النعجة الشاردة


كانت تمشي مطرقة الرأس إلى الأرض ، تحثّ الخطى على إيقاع ألفته منذ أطلت على دنيا النعاج ، كان طنينه يصم آذانها ويشعرها بسخط ونقمة ، متميزة عن قريناتها كانت ، وفي رأسها تجول ألف فكرة وفكرة ، وتحاول أن تهرب من صراع الأفكار المتضاربة فترفع رأسها الى حيث تتوزع نعاج القطيع في سهل معشوشب ، فترسل اليهن نظرات ممزوجات بسخط وحزن وازدراء ، نظرات يكاد الشرر يتطاير منها، ولعلها تخبأ في تلك النظرات سيل من الكلمات الساخطة المتمردة ,، وفي غمرة الموقف الصعب يتشتت الفكر الغاضب ويأخذها من تأملها الثوري اصطدام عفوي بنعجة صديقة في ممر ضيق من الطريق الطويل ، الذي لطالما سلكته ولكنها لم تكن تنظر اليه ، فتفرج شفتاها المرتجفتان اليابستان عن همسة لا تخلو من حب وود ، وتسأل صديقتها هازئة عن وجهة القطيع ..

ـ ما أجمل الطبيعة في هذا الفصل البهيج !

- نعم إنها جميلة جدا

- هل تعرفين أجمل ما في هذه الطبيعة ؟

- أليست كلها جميلة ؟!

- بلى ولكن أجمل ما فيها تلك الطيور الفرحة .. مزدانة بأجنحتها .. فخورة بحريتها !

- حقا انها رائعة !

- لو كانت لي أجنحة لحلّقت بها بعيدا عن سطوة الراعي وكلبه المقيت .. لو كانت لنا أجنحة لأعتقنا أنفسنا من نير المذلة وسوق القطيع .

-أسمع منك كلاما غريبا لكنه جميل ..

- الحرية يا عزيزتي أجمل الغرابات في دنيا العبيد !! .. الحرية شمس تملأ الكون ضياء ، وتمنح الحياة حياة ! الحرية هي الفأس الذي يطلق الطائر من سجنه ويحرر العبد من قيده ! ..

- ولكن كيف السبيل الى الحرية ؟

- الطريق إلى الحرية تبدأ حين تفكرين يوما أن تسيري باتجاه غير ذاك الذي يسلكه القطيع !

- ولكن عصا الراعي لن ترحمنا !

- لطالما تخيفك عصا الراعي فلن تدركي سبيل الحرية ..

وتتابع الصديقتان حديثهما ومسيرهما وقد تأخرتا عن ركب النعاج السائرات الى القدر المحتوم .. وفجأة تتوقف النعجة المتمردة لتعلن أنها اتخذت قرارها وغيرت وجهتها .. فتسألها صديقتها : الى أين ستذهبين ؟

فتجيبها بلسان طلق وعين ترمق الأفق ؟؟

- إلى حيث الحرية !!

فهل عسى تجد النعجة الشاردة ضالتها في عالم تنهشه الذئاب !!...

الشيخ محمد قانصو / كاتب وباحث لبناني

تعليقات: