بعلبك: مدينة الشمس تنام على أمجاد تاريخها ولا سياحة فعلية توقظها

  جانب من المسجد الاموي في بعلبك
جانب من المسجد الاموي في بعلبك


حصتها من الدليل الرسمي لا تتجاوز الخمسة سنتمترات مربعة..

بعلبك:

تتصدر عبارة «مدينة التاريخ والثقافة والحضارة» اللافتات التي ترحب بزائر بعلبك تعبيرا عن عظمة المدينة وأهميتها. ورغم كل ما يعرف عن مدينة الشمس التي تغطي أخبارها والمعلومات عنها مساحات كبيرة من المعاجم العالمية والكتب السياحية، إلا أنها غائبة عن برامج لبنان الدولة منذ قيامها.

يأتي ذكر بعلبك، التي تحوي أهم الآثار الرومانية، خجولاً في الدليل الرسمي الصادر عن وزارة السياحة الذي يوزع على السائحين بمساحة لا تتجاوز خمسة سنتمرات مربعة في أسفل صفحاته .

تعود بعلبك بتاريخها إلى أكثر من خمسة آلاف سنة قيل الميلاد. عايشت المدينة حضارات عدة من الأشورية واليونانية إلى البيزنطية والرومانية وصولا إلى الإسلامية والعربية بكل تنوعاتها.

أطلق عليها مدينة المعابد لتنوع الديانات التي مرت ولحجم المراكز الدينية التي بنيت داخل أسوارها. ومن المعابد الكبرى التاريخية معبد جوبتير «المشتري» ، باخوس «إله الخمرة»، المعبد الدائري، معبد فينوس «الزهرة» وعطارد، إضافة إلى مراكز دينية إسلامية تاريخية مثل المسجد الأموي - جامع رأس العين «رأس الإمام الحسين» ، قبة السعيدين، قبة دورس وقبة الشيخ عبد الله.

وتضم جنبات بعلبك اكبر حجر تاريخي «حجر الحبلى عند مدخلها الجنوبي واكبر مغارة سكنها الإنسان في الشرق» مغر الطحين، بالإضافة إلى وجود المقالع الرومانية في تل الكيال ووادي الشعب ومنحدر تل الشيخ عبد الله. فإلى جانب المعابد الرومانية تضم المدينة مركزا دينيا مهما هو «مقام السيدة خولة بنت الحسين» الذي يزوره عشرات الآلاف من شيعة العالم، ومرجة رأس العين ذات المناخ البيئي الهام.

تقع بعلبك في المنطقة الوسط بين بيروت وطرابلس والشام وحمص، وعلى المرتفع الأعلى في البقاع إذ يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر 1150 مترا ثم تعود مناطق البقاع الشمالي إلى الانحدار نحو الهرمل.

تتميز مدينة بعلبك بفرادة طقسها الجاف الموصوف لمرضى الربو والمطل على ثلوج جبل المكمل التي لا تذوب طيلة أيام السنة.

بعلبك بكل مواصفاتها التاريخية والثقافية والحضارية، لم تشفع لها لدى المسؤولين اللبنانيين المتعاقبين على حكم البلد لتحويلها إلى مركز سياحي، يقول عنه الزوار الأجانب انه لو أتيح استثماره جديا لدر على لبنان ثروة أهم من كل منابع النفط. عدم مبالاة السلطات المتعاقبة دفعت بالمشرفين على تسمية عجائب الدنيا السبع إلى شطب المدينة من القاموس العالمي.

واقع الحال يختلف عما يجب أن يكون في مدينة الشمس. تغيب البرامج الإنمائية الفعلية السياحية منها أو الخدماتية عن المدينة والمنطقة، حتى انه يجري تشويه «الفتات» الذي يخصص لها بمشاريع يغلب عليها الطابع النفعي لبعض المحظوظين على حساب المنطقة وأهلها.

ما يتم الحديث عنه عن مواسم سياحية تنعم بها بعض المناطق اللبنانية لا علاقة لبعلبك بها باستثناء ما يمكن تسميته بالسياحة الداخلية أي انتقال بعض أهالي المنطقة صيفا من بيروت إليها، وبعض الزوار الأجانب الذين يستغلون الاستقرار الأمني للتمتع بمشاهدة أعظم هياكل ومعابد العالم.

وزار قلعة بعلبك خلال الأشهر الثلاثة الماضية 38 الفا و299 سائحاً عربياً وأجنبيا، ظلت نسبة الاستفادة منهم بعلبكيا محدودة جدا، إذ يغادر السائح المدينة بعد ساعتين من دخولها ليعود من حيث أتى، إلى بيروت أو دمشق.

الحديث عن أزمة السياحة لا تتحمل مسؤولياته الأجهزة الرسمية فقط وان كانت المعنية الأولى. تجدر الإشارة إلى أن مكتب وزارة السياحة في قلعة بعلبك أشبه بغرفة مهجورة.. حتى هاتفه لا يرن.

هناك أيضا غياب الثقافة السياحية لدى أهالي المنطقة ما يؤثر سلبا على كيفية التعاطي مع السائح من جهة، والنقص في البنى التحتية السياحية التي تساهم في جذب الاستثمارات في القطاع، بالإضافة إلى عدم مبالاة القوى السياسية المسيطرة إيلاء الأمر أهمية استثنائية ضمن برامجها.

رغم السنوات الإحدى عشرة التي نظمت فيها نقابة أصحاب المؤسسات والمحال التجارية في البقاع مهرجانها السنوي للسياحة والتسوق، بغية إجراء تحول في الشأن السياحي، لا يزال الوضع على ما هو عليه. ربما تستدعي الحال وضع خطة طوارئ إنقاذية يشارك فيها المجتمع المحلي من بلديات وجمعيات وأندية وقوى سياسية وفعاليات اقتصادية وثقافية إضافة إلى الوزارات المعنية من سياحة وثقافة وأشغال وطاقة وبيئة.

بلدية بعلبك

يتوقف رئيس بلدية بعلبك بسام رعد عند واقع البلدية المادي وصعوبة تنفيذ مشاريع استثمارات سياحية، خصوصا في ظل عدم الإجازة للبلدية باستيفاء رسوم عن المهرجانات والدعايات والأفلام الدعائية التي تقام وتصور داخل القلعة، والممنوحة تراخيصها من وزارتي السياحة والثقافة دون علم البلدية أو العودة إليها.

ويضيف رعد أن مدينة بعلبك عملاقة بإرثها الحضاري ذي الصيت العالمي لم تؤهل كمدينة سياحية، كي يعيش أهلها من الصناعة السياحية، التي يمكن أن تشكل احد أهم المداخيل الوطنية للبنان. فمداخل بعلبك وطرقاتها الرئيسية غير مؤهلة سياحيا، خاصة وسطها ومنطقة رأس العين. ويرى رعد أن الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي لا يعطل السياحة فقط بل يؤثر على مجمل الحياة العامة للمواطنين، إذ يتعدى حجم التقنين اليومي 12 ساعة من أصل 24.

ويعتبر رعد انه رغم وجود مهرجانات دولية في المدينة منذ أكثر من خمسين عاما، إلا أن بعلبك لم تستفد منها إلا عبر ورود اسمها على لوحات الإعلان عن المهرجانات، مع العلم بأن سحر القلعة وهياكلها يرفع من قيمة الفرق الفنية العالمية.

ويرى رعد أن المدينة وعدت نفسها بمشروع الإرث الثقافي لتحسين المحيط الأثري والأحياء التراثية، «لكن ما تم تنفيذه حتى الآن لا يبشر بالخير، لأنه لم يأخذ مصالح الناس بعين الاعتبار، بل حاول بعض المشرفين على المشروع مراعاة الحجر على حساب البشر».

ويشير رعد بنبرة المستغرب إلى «أن القسم المخصص من المشروع لترميم المعابد والمخصص له خمسة ملايين دولار لم يتم البدء به بعد، كما أن إنشاء حي تراثي سياحي مقابل القلعة، وهو عبارة عن ترميم عشرين منزلاً ترابياً توقف العمل به بعد أن نفذ خمسة منازل فقط، رغم استعداد البلدية لتسهيل كل متطلبات التنفيذ».

ويسأل رعد كيف يمكن تصنيف بعلبك مدينة سياحية وهي محرومة من استراحة سياحية طالت وعود تنفيذها أكثر من ثلاثين عاماً، حيث يصعب استقبال زائر رسمي داخل القلعة مع انعدام وجود حتى مقعد واحد للجلوس.

ويقترح رعد خطة سياحية من عشرة بنود تعتمد على إدراج بعلبك على لائحة مدن الاصطياف والسياحة، تأمين تغذية المدينة بالتيار الكهربائي 24 على 24 ساعة خلال فترة الصيف، وتأهيل وتعبيد الطرقات الرئيسية والبنى التحتية لوصل المدينة بالقلعة، وإدخال مادة تعلم السياحة ضمن البرامج التربوية لخلق ثقافة سياحية عند الأهالي، وإعداد وتدريب أدلاء سياحيين، وتسهيل إعطاء رخص للاستثمارات السياحية من فنادق ومطاعم، وإنشاء جهاز شرطة سياحية في محيط القلعة ورأس العين لحماية السائح ومنع الاعتداء عليه، وإنشاء مدرسة فندقية سياحية في المدينة، وإعادة تأهيل المواقع الأثرية وتسهيل الوصول إليها، بالإضافة إلى تنظيف مكب الكيال ومغر الطحين وتحويلهما إلى مرفقين سياحيين.

مهرجان التسوق والسياحة

يسجل الحاج عامر الحاج حسن، مدير مهرجان التسوق والسياحة في البقاع اعتراضه على خطط السير المفروضة على بعلبك التي تمنع إدخال السائح إلى أسواق المدينة. كان من المفترض إلزام الحافلات السياحية بإنزال الركاب في منطقة رأس العين لينطلقوا سيرا على الأقدام باتجاه القلعة حيث من شأن ذلك تأمين التواصل بين السائح وسوق المدينة. ويؤكد الحاج حسن على التقصير الإعلامي رغم كل محاولات نقابة أصحاب المحال والمؤسسات التجارية منذ 11 عاما. ويعلن أن أهل المنطقة أصيبوا بمرض الاتكالية لتخليهم عن لعب دورهم المفترض في تشجيع السياحة ، لا بل ذهبوا في بعض الأحيان إلى إهانة السائح وفرض الخوة عليه أحياناً وغشه أحيانا أخرى.

وعن نتائج مهرجان التسوق والسياحة اعتبر الحاج حسن أن قيام المهرجان سنويا يفرض مناخا من الاستقرار لدى الأفراد والمؤسسات، حتى بلغ زوار معرضي التجارة والزراعة للعام الحالي حوالى مئة ألف مواطن. كما تم انجاز دليل سياحي موثق عن الأماكن السياحية والأثرية والدينية في بعلبك حيث نشر أكثر من خمسة آلاف نسخة مجانا منه على معظم المواقع السياحية في لبنان وداخل مطار بيروت.

أقدم منتزه في بعلبك

يعتبر المهندس حماد ياغي، صاحب أقدم منتزه في رأس العين، أن أهم عوامل نجاح السياحة يتمثل بوجود بنى تحتية لها مثل تأمين الاستقرار الأمني والكهرباء والطرقات والنظافة والخرائط التوجيهية، إضافة إلى تشجيع وزارة السياحة للاستثمار في صناعة السياحة. ويرى ياغي مشكلة أخرى تتمثل ببعض المظاهر الدينية من طرف واحد، التي من المفترض أن يختصر وجودها في أماكن بعيدة عن حركة الزائر حتى لا تثير حفيظته، خصوصا في مداخل بعلبك ومحيط رأس العين، وذلك من اجل توفير الأمن النفسي والحرية الشخصية التي يصعب توفرها نتيجة للرهبة التاريخية لمنطقة بعلبك، إلا عبر تقديم كل وسائل الراحة، وهذا يتطلب مواجهة الفوضى المنظمة. ويضيف ياغي أن المدينة لم تعرف في الموسم الحالي أي كوفية ولو واحدة من بلاد الخليج، كما أن الزائر الأجنبي قلما يدخل إلى المدينة. ويدون ياغي ملاحظة على بعض التصرفات الحزبية التي تقفل طرقات رأس العين أيام الآحاد تحت ذريعة الأمن الشخصي لبعض القيادات، ما يشكل عاملا إضافيا لتدهور الموسم الاصطيافي. ويرى أن ما تمكن تسميته سياحة في بعلبك يحصر بطابعها المذهبي والداخلي الذي يشكل أكثر من 85 في المئة من حركة السوق.

قلعة بعلبك ومقام السيدة خولة في بعلبك
قلعة بعلبك ومقام السيدة خولة في بعلبك


تعليقات: