كلام المجالس المغلَقة عن الأزمة: لا حكومة في المدى المنظور

ابراهيم الأمين
ابراهيم الأمين


ينتقل الرئيس المكلّف سعد الحريري نحو مرحلة جديدة من التفاوض على شكل الحكومة المقبلة ومضمونها. لكن النقاش السياسي المرافق لها داخلياً وإقليمياً لا يوحي بأن الأمور تسير وفق ما هو مقدّر من الذين يطلقون التصريحات المحذّرة من التعطيل. بل إن ما يحصل إلى الآن لا يخرج عن إطار السعي إلى تلطيف الأجواء، كأن لا شيء يحصل من قبل الخارج، رغم أن الفريقين يتبادلان الاتهامات بشأن المسؤول عن الأمر الواقع.

وإذا كان الكلام المباح لا يتضمن سوى الدعوات إلى الهدوء، فإنّ من المفيد عرض وجهات نظر تُحصَر عادةً في المجالس الضيّقة، وهي تشير إلى الخلفية التي تتحكم بمن يتولى الأمر.

القطب البارز في فريق المعارضة، الرئيس نبيه بري، بات على اقتناع بأن هناك طرفاً خارجياً، يحدده بالولايات المتحدة واتجاهات داخل المنظمة العربية القريبة من واشنطن، لا يريد تأليف حكومة وحدة وطنية في لبنان، وهذا الطرف لا يعرف كيف يواجه تسهيلات قدّمتها سوريا والمعارضة خلال الشهرين الماضيين، ويصر في المقابل على إطلاق كل ما يمكن أن يؤدي إلى استفزاز وإلى مشكلة، وهو الأمر الذي تعمل المعارضة على تجنّبه طوال الوقت. ويلفت الرئيس بري في مجالسه إلى تضارب وتناقض محيّر في تصرفات ومواقف جهات محلية أو خارجية معنية بما يقوم به فريق 14 آذار. وهو أمر ليس له سوى تفسير واحد، هو أنه ليس مطلوباً الآن تأليف حكومة وفاقية في لبنان.

النائب وليد جنبلاط عبّر أخيراً عن هواجس أمام عدد من زواره، بينهم وفد فلسطيني، فقال: «إن بعض القادة الموارنة في لبنان، عندما يتبنّون مشروعاً سياسياً ما، يذهبون به إلى الآخر، حتى لو كان ذلك يؤدّي بهم إلى الانتحار. إن سمير جعجع وأمين الجميّل أبرز مَن يمثّل هذه الحالة، وأنا لا أُريد أن أنتحر مثلهم، لكن الخوف من وجودهم حول النائب سعد الحريري وتطويقهم له، يزيد الخشية من أن يدفعوا به لتبنّي مشروعهم السياسي، وهذا يؤدي إلى بروز «انعزالية» سُنّية ستكون لها نتائج وانعكاسات على لبنان أخطر من نتائج الانعزالية المارونية وانعكاساتها. لذلك، فإن وجودي إلى جانب الحريري ضروري حتى لا يدفعوا به بهذا الاتجاه».

ولاحظ جنبلاط أن «المحافظين الجدد لا يزالون ممسكين بالمفاصل الرئيسية في الإدارة الأميركية، وأن مشروعهم لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بعد تفتيتها، ومن ثم توزيعها وتقسيمها دولاً جديدة حسب الانتماء الإتني والديني لشعوبها، لا يزال حاضراً وقائماً، وهو مشروع يهدف بالدرجة الأولى إلى إراحة إسرائيل وتبرير وتسهيل قيامها دولةً يهودية، مع ما يعنيه ذلك من إبعاد لعرب الـ48 عن أراضيهم، وأن هؤلاء راجعوا حساباتهم وقرروا العمل على لبنان، وأن إعادة جعله مختبراً لمشروعهم، هو الآن محور نقاش واسع في الدوائر الأميركية، وهذا ما يؤرقني ويجعلني قلقاً ممّا يُعَدّ للبلد والمنطقة».

ويشرح جنبلاط قائلاً: «سمعت أن المصريين يريدون فؤاد السنيورة، واتصلت بهم وقالوا إنهم على العكس يدعمون الحريري، وفي السعودية قالوا إنهم يريدون حكومة وحدة وطنية وهم يشجعون الحريري على القيام بهذا الأمر، لكن في واشنطن من لا يريد أي شيء من هذا، والفريق الأميركي يتعاون مع جهات عربية ولبنانية لمنع قيام الحكومة من خلال منع التوافق السوري ـــــ السعودي الذي يحتاج إليه لبنان في هذه المرحلة».

جنبلاط يتّهم الأميركيين بأنهم يريدون في لبنان تعويض فشلهم في العراق

العماد ميشال عون يلفت إلى أن ما يحصل يفسّر ببساطة أن المطلوب حكومة توافق على جدول أعمال لم يمرّ خلال السنوات الماضية، «جربوا حرب تموز وجربوا حكومة الاستئثار وجربوا إهمال الآخرين وجربوا الانتخابات النيابية وجربوا أشياء كثيرة ولم ينجح مشروعهم في فرض التوطين وتحويل لبنان إلى شركة، واليوم يريدون أن يؤلفوا حكومة على طريقتهم، لا تواجه الفساد ولا تحاسب أحداً على الأخطاء ولا تسأل عن مستقبل الدَّين العام ومؤسسات القطاع المنتجة، وعينهم على وزارة الاتصالات لأنهم لا يريدون إصلاح أي مرفق، ويريدون أخذ المسيحيين إلى موقع الانتحار، وهم يفعلون كل ذلك. ولأننا لن نوافق على ذلك، فهم يراهنون من جديد على تطور خارجي لعلّه يفيدهم في تحقيق أهدافهم، لذلك لا يريدون تأليف حكومة توفّر مشاركة حقيقية لجميع القوى الفاعلة في لبنان».

النائب سعد الحريري يرى أن «هناك مَن يريد أن يفرض عليه برنامج عمل بهدف نزع صلاحياته، وإعادة الأمور إلى واقع ما قبل خروج الجيش السوري من لبنان، ويريدون محو نتائج الانتخابات، ويريدون فرض مناخات 7 أيار، ويريدون حكومة من اختيارهم وأن أتولى أنا رئاستها من دون تدخل في تأليفها. وهم يستهدفون موقع رئاسة الحكومة، ويريدون مني وقف عمل المحكمة الدولية، ويريدون لي أن أتنازل سياسياً وشخصياً لسوريا، وأن أقبل بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه سابقاً، وميشال عون يريد الانقلاب على الطائف والعودة إلى صيغة الحكم التي كانت قائمة سابقاً، وحزب الله لا يريد للدولة أن تسير على نحو طبيعي، وإيران وسوريا تريدان السيطرة على لبنان من خلال فرض آلية تأليف الحكومة وتوزيع الحقائب واختيار الوزراء، كأن رئيس الحكومة مجرد شرابة خرج».

الكل يتحدث عن أسباب خارجية، والكل يرمي على الكل مسؤولية التعطيل، لكن الخبر الصحيح هو أن لبنان لا ينتظر قريباً جداً قيام حكومة جديدة.

تعليقات: