكون هناك غاية من ذلك وهي ارتداعه عن فسقه وفجوره.

7- أن يكون الإنسان معروفاً بإسم يعرب عن غيبته، كالأعرج والأعمش فلا إثم على من يقول ذلك مع عدم قصد الإحتقار والذم، وقد نقل العلماء ذلك لضرورة التعريف، وبحيث أنّه أصبح لا يكرهه صاحبه بعد أن أصبح مشهوراً به، أمّا بالنسبة للأحياء فمشروط بعلم رضا المنسوب إليهم لعموم النهي، وكيف كان فلو وجد عنه معدلا أمكنه التعريف به فهو أولى.

8- لو اطلع العدد الذين يثبت بهم الحد أو التعزير جاز ذكرها عند الحكّام بصورة الشهادة في حضرة الفاعل وغيبته.

9- إذا علم اثنان من رجل معصية شاهداها فأجرى أحدهما ذكرها في غيبة العاصي، لأنه لا يؤثر عن السامع شيئاً، وإن كان الأولى تنزيه النفس واللسان عن ذلك لأنه ذكره بما يكره لو كان حاضراً ولأنه ربما ذكر أحدهما صاحبه بعد نسيانه أو كان سبباً لاشتهاره بها.

10- ذكر المبتدعة وتصانيفهم وآرائهم المضلّة حفظاً للدين وصوناً للعقائد الحقّة.

* سابعاً ـ سماع الغيبة :

عن الإمام علي(ع) وقد نظر إلى رجل يغتاب رجلاً عند ولده الحسن(ع) :"يا بني نزّه سمعك عن مثل هذا فإنه نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك" وعن الإمام زين العابدين(ع) : "حق السمع تنزيهه عن الغيبة وسماع ما لا يحلّ سماعه".

* ثامناً ـ ثواب رد الغيبة :

عن رسول الله(ص) : "من ردّ عن أخيه غيبة سمعها في مجلس ردّ الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا والآخرة، فإن لم يرد وأعجبه كان عليه كوزر من اغتاب".

وعن الصادق(ع) : " من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره الله في الدنيا والآخرة، ومن اغتيب عنده أخوه المؤمن فلم ينصره ولم يعنه وهو يقدر على نصرته وعونه إلا خفضه الله في الدنيا والآخرة".

* تاسعاً ـ كفّارة الغيبة :

عن الرسول الأكرم(ص) :" إذا اغتاب أحدكم أخاه فليستغفر الله فإنّها كفّارة له".

وفي وصية له لأبي ذر يا أبا ذر :" إيّاك والغيبة فإن الغيبة أشدّ من الزنا "، قلت :" ولم ذاك يا رسول الله؟ قال :" لأن الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه، والغيبة لا تغفر حتّى يغفر صاحبها".

* عاشراً ـ عاقبة الغيبة :

يظهر مما تقدّم أن الغيبة رذيلة سلوكية وآفة اجتماعية، وهي ممقوتة من قِبل الله وقد أوعد عليها العذاب الأليم ومما جاء عن الإمام السجّاد(ع) : " إياكم والغيبة فإنها أدام كلاب النار"...

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه﴾

الحجرات (12)

والحمدلله رب العالمين،،،

الشيخ محمد قانصو

كاتب وباحث لبناني

* مصادر البحث :

القرآن الكريم - الكافي للكليني ـ ميزان الحكمة ـ الإختصاص ـ المنهاج ـ مستدرك الوسائل ـ الخصال ـ بحار الأنوار ـ كنز العمال ـ شرح نهج البلاغة ـ جامع الأخبار ـ ثواب الأعمال

تعليقات: