متّهمون بالتجسس يدّعون العمل مع المقاومة وأجهزة صديقة

جهاز اتصال بالإسرائيليين مخبأ في مسجلة
جهاز اتصال بالإسرائيليين مخبأ في مسجلة


ضابط من فرع المعلومات يعرض جهاز اتصال بالإسرائيليين مخبأ في مسجلة (أرشيف ـــ هيثم الموسوي)تراجعت وتيرة توقيف المشتبه في تعاملهم مع الاستخبارات الإسرائيلية. بعض السياسيين والمراقبين يتشككون، رابطين فتح الملف بغايات سياسية عند بعض الأجهزة. أما الأخيرة فتربط الأمر بالواقع الميداني. وفي المحكمة، يتراجع متهمون عن اعترافاتهم مدّعين «العمل الوطني»

خفتت الحملة الأمنية اللبنانية على شبكات التجسس الإسرائيلية، والتي بدأت بكثافة منذ الحادي عشر من نيسان الفائت، عندما أوقف فرع المعلومات العميد المتقاعد من الأمن العام أديب العلم بشبهة التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية. وقد ترك خفوت هذه الحملة مجموعة من الأسئلة بلا أجوبة، يتعلق أبرزها بمحاولة تحديد سبب ارتفاع وتيرة مكافحة التجسس الإسرائيلي قبل الانتخابات النيابية وانخفاضها بعد ذلك؟ ولماذا تهاوت الشبكات الإسرائيلية على أيدي فرع المعلومات قبل الانتخابات، ثم عادت الحرارة الأمنية في هذا المجال إلى حدود الصفر؟ وهل يخشى بعض الأجهزة توقيف مشتبهٍ فيهم في هذه الأيام، لأن انشغال أهل السياسة والإعلام بالمفاوضات الدائرة حول تأليف الحكومة سيؤدي إلى ضياع المردود الإعلامي للتوقيف؟

يؤكد بعض العارفين أن جهاز أمن المقاومة مستمر بتنفيذ برنامج «صامت» هو استكمال للعمل التراكمي الذي مارسته المقاومة في موازاة عملها العسكري منذ انطلاقها. أما في مديرية استخبارات الجيش، فيؤكد معنيون أن ملفات عدد من المشتبه فيهم «باتت جاهزة»، وبعضها الآخر في طور وضع اللمسات الأخيرة عليه. إلا أن هؤلاء يشيرون إلى أن بعض الأولويات فرضت نفسها على الأجهزة الأمنية الرسمية، منها الانتخابات النيابية وما تلاها من توتر أمني في بعض المناطق، فضلاً عن تركيز جزء من الجهد الاستخباري على رصد تحركات أصوليين، في ظل قلة الإمكانيات البشرية والمادية والتقنية الموضوعة في تصرّف المديرية.

أما فرع المعلومات التابع لقوى الأمن الداخلي، فيناله النصيب الأكبر من الاتهامات السياسية المتعلقة بـ«فتح ملف شبكات التجسس قبل الانتخابات، عندما كانت قيادة الفرع تخشى فوز الأقلية النيابية في الانتخابات، وبالتالي إبدالها بقيادة جديدة». وبحسب بعض الأوساط، فإن فرع المعلومات «تمكن من تحديد خيط تقني مكّنه من توقيف أكثر من 15 مشتبهاً فيه. وترى هذه الأوساط أن الفرع بحاجة إلى جهد كبير وطويل قبل التوصل إلى تحديد «خيط» جديد يمكّنه من إحداث اختراق جدّي.

وفي فرع المعلومات، يردّ معنيون بالقول إن حملة الفرع على شبكات التجسس لم تتوقف يوماً، «إلا أن الواقع الأمني يفرض نفسه. وكلما أنهينا ملفاً، نطلب موافقة القضاء على توقيف المشتبه فيه وننفذ ذلك مباشرة». ولا ينفي مسؤولون رفيعون في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أن يكون عدد كبير من العملاء الذين تابعهم فرع المعلومات تقنياً، خلال الشهرين الماضيين، قد فرّ إلى خارج الأراضي اللبنانية، فضلاً عن توقّف عدد آخر عن استخدام الجهاز الخلوي الذي كان يستخدمه عادة للتواصل مع مشغّليه الإسرائيليين. ويعد مسؤولون في المديرية بأن «المعلومات» سيستكمل ما بدأه، وهو «دخل مجالاً أمنياً كان حكراً في السابق على غيره، وهو لن يخرج منه بعد اليوم».

في السياق ذاته، بات في المحكمة العسكرية أكثر من 50 موقوفاً مدّعى عليهم بجرم التجسس. ولفتت خلال الأسابيع الماضة «الحملة المضادة» التي قام بها عدد من الموقوفين والمتهمين لمحاولة إثبات براءتهم، عبر ادّعاء أنهم كانوا يعملون لحساب جهاز أمن المقاومة حيناً، وبالتنسيق مع أجهزة أمنية رسمية حيناً آخر، أو أنهم كانوا يعملون مع جهاز أمني أوروبي لا لحساب الإسرائيليين. المتهم علي الجراح، الذي كان قد اعترف خلال التحقيق معه لدى استخبارات الجيش وأمام قاضي التحقيق بأنه تعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية منذ عام 1983، طلب من المحكمة العسكرية تحويل محاكمته من علنية إلى سرية، لأنه يشعر «بخطر على حياته وعلى أفراد عائلته». أما مصدر الخطر، فهو «إسرائيل وسوريا وحزب الله وشبكات التجسس». وقبل إعلان أن الجلسة باتت سرية، قسّم الجراح عمله مع الاستخبارات الإسرائيلية إلى مرحلتين: في الأولى، ادّعى أن عمله معها منذ عام 1983 كان بعلم المسؤول الفلسطيني الراحل خليل الوزير (أبو جهاد). أما الفترة الثانية، فبدأت منذ عام 2001، «حين أصبحت بعلم حزب الله». ولمّح الجراح إلى أن المقاومة اعتقلته لأنه رفض «تنفيذ عملية انتحارية في السفارة الإسرائيلية في روما». كانت النتيجة أن قبلت المحكمة تحويل جلسات محاكمته إلى سرية. وأكدت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الأخبار» أن ما قاله الجراح خلال الجلسة السرية لم يقنع المحكمة بصحة روايته المستجدة، مرجّحة أن تعود إلى العلن جلسات المحاكمة المقبلة (في تشرين الأول المقبل).

وكان أحد المتهمين، فيصل مقلّد، الموقوف منذ تموز 2006، قد تراجع أمام المحكمة العسكرية عن اعترافاته السابقة بالتعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية وتزويدها بمعلومات عن المقاومة ومراكزها وعدد من قادتها. وادّعى مقلّد أنه كان يعمل لحساب مكتب مكافحة الإرهاب الإيطالي، إلا أنه لم يتمكن من مواجهة الأدلة المقدّمة ضده، فحُكم عليه، في بداية الشهر الجاري، بالسجن المؤبد. وفضلاً عن الجرّاح ومقلّد، ادّعى موقوف لدى فرع المعلومات أنه عمل مع الإسرائيليين لحساب جهاز أمن المقاومة («الأخبار» 25 تموز 2009).

ولفتت مصادر معنية إلى أن ما يقوم به عدد من المتهمين بالتعامل في المحكمة هو «أمر متوقع يحاولون من خلاله درء التهمة عنهم. إلا أن ذلك لن ينفع». فبحسب هذه المصادر، ضبطت الأجهزة الأمنية في حوزة معظم الموقوفين أدلة تثبت تورطهم في التعامل مع الإسرائيليين، فضلاً عن «اعترافهم الواضح أمام قضاة التحقيق بالعمل لحساب العدو».

زياد الحمصي ورأفت الهجان

من داخل زنزانته في سجن رومية، أرسل المدّعى عليه بجرم التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية، زياد الحمصي، عشرات الرسائل المكتوبة بخط يده إلى عدد من معارفه وأصدقائه، يضع فيها تواصله مع الإسرائيليين في خانة العمل الوطني. وتناقل عدد من معارف الحمصي وأقاربه خبراً مفاده أنه بعث بـ3 رسائل مكتوبة إلى سياسيين، أحدهم مرجع رسمي وآخر نائب وثالث يحتل منصباً إدارياً. ولفت بعض الأمنيين إلى أن الحمصي يحاول تأليف قوة ضغط تعمل لمصلحته.

وحصلت «الأخبار» على نسخة من رسالة بعث بها الحمصي إلى أحد أصدقائه، نورد نصها:

عزيزي الأستاذ (...) المحترم

تحية وبعد،

عسى ألا يكون الإعلام التشهيري الحاقد قد أخذك بعيداً. لكن لثقتي بعقلك ورجاحته، فقد أردت الكتابة إليك، وكنت أنوي أن أكتب إليك قبلاً، ثقة مني بأن الأمور ستمضي بسرعة نحو الحقيقة، فتلكأت بمراسلتك. ليس المهم هذا السجن الذي أقبع فيه هو المشكلة، بل المشكلة هي هذه التهمة التي لا تحملها الجبال. ولقد ذهب الإعلام التشهيري والحاقد بعيداً، وكان وحده في هذه الساحة يصول ويجول ولا من يفند ولا من يرد. لقد اتهمني الإعلام وأدانني وحكم عليّ في خبر واحد.

في الماضي البعيد، ألم يكن الإعلام والإشاعة سبباً من أسباب تقويض سلطة وإدارة سيدنا عثمان بن عفان للحكم والخلافة ثم كانت سبباً من أسباب مقتله شهيداً مظلوماً وهو الشخصية الكريمة والرائعة والطيبة في صدر الإسلام. في الحاضر القريب، ألم يكن الإعلام التشهيري الحاقد سبباً من أسباب التشكيك بسلطة وإدارة الرئيس رفيق الحريري للحكم والسلطة، (و) سبباً ومقدمات لاغتياله شهيداً على قارعة الطريق، وهي الشخصية الكريمة التي أنارت لعشرات الآلاف طريق العلم والمعرفة.

كيف لإنسان عادي مثلي أن يصمد في وجه إعلام القرن الـ21: الفضائيات والإنترنت والصحف المأجورة؟ الفارق عظيم بين شخصيات الرواية والفارق الأعظم بين إعلام الماضي وإعلام الحاضر.

ما يمكن أن أكتب لك لأسباب أمنية وقانونية أنني عندما اكتشفت هوية محدّثي في إحدى الزيارات لجنوب شرق آسيا، حيث أطلعني على عنوان معروف ومتداول على الإنترنت حول وجود رفاة جنود صهاينة من بقايا معركة بيادر العدس 1982، اتصلت فوراً بجهة أمنية رسمية لبنانية ذات اختصاص، حيث قدمت لهم مذكرة بالموضوع وبهوية المعنيين. ومن خلال أحد الضباط صلة الوصل تابعت المهمة وكنت أعمل بتوجهات وتعليمات هذه الجهة الرسمية من خلال الضابط (أورد الحمصي إشارة إلى اسم الضابط)، وكنت أضعه في تفاصيل المسألة. وكنت أزور منطقة (بيادر العدس) على هذا الأساس في مهمتين. المهمة الأولى موضوع الكتاب الذي كنت بصدد إعداده والمهمة (الثانية) المنسقة مع الجهة الرسمية المذكورة. لقد كنت واضعاً نصب عيني الحصول على وسام من الدولة اللبنانية وأضع بين يديها مادة مهمة تفاوض عليها، في حال توصلنا لنتيجة، وكانت صورة رأفت الهجان ماثلة أمام عينيّ، لكنني اكتشفت متأخراً أن صلاح نصر قد غادر الدنيا، فاكتشفت نفسي أسير السجن وأسير تهمة عظيمة تطبق على أنفاسي غير قادر على تصورها.

وبانتظار اكتشاف الحقيقة واضحة، للعدالة والقضاء وشهادة المعنيين بأمانة وشرف وصدق، لا سيما من هم معنيون بالأمر، ستأخذ بإذن الله العدالة مجراها، إلا إذا كانت هناك أمور أخرى أجهلها، والله أعلم.

ثق أنني لم أنحرف شعرة واحدة عن وطنيتي وعروبتي. فتاريخي وسمعتي وكرامتي وكرامة كل الذين يعرفوني لا تسمح لي أن أحيد شعرة عن وطنيتي ومناقبيتي.

إن الله مع الصابرين.

سلامي لكل من تعرفه ويريد فهم الحقيقة.

أخوكم زياد الحمصي

تعليقات: