المرحوم «علي الشطوط» أفاد الكثيرين بقصد منه أو بغير قصد

المرحوم «علي الشطوط»  أفاد الكثيرين بقصد منه أو بغير قصد
المرحوم «علي الشطوط» أفاد الكثيرين بقصد منه أو بغير قصد


علي الشطوط الإنسان الطيّب والذكي..

قد يختلف رأينا في بعض النقاط عن رأي آخرين يتناولون "علي الشطوط" تفكهاً أو تحبّباً أو تندّراً؛ فالخيام تختزن، شأنها شأن باقي القرى والبلدات اللبنانية، قصصاً وروايات طريفة لأناس بسطاء أو عاديين مغمورين حباهم الله بمواهب شتّى. تموت قصص هؤلاء وأفعالهم معهم إن لم يأتِ أحد ويحفرها على جدار الزمن بالمداد الأسود الذي يشبه نهاية العمر والحكاية، فليست كلّ نهاية بداية إذا لم ينبرِ مَن يُوقظها من كبوتها وسباتها الناتج عن حداء الزمن...

وفي الخيام أبطال مجهولون كُثر سطّروا تاريخها الاجتماعي البسيط بقصصهم وأفعالهم التي ما زالت تتواتر على الألسن بخجل وحشرجة...

والملفت للنظر أنّ معظم هؤلاء يتمتعون بخيال واسع وعقل نيّر وروح دعابة ملفتة للنظر, وأغلبهم يُعرفون بلقبهم أكثر مما يُعرفون بإسمهم الحقيقي, وفي حال ذُكر اسمهم الحقيقي فقط لا نخالنا نتعرّف إلى صاحبها. لن نذكر الألقاب الكثيرة كي لا نخدش مشاعر أقاربهم وأحبّائهم لكن يُمكننا ذكر المرحوم "صالح عبود" بذكائه و"أفشاته" التي لا تعدّ ولا تُحصى وقصصه الكثيرة التي يعرف بعضها معظم اهالي الخيام وأصبحت على كلّ شفة ولسان. أما المرحوم "علي الشطوط"، موضوع حديثنا، فقد تجاوزت قصصه حدود الخيام ليصل إلى أمكنة كثيرة، فقد صُودف أنّ أحد الزملاء لنا من منطقة الجبل اللبناني سبق له وسمِع بعلي الشطوط وحكاياته وبخله وثروته! أما ما نعرفه عنه، وما يُمكن ذكره فذاك يعود إلى العام 1967م عندما شبّ حريق في منزله (الكوخ) المصنوع من الطين والقشّ والخشب. كنّا صغاراً وبمجرّد سماعنا للخبر هرولنا مسرعين إلى حيث الحريق الذي كان هائلاً. وأذكر جيّداً كيف كان يشبّ "علي الشطوط" كالفرس الجموح محاولاً اجتياز النار المندلعة بقوّة في المنزل لإنقاذ أمواله وخزنته الموضوعة داخل علب من التنك مستطيلة الحجم والمخبّأة داخل حوائط المنزل يكسوها الطين لتمويهها، فكان يُمنع من ذلك ويقوم بعض الأشخاص المولوجين بإطفاء الحريق بحمل هذه العلب إليه ليهدأ على إثرها ويستكين بعض الشيء. أما قصصه فيمكننا أن نسرد منها اثنتين، على ذمّة الراوي: الأولى حين اشترى "القضامي المحلاة"، وطلب من والدته أن تقوم بمصّ حبّاتها، والاكتفاء بتذوّق طعمها عبر المصّ دون أكلها ومضغها لكي يقوم بطبخها بعد أن تعود إلى حالتها الأولى حبّات "حمّص"، فيكونا بذلك قد ذاقا طعم القضامي وطبخا الحمّص دون كلفة شرائه! أما الرواية الثانية فيكمن فيها ذكاؤه ودهاؤه حيث قام أحد الأشخاص من أبناء الخيام برهن قطعة أرض عند "الشطوط" مقابل مبلغ من المال ليستطيع هذا الشخص من خلاله إرسال ولده إلى الخارج للتخصّص. وبعد أن أمضى ولده عدّة سنوات في فرنسا وعاد منها حاملاً لقب "دكتور" قام والده بالطلب من "علي الشطوط" بإعادة الأرض إليه، فما كان من الأخير إلا إجابة فورية لا يخلو منها الجدّ والسخرية: "إذا أعطيتني الدكتوراه أعطيك قطعة الأرض".

إضافة إلى العديد والعديد من الروايات والقصص التي لا تنتهي... بالرغم من ذلك، يمكننا القول أنّ "علي الشطوط" كان إنساناً طيّباً ودائم الابتسام، لا أذكره إلا مبتسماً فرِحاً، مرحاً وصاحب دعابة. والأفضل من كلّ ذلك أنه لم يتناول أحداً بالسوء أو بالنميمة، على عكس الكثيرين. لم يزنِ ولم يُقامر ولم يسرق (اللهمّ إلا إذا كان قد جمع ثروته كما يقول الرواة من خلال موجودات الأغطية والفِرش التي كان يقوم بتنجيدها). هو لم يُجبر أحداً على إطعامه بالقوّة، ولم يفرض خوّات على أحد. وهو أيضاً لم يُفاخر بثروته كما يفعل الكثيرون. صحيح أنّه لم يستثمر ثروته على ملذاته، أويبني القصور الفخمة، لكنه ترك مساحات شاسعة من الأرض يُمكن للكثيرين الاستفادة منها كما تفعل حالياً بلدية الخيام (دون قصد منه طبعاً). ولا ننسى أنّه أقرض المال لعدد كبير من أهالي القرى والبلدات في الجوار ومن طوائف مختلفة، بقيت هذه الأموال في ذمّة أصحابها. وصحيح أيضاً أنه كان بخيلاً بالمعنى المتعارف عليه لكنه كان طيّب المعشر كم ذكرنا، فهو لم يصل إلى مرتبة بخلاء الجاحظ، وإن فاقهم ثروة.

ولا إلى مرتبة بخلاء ابن الرومي الذي لو استطاع أحدهم "لتقتيره لتنفّس من منخر واحد" لشدّة بخله (ويقصد بذلك اليهودي). "علي الشطوط" كان مريضاً بالمعنى السيكولوجي للكلمة، وهناك أسباب لبخله تعود رُبّما إلى طفولته وبيئته وظروف معيشته، يُضاف إليها بطبيعة الأمر تكوينه الذاتي والخُلْقي. بل يمكننا أن نصل في تحليلنا وتقييمنا للأمر إلى أنه كان فقيراً بالمعنى الفلسفي للكلمة، فالفقير لا مال لديه ليستثمره، والشطوط لديه مال لا يستثمره في النفع الشخصي الذاتي، فالنتيجة واحدة الفقر والفقر. " يا أيّها الذين آمنوا لا تكنزوا الذهب والفضّة..".

"علي الشطوط" أفاد الكثيرين بقصد منه أو بغير قصد.

استفادت منه بلدية الخيام، والأحرى إقامة نصب له أمام دار البلدية الجديد على أرض "الشطوط"، أو تسمية البلدية باسمه: "بلدية الشطوط" أو "مبنى الشطوط البلدي". نعمَ الأسماء والألقاب. إنها ضريبة البخل أيّها الأخوة والأخوات.

رحمة الله عليك يا "شطوط" يا فقير، يا مُعدم...

لن تنساك الخيام والفضل يعود إلى من حمل اسمك ولقبك للتداول بعد نسيان ولتعريف الأجيال الجديدة عليك، وعقبال آخرين قبل أن يطالهم النسيان...

مواضيع ذات صلة:

مقالة د. يوسف غزاوي "المرحوم علي الشطوط أفاد الكثيرين بقصد منه أو بغير قصد"

مقالة المهندس أسعد رشيدي حول علي الشطّوط

مقطع فيديو لعلي الشطّوط

تعليقات: