جبهة الصيد تشتعل و«المطوق» يسقط بالذبحة القلبيّة

  لكثرة الصيادين لا يغنم الواحد منهم الا بعض الطيور
لكثرة الصيادين لا يغنم الواحد منهم الا بعض الطيور


نهضت أم محمد مرتعبة جرّاء سماعها صوت تلاوة آيات قرآنية في منزلها بعيد منتصف الليل. لكنها تنفّست الصعداء، واستوعبت الصدمة حين وجدت ابنها المراهق بشار (13 عاماً) يدعو الله أن يقتنع والده باصطحابه إلى صيد طائر المطوق قرب بحيرة القرعون. فالموسم موسم اصطياد المطوق، وهو طائر لن يجد لكثافة المقبلين على صيده، أي مهبط آمن، على الأقل في سهل البقاع

لم يعهد سهل البقاع الأعداد الكبيرة من الصيادين المنتشرين في طول السهل وعرضه، من القاع شمالاً حتى بحيرة القرعون جنوباً. هكذا، تحوّل السهل في لحظة إلى جبهة حرب واسعة النطاق، وساحة كرّ وفرّ بين ألوف الصيادين وطيور «المطوق» التي كانت، حسب تعبير صياد بقاعي، تسقط بالذبحة القلبية نتيجة عدم قدرتها على الاستراحة من الطيران، جراء كثافة إطلاق نيران أسلحة الصيد المتنوعة. ويقول مسؤول أمني رسمي في البقاع إن جهازه الأمني قدّر عدد الصيادين الذين انتشروا في سهل البقاع يومي السبت والأحد بأكثر من: «خمسة آلاف صياد انتشروا نهاية الأسبوع الماضي في طول سهل البقاع وعرضه، من القاع شمالاً حتى ضفاف بحيرة القرعون جنوباً». يضيف: «لم نشهد سابقاً مثل هذه الهجمة اللبنانية على الصيد خلال السنوات الماضية».

تقديرات المسؤول الأمني عن إعداد الصيادين، الذين انتشروا في سهل البقاع مطاردين «المطوق» في الحقول، يرى فيه أحد تجار بنادق الصيد و«الخرطوش» في البقاع الأوسط: «رقما متدنياً»، كاشفاً أن التقديرات «لم تشمل الصيادين الذين جاؤوا إلى سهل البقاع من الجنوب ومناطق بيروت وجبل لبنان». وقدّر أعداد الصيادين الذين انتشروا في سهل البقاع «بين 7 و10 آلاف صياد». وأوضح الرجل أن زبائنه «كانوا يقفون في الصف لشراء الخرطوش، وعلى مدار 36 ساعة متواصلة، وقد نفد المخزون في مستودعاتنا، والخير لقدّام». ورفض الإفصاح عن أعداد «صناديق الخرطوش» التي باعها، و«لم ننجز بعد إحصاءً دقيقاً لنعرف الكمية التي بيعت، فكل ما أستطيع قوله إن الموسم كان جيداً ومهمّاً»، مشيراً إلى أن الإقبال على الصيد «كان مميزاً». عازياً هذا الإقبال إلى «كثافة طيور المطوق، التي تصل إلى لبنان خلال هذا الشهر. فالصياد يركّز على هذا الطائر، الذي يعدّ صيده سهلاً، وخاصةً مع استخدام أشرطة كاسيت تبث تسجيلات لأصوات المطوق بهدف استدراجه واصطياده». وأوضح أن لجوء بعض الصيادين إلى طرق احتيالية لصيد الطيور «أعمال غير مشروعة، وتخالف أنظمة الصيد البري وأعرافه».

الإقبال الكبير على مطاردة طيور «المطوق» في شهر «المرق» بلغة الصيادين، أي عبور المطوق الأراضي اللبنانية الداخلية خلال تشرين الثاني وحتى أواخر الشهر المقبل، من تركيا مروراً بسوريا ولبنان وصولاً إلى فلسطين، رفع أسعار مبيع الخرطوش وبنادق الصيد بكثرة نسبياً، وحوّل ليل مدينة شتورا إلى نهار، حيث عجزت قوى الأمن الداخلي عن تنظيم حركة السير على مدار الساعة. ويقول الصياد انس الحلاق «إن «علبة» الخرطوش ارتفع سعرها من 4 آلاف ليرة في الأيام العادية إلى 11 ألفاً وبعض التجار باعوا الصندوق الواحد (10 علب) بـ250 ألف ليرة، لأن الإقبال كان كبيراً، وفرصة لرفع الأسعار». وذكر أنه اشترى وحده «3 صناديق، وابن عمّي اشترى 7 صناديق، واصطدنا معاً حوالى 200 مطوّقة». ويعزو أسباب تدني غلته من «المطوق» إلى كثرة الصيادين، و«غيرنا لم يصطد سوى 15 مطوّقة». أما الصياد خليل ميس، الذي نزل إلى السهل لأول مرة منذ سنوات أربع لاصطياد المطوق، و«تجريب البارودة الجديدة من نوع بارتا ـــــ 302 ماغنوم ـــــ سعة مخزنها 4 طلقات» (سعرها نحو ألفي دولار) فقد نجح في اصطياد 55 طائراً مطوّقاً وحده في أقل من ساعتين، و«لكن طارق ابن أخي اصطاد وحده 109 مطوّقات، وجارنا ناظم اصطاد 9 مطوّقات فقط». يضيف ميس إن «أتخن صياد بالبقاع ما جاب إلا 110 مطوّقات»، عازياً الأسباب إلى أن طائر «المطوق» لم يستطع الهبوط والاستراحة، و«يوم الأحد ما في مطوّق بينزل عَ الأرض بالبقاع.. كلو عم يوقع بالسكتة القلبية لانو الصيادين متل الشتي». ويقول الصياد البقاعي عصام ملحم إن آلاف الصيادين حضروا من مختلف المناطق اللبنانية، ولا سيما من جبل لبنان وبيروت والجنوب، موضحاً أن مناطق عبور المطوق تبدأ من سهل الجوسي (داخل الأراضي السورية) حيث يصل مرهقاً من تركيا. ويضيف بلغة الصياد إن المطوق يتابع طيرانه نحو «مجر رأس بعلبك (طريق الهجرة) ثم إلى سهل إيعات ـــــ مجدلون وسهل الحلّانية وصولاً إلى سهل عميق وجب جنين في البقاع الغربي، فالجنوب وفلسطين المحتلة»، لافتاً إلى أن الانتشار الأكبر للصيادين «يكون في رأس بعلبك وإيعات، ومن ثم في البقاعين الأوسط والغربي». ويلفت الصياد أسامة خريبان إلى أن موسم الصيد في سهل البقاع «لا يقتصر على المطوق، بل هناك طيور مهاجرة أخرى تصل إلى السهل، مثل الفرفور، والسمن والبط، وهناك بدع خاصة باصطياد البط، الذي يصل وزن الطائر الواحد منه إلى حوالى 2 كلغ». كاشفاً أن بعض الصيادين غير المحترفين يلجأون إلى طرق ملتوية لاصطياد مختلف أنواع الطيور، وتحديداً البط. ويقول إنه في «شهر المرق يعبر البط بمجموعات صغيرة خلافاً للمطوّق، ويحتال الصيادون على البط من خلال إقدامهم على صناعة برك مياه تمتدّ أحياناً على مساحة 4 دونمات، ويشيدون غرف صغيرة تتسع لأكثر من صياد (بلغة الصيادين تسمّى يقلوم) لا ترتفع كثيراً عن سطح الأرض، ومموّهة بالحشائش والتراب، ولها نوافذ تشرف مباشرة على بركة المياه، حيث تجري عملية اصطياد البط بطريقة احتيالية». داعياً جميع الصيادين إلى «الإقلاع عن هذه الطريقة، والامتناع عن استعمال أشرطة الكاسيت التي تستدرج المطوق». مؤكّداً أن «الصياد المحترف لا يلجأ إلى الطرق الاحتيالية وغش الطيور، ومن يقدم على هذه الأعمال لا نعدّه صياداً محترفاً، بل فاشلاً، وهدفه فقط التباهي والغرور أمام رفاقه بأعداد الطيور التي اصطادها». داعياً الصيادين إلى عدم اصطاب أولادهم في رحلات الصيد. ويقول: «للأسف بعض الصيادين يصطحبون أولادهم معهم، دون الاكتراث لإجراءات الأمان أو الاحتراز، ولا يتحمّلون مسؤولية هذا الأمر». آملاً من قوى الأمن الداخلي توقيف كل صياد يصطحب أولاده معه!

لا للخبز نعم للخرطوش

وصل هوس الصيد بالبعض إلى حرمان أولادهم الخبز لتوفير ثمن الخرطوش. ويقول وسام، الذي يعمل في حدادة السيارات، إن كل ما يجنيه من مهنته يصرفه ثمن خرطوش، والأكثر غرابةً أنه يوزع ما يصطاده على الأصدقاء. ولا يجد أحمد ضاوي حرجاً في تمضية جلّ وقته في الصيد. ويقول: «هناك صيادون يشترون غلّة صياد آخر لادعاء التفوق على رفاقهم»

تعليقات: