الإمبراطورية الإعلامية لرئيس الوزراء الإيطالي تحاول إنقاذه من ورطته السياسية

برلسكوني: أنا مظلوم لأنني أفضل رئيس للوزراء في العالم
برلسكوني: أنا مظلوم لأنني أفضل رئيس للوزراء في العالم


برلسكوني: أنا مظلوم لأنني أفضل رئيس للوزراء في العالم.. وأكثرهم ملاحقة في المحاكم

روما:

بدا سيلفيو برلسكوني، رئيس الوزراء الإيطالي في الأسبوع الماضي وكأنه ملاكم تلقى ضربة قوية على وجهه أصابت عينه اليمنى بالأذى، لكنه ما زال يقاوم بشراسة ويسدد الضربات إلى خصومه ومنتقديه غير عابئ بما يجري حوله في حلبة الملاكمة.

فقد وجهت له المحكمة الدستورية العليا صفعة قاسية حين رفضت مشروع القانون الذي تقدم به وزير العدل أنجلينو ألفانو لحماية برلسكوني من الملاحقة القانونية أثناء ممارسته لصلاحياته السياسية، وقضت بأنه لا يتمتع بالحصانة لكونه رئيسا للوزراء، بل إن القانون يسري عليه كأي مواطن إيطالي، ولذا فإنه يعتبر متهما مدعى عليه لممارسة الرشوة والإفساد. كما حكمت عليه إحدى المحاكم في ميلانو بالتعويض بمبلغ يزيد على مليار دولار إلى غريمه ومنافسه في عالم المال والإعلام كارلو دي بينيديتي عقابا على رشوته أحد القضاة في التسعينات، حين اشترى برلسكوني دار موندادوري للنشر وحكم القاضي لمصلحته.

كان رد فعل برلسكوني الغاضب أنه زعيم لا يمكن تعويضه لأنه منتخب شعبيا ولم تؤثر عليه الاتهامات الكاذبة بفضائحه الجنسية التي وصلت إلى حد الطلاق من زوجته، وأضاف قائلا «إنني أفضل رئيس للوزراء في العالم، ولا أجد سببا للشعور بأنني أقل أهمية من أي زعيم آخر عبر التاريخ». ثم أردف ساخرا «المشكلة أنني تلقيت 2500 استدعاء من المحاكم وضربت الرقم القياسي في هذا المضمار لكنني مظلوم، ومن حسن طالعي أنني عملت بجد في الماضي وكونت ثروة لا بأس بها، لذا استطعت دفع ما يربو على 200 مليون يورو (294 مليون دولار) للمستشارين والمحامين للدفاع عني». وأكد برلسكوني أنه سيبقى في الحكم خمس سنوات حتى موعد الانتخابات النيابية القادمة، لأن أكثر من ثلثي الشعب ما زالوا يحبونه. وفي ندوة تلفزيونية تحدث برلسكوني وكأنه في مخبأ محصن تحت الأرض، وهاجم متهكما إحدى وزيرات اليسار السابقة روزي بيندي المعروفة بأنها عانس مزمنة «إنك أكثر جمالا من كونك أكثر ذكاء» فأجابته قائلة «تقول هذا الكلام لأنني لست تحت تصرفك». برلسكوني رجل عصامي شديد الذكاء والشطارة، بدأ حياته المهنية يافعا كمغن على متن السفن السياحية، ثم انتقل إلى عالم البناء والإنشاءات في ميلانو ومنها إلى الإعلام والاتصال والتلفزيون الخاص، وأصبح دخل شركته القابضة «فيننفيست» في عام 2008، ما يقارب عشرة مليارات دولار.

وتسيطر شركة «فيننفيست» على بضع محطات للتلفزيون الخاص، مثل القناة الخامسة شركة ميدياست (38 في المائة)، وعلى شركة الخدمات المالية ميديولانوم (35 في المائة)، ودار موندادوري للنشر (50 في المائة)، ومسرح مانزوني التاريخي في ميلانو ونادي ميلان لكرة القدم (100 في المائة)، الذي باع أحد لاعبيه المشهورين كاكا مؤخرا بمبلغ 67 مليون يورو (100 مليون دولار)، كما تقدر ثروة برلسكوني الخاصة الآن بمبلغ 6.5 مليار يورو (ما يقرب من 10 مليارات دولار) رغم نقص الموارد الإعلانية هذا العام بسبب الأزمة الاقتصادية، وهذا ما يجعل برلسكوني من أكبر أغنياء العالم وفي لائحة الخمسين الأوائل حسب تصنيف مجلة «فوربس» الأميركية.

ظن خصوم برلسكوني من معسكر اليسار المشرذم أنه سيلجأ إلى الشارع والمظاهرات للدفاع عن نفسه، لكن المظاهر الحالية تشير إلى أن استراتيجيته تركز جهودها على وسائل الإعلام الإيطالية، فهو يسيطر على نحو 70 في المائة منها، ما بين قنواته الخاصة الثلاثة الواسعة الانتشار والتلفزيون الرسمي الإيطالي (راي القناة الأولى والثانية، بينما بقيت القناة الثالثة في يد المعارضة). بدأ الهجوم المعاكس حين هاجم برلسكوني رئيس الجمهورية اليساري جورجيو نابوليتانو متهما إياه بعدم الوقوف في وجه المحكمة الدستورية، وتابعت المعركة صحيفة برلسكوني «ايل جورناله» التي يرأس تحريرها معاونه المقرب الصحافي اليميني المحافظ السليط اللسان فيتوريو فلتري، التي وصفت إصبع رئيس الجمهورية بأنها وراء التشجيع السياسي للمحكمة.

بدورها قامت ابنة برلسكوني الكبرى مارينا، بشن الهجوم على قوى اليسار واصفة إياها بالرياء حيال المرأة، لأنها تصدق ادعاءات «المومسات» في اتهام أبيها، أما فلتري فأطلق مدافعه باتجاه «القضاء المسيس لصالح اليسار» وطالب بإصلاحه، بينما وصفت ماريا ستيلا جلميني وزيرة التعليم الشابة القضاء الإيطالي بأنه يمارس الديكتاتورية.

وتوسعت الحملة الإعلامية في الصحف والتلفزيونات لتتهم المدعي العام في ميلانو بالعمالة للحزب الشيوعي السابق ومحاربة حرية الصحافة، رغم أن برلسكوني يكرر أن فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الروسي من أعز أصدقائه.

أما أحزاب اليسار وصحفه فتتهم برلسكوني بأنه يحاول التشبه بالجنرال فرانكو، حاكم إسبانيا السابق، والجنرال بيرون، حاكم الأرجنتين السابق، وبث الدعايات التي تشجع على الحكم الفردي الاستبدادي.

لم يتمكن اليسار المعارض في إيطاليا من الاستفادة من ورطة برلسكوني، لأنه منقسم على نفسه ولم تخرج منه قيادات جديدة قوية تلم شمله، ويتحدثون الآن عن لويجي برساني، كأحد المرشحين المحتملين لتزعم تجمع اليسار، حيث كان وزيرا سابقا لتنمية النشاط الاقتصادي في حكومة رومانو برودي قبل عودة برلسكوني إلى الحكم.

وإذا ما تم انتخاب لويجي برساني، فسيكون الزعيم الرابع لليسار خلال السنتين المنصرمتين. يقول بيير فرناندو كاسيني رئيس مجلس النواب الأسبق وحليف برلسكوني الذي تخلى عنه بعد أن ضاق ذرعا بتصرفاته وزلاته الكلامية «أتمنى أن يفكر برلسكوني بمشاكل البلد أكثر من اهتمامه بمشاكله الخاصة»، ثم طالبه بالاستقالة والعودة إلى الناخبين في انتخابات مبكرة.

ويتندر الممثلون الفكاهيون في التلفزيون بما قاله برلسكوني مؤخرا عن قلق المشردين بعد الهزة الأرضية التي أصابت مدينة لا كويلا وبقائهم في الخيام رغم اقتراب فصل الشتاء «لا تقلقوا كثيرا فسنعمر لكم البيوت، واستمتعوا الآن بالإقامة تحت الخيام، وكأنكم تقضون إجازة تذكركم بأيام الشباب والكشفية».

تعليقات: