المبعَدون من الإمارات: ملفّ قضائي إلى المحافل


عليان: هذه القضيّة الإنسانيّة بدأت منذ التسعينيات (بلال جاويش)عليان: هذه القضيّة الإنسانيّة بدأت منذ التسعينيات (بلال جاويش)بدأت قضية المبعَدين اللبنانيين تتخذ منحىً جديداً أمس، مع المؤتمر الصحافي الذي عقدته اللجنة التي ألّفها عدد منهم، لشرح واقعهم. الأمر لا يقتصر على منح المنوي إبعادهم مهلة أيام معدودة لتصفية أعمالهم والخروج من البلاد التي أسهموا في تنميتها. فبحسب رئيس اللجنة، مُنع بعضهم من تحويل أمواله الموجودة هناك. إلا أن البعض كان نصيبه أكبر، إذ تعرض للاعتقال والتعذيب

لم تكد «لجنة المبعَدين من الإمارات العربية المتحدة» تنهي مؤتمرها الصحافي أمس، حتى تلقّى المعنيون بها اتصالاً من السرايا الحكومية، بهدف تحديد موعد للقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة. ومن المنتظر أن يلتقي السنيورة، عند الخامسة والنصف من بعد ظهر اليوم، مواطنيه الذين بدأت دولة الإمارات إبعادهم منذ حزيران الفائت، من دون أي سبب معلن رسمياً. استفاقة السنيورة المتأخرة أعقبت عتب رئيس اللجنة، حسان عليان، على الرؤساء الثلاثة، لأن «أياً منهم لم يحدد لنا موعداً للقائه، رغم أننا طلبنا ذلك». كان عليان يتحدث إلى «الأخبار» بعد انتهاء المؤتمر الصحافي الذي حضره النواب عبد اللطيف الزين وعلي عمار وحكمت ديب، إضافة إلى عدد من المبعدين وأسرهم. لكن الرجل الذي عمل في الإمارات مدة 28 عاماً متواصلة، معظمها في مجال الصحافة، تلقّف خبر اتصال السرايا بالترحاب. إلا أن عتبه الكبير بقي على رئيس الجمهورية. قال عليان: «لقد أوفد الرئيس قائد الحرس الجمهوري العميد وديع الغفري لبحث أمر المبعَدين مع السلطات الإماراتية. وأكد الإماراتيون للغفري أن قرار إبعادنا نهائي. ومنذ ذلك اللقاء، أبعدت السلطات الإماراتية نحو 40 مواطناً لبنانياً إضافياً، من دون أن تحترم مسعى رئيس الجمهورية». ومنبع العتب على الرئيس أنه لم يتخذ أي موقف تجاه عدم الاكتراث الإماراتي بمبادرته.

الحضور النسوي طغى على القاعة التي عقد فيها المؤتمر الصحافي. وبين الحاضرات، بدا التأثير الإماراتي جلياً في زيّ معظم المحجبات منهن. هنّ زوجات لبعض المبعَدين وبنات وشقيقات. نشطت إحداهن في التواصل مع الإعلاميين، مبدية حرصها على توزيع كلمة رئيس اللجنة على الإعلاميين، والتأكد من حصولهم على أسماء المتحدثين في المؤتمر. هي كانت قد عقدت خطوبتها على أحد المغتربين في حزيران الماضي. وعندما عاد إلى الإمارات التي هاجر إليها قبل 12 عاماً، أُبلِغ القرار: ممنوع بقاؤك هنا. صفّى الرجل أعماله على عجل، وعاد إلى لبنان. قال إن كفيله ظلمه ولم يعطه كل حقوقه. «حتى رأس المال الذي كنت قد دفعته في الشركة (تجارة عامة) لم أسترده كاملاً. كذلك فإنني لم أبع سيارتي أو أثاث منزلي الذي كنت قد دفعت بدلاً مسبقاً لإيجاره للأشهر المقبلة». تؤكد خطيبته أن إبعاده من الإمارات أثّر سلباً على خططهما المستقبلية المتعلقة بالزواج، «رغم أننا صرنا أقرب إلى بعضنا»، تقول مبتسمةً على استحياء. فالمبعَد من الإمارات يسعى لبدء عمل جديد في لبنان، «من أول وجديد».

ورغم علانية المناسبة التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة، فإن معظم أقارب المبعَدين فضّلوا عدم الكشف عن هوياتهم، مع أن عدداً منهم أصرّ على التصريح، «لأننا لن نعود، ولا نريد سوى تدخل الدولة اللبنانية لحماية الذين لا يزالون هناك». يقول حسين ترحيني إنه بقي في الإمارات 14 عاماً، ومن دون أي مخالفة قانونية سجلت بحقه، لافتاً إلى أن «ما اقترفته كان مساعدة عدد من اللبنانيين المتعثرين هناك، من خلال تبرعات كان يشارك فيها لبناني يعمل مستشاراً لرئيس الدولة. كنا نساعد لبنانيين من دون أن نسأل عن طائفتهم. لكن الأمن الإماراتي أراد تجنيدي»، يقول الرجل الستيني بغضب. «وعندما رفضت، شتموني ووصفونا بـ«العملاء منذ أيام المغول». أنا عميل؟ عندما ذهبت إلى هناك لم تكن لديهم عملة وطنية. نحن بنينا الدولة معهم». نائب رئيس اللجنة، الطبيب علي فاعور، يظهر شهادة صادرة عن السلطات الطبية الإماراتية، تؤكد أنه، منذ بدئه مزاولة مهنة الطب في عيادته في الشارقة عام 1994، لم يرتكب أي مخالفة قانونية. لكن ذلك لم يشفع له عند من بيدهم القرار.

أما أسباب الكتمان عند البعض الآخر فتعود إلى أن معظم المبعَدين لديهم أقارب لا يزالون في الإمارات، وهم يخشون أن يلقوا المصير ذاته. أحد الشبان قال إن والده أبعد نهاية آب الفائت، رافضاً البحث في تفاصيل ما جرى، لأن شقيقه لا يزال في الإمارات يدير أعمال العائلة هناك. ويقول أحد الحاضرين إن السلطات الإماراتية أبعدته منتصف ثمانينيات القرن الفائت، «إبان الحرب العراقية ـــــ الإيرانية، بالطريقة ذاتها». وحضوره أمس كان بهدف التضامن مع المبعَدين الجدد.

ورغم الكتمان، فإن رئيس اللجنة رفع من سقف الخطاب. أشار عليان إلى أن «هذه القضية الإنسانية بدأت منذ التسعينيات، عندما تعرض لبنانيون مقيمون في الإمارات لضغوط من السلطات الأمنية لتجنيدهم تحت وطأة التهديد بالطرد والترحيل، في حال عدم التعاون. وعام 2005، بعد دخول الإمارات ضمن حلف الاعتدال العربي عادت السلطات تمارس ضغوطاً هائلة على بعض اللبنانيين، وتفاقمت الأمور بعد انتصار المقاومة في حرب تموز 2006». أضاف: «خلال الأشهر الأخيرة، وتحديداً بعد مشاركة بعض اللبنانيين المقيمين في الإمارات في الانتخابات النيابية التي جرت في لبنان، تعرضت عشرات العائلات لدى عودتها إلى الإمارات للضغط والمساءلة والملاحقة من أجهزة الأمن بهدف الابتزاز والتجنيد». وقال عليان إن «عشرات العائلات اللبنانية المقيمة في الإمارات، من لون طائفي واحد، أُبعدت على نحو تعسفي، من دون أي مبرر يذكر. ومن المبعَدين مَن اعتُقلوا بطريقة الخطف، وحُقِّق معهم لأيام عديدة وعُذبوا وهُدِّدوا. كذلك، فإن عدداً من الأشخاص أُبعدوا من المطار من خلال منعهم من دخول الإمارات بعد عودتهم من زيارة أهلهم في لبنان، من دون تمكينهم من تصفية أعمالهم وبيع ممتلكاتهم وتحويل أموالهم من الإمارات إلى لبنان».

وطالب عليان الدولة اللبنانية بالقيام بواجباتها تجاه مواطنيها، «وبالمبادرة إلى معالجة هذه القضية ليعود المبعدون ظلماً إلى أرزاقهم ومصالحهم»، إضافة إلى السعي لتحصيل حقوق المبعَدين الذين لم يتمكنوا من تصفية أعمالهم». وكشف عليان عن توجه المبعَدين وأهاليهم «لتصعيد تحركهم واحتجاجهم السلمي والسياسي والإعلامي». وإضافة إلى ذلك، فإن اللجنة ستبدأ بإعداد «ملف قضائي لرفع دعاوى في المحافل المختصة على كل من سبّب الأذية المادية والمعنوية للمبعَدين من الإمارات». بعد ذلك، رد نائب رئيس اللجنة على أسئلة الإعلاميين، نافياً أن تكون السلطات الإماراتية قد اتخذت قراراتها على خلفيات تتعلق بصلات ما للمبعدين بحزب الله، لافتاً إلى دور رئيس مجلس النواب نبيه بري في متابعة قضية المبعدين. وتحدث المحامي إبراهيم عواضة، مؤكداً «متابعة القضية قانونياً، لأن المبعدين لم يرتكبوا أي عمل مخلّ بالأمن أو القانون، وطُردوا من دون وجه حق». ثم تحدث النائب السابق ناصر قنديل، مشيداً بـ«دور الإمارات ورئيسها الراحل الشيخ زايد وإسهامها في إزالة الألغام في جنوب لبنان»، مطالباً بإعادة النظر بالقرارات المتخذة.

بعد انتهاء المؤتمر، تقدم من أعضاء اللجنة شاب لا يعرفونه. عرّف عن نفسه. له أيضاً قصة إبعاد في الإمارات. قال إن السلطات الإماراتية اعتقلته عام 2006، «من دون أي ذنب. بقيت في السجن الانفرادي مدة 12 يوماً. وبعد ذلك، جرى إبعادي. ويومها، أبلغني أحد العاملين في السفارة اللبنانية في الإمارات أن قرار إبعادي صادر عن وليّ عهد أبو ظبي، محمد بن زايد».

تعليقات: