عودة إلى ثقافة المقاومة

عودة إلى ثقافة المقاومة للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والانسانية
عودة إلى ثقافة المقاومة للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والانسانية


يتوجّه الرئيس محمود عباس الى القاهرة غدا لتنسيق المواقف مع الرئيس المصري حسني مبارك في ضوء اقتراح رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو عقد قمة تجمعهم في شرم الشيخ. يجيء هذا الاقتراح الاسرائيلي لكون نتنياهو يواجه "معارضة داخلية". ويبدو ان معاودة "المفاوضات" تمكّن الحكومة الاسرائيلية من اعطاء انطباع لإدارة اوباما انها في صدد التجاوب مع المجهود الاميركي. طبعاً نتنياهو يفتعل صيغة يراد بها إعطاء انطباع انه يواجه "ضغوطاً" من حلفاء له داخلياً، لذا معاودة "المفاوضات" من شأنها إرضاء البيت الابيض وبالتالي قد تتلاشى "المعارضة الداخلية" المزعومة له.

لنفترض ان ما يدعيه صحيح، فيبدو ان محاذير رئيسية ليست بالحسبان، منها إن تجميد، او كما يصفه الرئيس الفلسطيني "وقف الاستيطان" يزيل الحاجة الفورية الى اعتراف اسرائيل بكونها في الاراضي الفلسطينية المحتلة هي سلطة محتلة. فتجميد الاستيطان يعني استحالة التفاوض ويبقى التعامل في اطار المحادثات. والسؤال الذي لم تتوافر اية اجابة واضحة عنه هو حل يحمل الوفد المصري الذاهب الى واشنطن اقتراحا للبيت الابيض يمكّن الرئيس عباس من ان يضمن ان المستوطنات يجب ان تتفكك لانها تجلٍ لحق ملكية الارض، مما يلغي أي فرصة لإنجاز حل الدولتين؟ هل من اقتناع لدى الوفد المصري الذاهب الى واشنطن بأن استقامة المعادلة التي تفرز مفاوضات ناجعة هي اعتراف اسرائيل بأنها تحتل بدلا من تصرفها وكأنها مالكة. وقد برهنت اسرائيل بدون تردد ان القدس الشرقية المحتلة هي خارج اطار أي "تفاوض" حتى تستكمل تهديدها كما هي فاعلة بدون توقف خصوصاً في القدس التي تحدد اسرائيل جغرافيتها والتي تصر على أنها عاصمتها الأزلية والأبدية.

نشير الى هذه المحاذير في ضوء ما يقارب تجاوب مصر مع مطلب نتنياهو أثناء اجتماعه مع الرئيس مبارك والذي وصفه الوزير احمد أبو الغيط بأنه "كان ايجابياً للغاية" اضافة الى ان عبثية ما افرزته اتفاقات اوسلو ادت الى مزيد من تآكل فلسطين المحتلة والى استباحة القدس الشريف، اضافة الى مزيد من الامعان في التمدد الاستيطاني.

ثم، كما هو واضح ان ادارة الرئيس اوباما رغم انفتاحها ورغبتها في انجاز ما على صعيد القضية الفلسطينية، لا يزال امام الرئيس اوباما حواجز من السلطة التشريعية الشديدة الانحياز لاسرائيل، ولا تزال بعض رواسب ادارة بوش السابقة راسخة عند مخططي السياسة الشرق الاوسطية في وزارة الخارجية، والتي تعتبر ان مطالب الفلسطينيين لا يمكن تلبيتها "حتى ولو ارادت" رغم تصريحات الوزيرة كلينتون "بأن المستوطنات غير شرعية".

ان الحاجة الى تكرار هذه المحاذير سببها أنها اذا لم تؤخذ في الاعتبار بمنتهى الجدية فان الرئيس محمود عباس سوف يجد نفسه مقيّداً في تحركه. وان ما يستمر في "تأكيد الثوابت" من شأنه ان تتعامل معه مصر الدولة وكأنه تفويت لفرص "متاحة" لكون هذه الثوابت "مرّ عليها الزمن" وان اعلانها بشكل دائم يستدعي ابتسامة رحومة في احسن الاحوال او استهزاء لبق من "الواقعيين" الذين يحيطون بصانعي القرار المصري في مجال تبرير مستلزمات التطبيع القائم. في هذا الموضوع لماذا الاصرار على تناول معالجة القضية الفلسطينية في مصر الحكم، دون اعادة تفعيل تعبئة العديد من الدول العربية التي لها حضور ضاغط، الا ان تهميش اسهاماتها وتغافل دورها يعطي انطباعاً ان التطبيع هو المدخل للمشاركة في قرارات السلطة الفلسطينية في تعاملها مع الجهات الاسرائيلية؟ والانكى من حصر ادارة الصراع – اذا كان من صراع – بآلية المخابرات، ان فلسطين لا تزال مستحوذة على فكر شعوب الأمة بأسرها، وهذا يؤدي الى نوع من الانسحاب للسلطة الفلسطينية القائمة في الضفة، وان تركيزها على بحث القضايا المصيرية تم تسليمها لمن انجز علاقات طبيعية مع اسرائيل يؤول الى تحسينات جزئية في السلوك اليومي على حساب تذرّع في تقزيم فلسطين القضية وحصرها كونها رزمة من المشاكل.

ربما اكون مبالغاً في توجسي من اقتراح نتنياهو وبالتالي زيارة محمود عباس للرئيس مبارك وايفاد وزيري الخارجية والمخابرات المصريين الى واشنطن لكون هذا التحرك، إن حصل فانه سوف يفرز دوامة ما هو حاصل منذ اكثر من ستة عشر عاما - اي منذ اوسلو - كما في استمرارية الانشطار القائم في الحالة الفلسطينية، وكأن اصرار نتنياهو على قمة ثلاثية من شأنه الامعان في ترسيخ كيانين منفصلين يشكلان توجهاً لالغاء فلسطين القضية. وهذا لن يكون رغم ان التصرف بشكله الحالي يجعل هذا العيب التاريخي حائطا عاذلاً وحصارا خانقا مثلما يختبر الشعب الفلسطيني آنياً في عذاباته. والمطلوب هو عودة الى ثقافة المقاومة التي ميّزت تاريخية "فتح" لأن ما وفرته "فتح" من تراث نضالي قد تتمكن من استعادته الى الذاكرة الجماعية، فتستعيد حركة التحرير ذاكرتها وتجددها الاجيال الطالعة التي لم تمسّها تفسيرات زائفة للواقعية.

ولنا عودة الى دفء الوحدة الوطنية الفلسطينية كي يبقى رسوخها في الارض إلهاماً لمقاومة مدروسة ومستدامة ما دام المشروع الصهيوني مصراً على روتنة لاستباحة حقوق شعب فلسطين الوطنية والانسانية.

تعليقات: