عودة الحرب الأمنيّة بين إسرائيل وحزب اللّه

وحدتا الهندسة في الجيش واليونيفيل تعملان على قياس الحفرة (علي حشيشو ــ رويترز)
وحدتا الهندسة في الجيش واليونيفيل تعملان على قياس الحفرة (علي حشيشو ــ رويترز)


عادت الحرب الأمنية بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وجهاز أمن المقاومة والأجهزة الأمنية اللبنانية الرسمية إلى الواجهة في اليومين الماضيين، من بوابة الانفجارين اللذين وقعا صباح أمس، وفي الليل الذي سبقه، في أحد الأودية الواقعة بين بلدتي حولا وميس الجبل الحدوديتين. «المعركة» الجديدة ظهرت إلى العلن قبل منتصف ليل السبت ـــــ الأحد الفائت، حين دوّى انفجار في منطقة خلة العنق الواقعة في وادي الجمل القريب من بلدتي حولا وميس الجبل، الذي تفصله عن موقع «العبّاد» العسكري الإسرائيلي مسافة لا تزيد على ألفي متر. وبعد استنفار الأجهزة الأمنية اللبنانية وقوات اليونيفيل التي ضربت طوقاً مشدداًَ حول المنطقة، تبيّن أن الانفجار ناجم عن جهاز تجسس إسرائيلي، وأن القوات الإسرائيلية فجرته عن بعد، عقب اكتشاف وجوده من الجانب اللبناني. وقبل وصول الأجهزة الأمنية إلى المنطقة، حلقت طائرات استطلاع الإسرائيلية بكثافة في الأجواء اللبنانية.

ومنذ ساعات صباح أمس الأولى، أجرى الجيش اللبناني مسحاً دقيقاً للمنطقة، فاكتشف وجود جهاز ثانٍ. مجدداً، عادت طائرات استطلاع إسرائيلية إلى سماء المنطقة قبل أن ينفجر الجهاز. وبعد الظهر، استعيد المشهد ذاته للمرة الثالثة. الجيش يكتشف جهازاً ثالثاً، فيقيم طوقاً حوله تمهيداً لتفكيكه أو تفجيره. إلا أن الجهاز لم ينفجر، إذ تمكن خبراء من فوج الهندسة في الجيش من تفكيكه ونقله إلى إحدى الثكن العسكرية لمعرفة محتوياته وطريقة تشغيله. وأكدت مصادر أمنية واسعة الاطلاع أن الجهاز المذكور لم يكن يحتوي على متفجرات، مشيرة إلى أنه عبارة عن أداة للربط بين الجهازين اللذين جرى تفجيرهما.

فكك الجيش الجهاز الثالث وتبيّن أنه أداة للربط بين الجهازين اللذين فجّرهما الإسرائيليون

وتعليقاً على انفجاري وادي حولا، أصدر حزب الله بياناً رأى فيه أنّ اكتشاف الجهاز التجسّسي «الذي كان قد مُدّد بعد حرب تموز 2006» هو «إنجاز نوعي للمقاومة». وذكّر الحزب بـ«أن هذا الفشل الجديد للعدو يأتي بعد فشله في حماية جواسيسه على الأرض الذين كُشف عدد كبير من شبكاتهم في الأشهر القليلة الماضية».

تطور آخر شهدته منطقة الجنوب أمس، تمثل بإطلاق الجيش اللبناني نيران مضاداته الأرضية باتجاه طائرات استطلاع إسرائيلية حلّقت على علوّ منخفض فوق الوادي الذي وقع فيه الانفجاران. وهذا التطور النادر الحدوث، على الأقل منذ آب عام 2006، بحسب مصادر عسكرية مأذون لها، غير مرتبط بتوقيت معين، بقدر ارتباطه بالمدى الناري للأسلحة الموجودة في حوزة الجيش. وبحسب المصادر ذاتها، فإن طائرات إسرائيلية كانت أمس على علو منخفض، بخلاف العادة، ما يعني أن الأسلحة المتوافرة في حوزة الجيش قد تكون مؤثّرة على حركة هذه الطائرات. «ولهذا السبب أطلقت النار عليها، وأجبرت على التراجع». وقد أصدر الجيش بياناً أكد فيه أن البحث لا يزال مستمراً عن أجهزة أخرى، وأن تلك التي انفجرت كانت معدّة «للرصد والإرسال».

وفيما لفت الجيش إلى وجود لجنة مشتركة مع اليونيفيل للتحقيق بالحادثة، استبقت الناطقة باسم القوات الدولية العاملة في الجنوب، ياسمينا بوزيان، صدور نتائج التحقيقات، إذ قالت في تصريح، نقلته الوكالة الوطنية مساء أمس، إن من وضع الأجهزة التي انفجرت في المنطقة هو «الجيش الإسرائيلي على ما يبدو خلال حرب 2006»، من دون أن توضح كيفية تقدير زمان زرع هذه الأجهزة. وقالت بوزيان إن «الانفجارات سببها عبوات ناسفة موضوعة في أجهزة كشف غير مراقبة وموجودة تحت الأرض». وأشارت الناطقة باسم اليونيفيل إلى أن «طائرات إسرائيلية من دون طيار كانت تحوم فوق المنطقة لفترة طويلة من الوقت، في خرق للأجواء اللبنانية، حيث قدمت قيادة اليونيفيل احتجاجاً للجيش الإسرائيلي ودعته إلى وقف هذه الخروق الجوية».

وفي الوسط السياسي اللبناني، صدرت ردود فعل مستنكرة «للخرق الإسرائيلي للسيادة اللبنانية وللقرار الدولي 1701»، أبرزها عن رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة وعضو كتلة التحرير والتنمية قاسم هاشم.

ومن الجانب الإسرائيلي، لم يصدر أي تعليق رسمي، فيما نقل مراسل القناة العاشرة آور هيلر عن مصادر عسكرية قولها إن «الجيش غير معنيّ بالتعليق على ما جرى، متهمة حزب الله بمحاولة تضخيم الأمر بهدف التغطية على حادثة طيرفلسيه» التي وقعت بداية الأسبوع الفائت. لكن المراسل ربط انفجاري حولا بالمعركة الاستخبارية الدائرة بين المقاومة والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، مذكراً باكتشاف الشبكات التجسسية الإسرائيلية في لبنان، خاتماً بالقول: «ما جرى لا يشعرني بالاطمئنان».

يُذكر أن الاستخبارات الإسرائيلية دأبت على زرع أجهزة تقنية متطورة داخل الأراضي اللبنانية، يشمل بعضها كاميرات مراقبة في بعض المناطق التي يرى الإسرائيليون أنها تمثّل نقاطاً ذات أهمية في حركة المقاومة. وغالباً ما تبثّ هذه الأجهزة الصور أو البيانات لاسلكياً. وبعض هذه الأجهزة يرمى من الطائرات بواسطة مناطيد صغيرة، وتكون مهمتها رصد حركة الأفراد والآليات في محيطها. أما بعضها الآخر، فتضطر وحدات خاصة من القوات الإسرائيلية إلى التسلل من أجل زرعه في المكان المقصود، أو يكلّف عملاء بزرعها. ولم تغيّر حرب تموز من أسلوب العمل المذكور. وغالباً ما يكون عدد من هذه الأجهزة مفخخاً، وهو ما يفسّره بعض العارفين بحرص إسرائيل على عدم كشف الأسرار التقنيّة لهذه الأجهزة.

تعليقات: