نور التجلّي فاض على قمة جبل الشيخ ومئات صلّوا قبل بزوغ الفجر

 الصعود الى جبل الشيخ
الصعود الى جبل الشيخ


تحت جنح الليل، تسلل عشرات الى القمة. مئة دقيقة واكثر، استغرقت الرحلة صعودا صعودا، في مسالك صخرية وعرة، لا شيء يسابقهم سوى الفجر المتلطي هناك، في البعيد. جبل الشيخ كان جبل صلاة، جبل المؤمنين المنطلقين الى لقاء الله، في جبله، الى احياء تجلي يسوع المسيح عليه... قبل اكثر من الفين عام.

وقبل الشروق بقليل، تعالت مناجاة القلوب الى ربّ السّموات، من اعلى قمة للجبل، على 2814 مترا، علّه يسمع، علّه يلبي الصلاة، وينحني قليلا من عليائه. وانضمت الى المؤمنين المتلهفين للقاء الشمس باشراقة مدهشة، رائعة، من بلاد فوق بلاد الشام. وتلذذت العيون بالمشهد حتى النهاية. "الله معنا، واشرق نوره علينا... كما في ليلة التجلي".

على الموعد، كان المئات عند اسفل القمة نحو الرابعة بعد الظهر، يتهيأون للمضي الى العيد، في تقليد سنوي تبنته بلدية راشيا الوادي، بالتنسيق مع مطرانية صيدا وصور وتوابعهما للروم الارثوذكس من مطلع عام 2000، وبتسهيل من الجيش اللبناني. وتقدم المؤمنين متروبوليت صيدا وصور للروم الارثوذكس المطران الياس كفوري، ورئيس بلدية راشيا الوادي الشيخ زياد شبلي العريان، والآباء: ادوار شحاده، غريغوريوس سلوم، ديميتري سليلاتي، بولس حداد، وفخري مراد، والمشرف على الرحلة كمال الساحلي.

وانفتحت دروب وعرة، قاسية، صخرية، مغبرة، امام القادمين من اسفل الجبل. ولم يكن شيء يدفع بهم الى مواصلة الطريق سوى رغبتهم في المشاركة في عيش "لحظات التجلي" على القمة. حتى السيارات الرباعية الدفع واجهت صعوبات في التقدم. وكانت المحطة الأولى على ارتفاع 2200 متر.

خطوة وراء خطوة، والعزم يشده عزم اكبر، حتى وطئت الاقدام اخيرا الجزء العالي من الجبل، على ارتفاع 2200 متر. الناس هناك تجاوزوا الالف. وكانوا يزرعون المكان حياة، كأن فرحا الهيا سريا سكن الوجوه والابتسامات والقلوب. وتوزعوا في الخيم التي امنتها بلدية راشيا، وفي محيطها، وبين الصخور... في كل الارجاء.

ومع تسلل الظلام، شيئا فشيئا، بدأت نسائم باردة تلفح الوجوه، ورفع البرد القارس التحدي. لكن النار الجميلة التي اوقدت اضفت جوا من الدفء والسكينة، وخففت وحشة القمة وبردها. ودقت الساعة: المطران كفوري قرع الجرس، ايذانا ببدء صلاة غروب العيد. وتحلق حوله المؤمنون، واستمعوا الى الانجيل يخبر عن "تجلي الرب يسوع" في هذا المكان تحديدا قبل اكثر من ألفي عام.

والقى كفوري عظة قال فيها:

"نحن في جبل الشيخ، جبل حرمون، هذا الجبل له قدسية ورمزية خاصة بالنسبة الينا لانه، كما تقول الاناجيل، على قمة هذا الجبل حصل التجلي، تجلي الرب يسوع مع تلاميذه بطرس ويعقوب ويوحنا، وكان معه موسى وايليا. تجلّي ليبرهن انه رب الاحياء والاموات، وهو إله العهدين القديم والجديد(...)

هذه المناسبة ترتبط بواقعة التجلي التي اكدت الوهية السيد المسيح من على قمة هذا الجبل، على كل المنطقة، على فلسطين ولبنان وسوريا والاردن، وكأنه يربط السماء بالارض. وقد اتينا العام الماضي، للمرة الاولى، لنكرس هذا التقليد. والليلة نأتي للمرة الثانية، ليستمر هذا التقليد. ولنفرح بوجود احبائنا من كل المناطق".

وأزفّ إلى الناس بشرى هي اننا في صدد الحصول على ارض هنا من الدولة لبناء كنيسة، وقد حصلنا على الضوء الاخضر، ونعمل مع المسؤولين، بدءاً برئيس الجمهورية ميشال سليمان، من اجل تسجيل قطعة الارض باسم "كنيسة التجلي" التي تكون كنيسة لكل الناس، لتجمع الكل. وقد بدأت التبرعات منذ لحظة اعلاننا بأننا مزمعون على بناء كنيسة.

وعلى مقربة كانت تقف السيدة ميريلا هنري شيخاني من بكفيا، فتمنت ان تكون المتبرعة الاولى لبناء هذه الكنيسة، واصرت على ان اهلها واهل عائلتها من جبل الشيخ، والا لماذا هم من آل شيخاني؟".

وعما دفعها الى هنا، قالت: "يسوع دلني على الطريق، ولم يكن لدي علم بشيء، يسوع هو الذي دفع بي الى ان اكون معكم اليوم".

ساعات، سكن الناس القمة، سهروا، وتسامروا، وتبادلوا اطراف الحديث: بعضهم عقد حلقات دبكة، وآخرون استمتعوا بقليل من الراحة المطعمة بـ"كم نفس ارغيلة"، والمناقيش واللحم المشوي، وأرّخ بعضهم اوقاته السعيدة بالتقاط صور هنا وهناك. وعلى مقربة، تأهبت عناصر من الصليب الاحمر اللبناني وقوى الامن الداخلي.

وبقيت الاجواء على حرارتها... حتى الثالثة فجرا. في تلك الساعة، انطلق مجددا عدد من الناس الى المحطة الاخيرة، سيرا، متحدّين الظلمة وقساوة الدرب، وصولا الى القمة. هناك، وقفوا ينظرون الى البعيد البعيد، ينتظرون الشمس. وكان شروق مذهل.

وفي ضوء الصباح، جالوا في ارجاء القمة، متفقدين بقايا قصر شبيب الذي حولته قوات "الاندوف" المتمركزة هناك كقوات فصل بين سوريا واسرائيل منذ نيسان 1974 مركزا لها. المكان لا يزال يحمل آثار معركة تشرين 1973: هنا بقايا آليات عسكرية اسرائيلية، وهناك هيكل طوافة أسقطت خلال المعركة... لكن لا شيء سوى عظمة التجلي وصلابة القمة بقي في النفوس.

المطران كفوري مترئساً صلاة الغروب
المطران كفوري مترئساً صلاة الغروب


تعليقات: