«سمرا وأنا الحاصودي» وأخواتها يبعدن القدود عن حلب؟

علي الديك
علي الديك


لم تعد الأغنية الشعبية السورية متداولة فقط في منطقة الساحل السوري، بل امتدت مؤخراً لتخرق حصونا منيعة موسيقياً حتى كادت تحل مكان القدود الحلبية التي اشتهرت بها مدينة حلب وباتت تلقب بمدينة «القدود» تيمناً بها.

هي ظاهرة تبرز بوضوح يوماً بعد يوم. فبرغم أن الأعراس الحلبية مغلقة، بحيث توجد صالة مفتوحة للرجال وأخرى مغلقة للنساء، إلا أن كل فناني الحفلة باتوا يؤدون أغاني تنسب إلى مدينتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين السوريتين، بعكس ما كانت عليه الأمور سابقاً. بات الكل يستمع إلى هذه الأغاني، حتى إن بعض العرسان يشترطون قائمة بالأغاني التي سيؤديها الفنان، بحيث تكون مثلاً «دبكي ودبيكي وقرطاج / عيوش ويما غزيالي/ عيني العيني» متصدرة اللائحة، بينما تبدو أغان مثل «قدك المياس» وغيرها من الأغاني القديمة مستبعدة عن الطلب. وهذا ما يلاحظ في صالات الرجال حيث يكون المطرب مرئياً لهم، وصالات النساء أيضاً حيث يبقى المطرب محجوباً يتمركز في غرفة ملاصقة للصالة.

تبديل مواقع

برغم ان لا قسمة في الفن، يرى شعراء وملحنو الأغنية الشعبية الساحلية أن توجه الفنانين الحلبيين لأداء هذا النوع من الأغاني، هو دليل على انها ليست «درجة ثانية» بل تتضمن فناُ جميلاُ وفكرة منطقية ومغزى للقـصة التي تدور حولها الأغنية. هذا ما يشدد عليه الشـاعر ياسر زاده: « لقد ساهمت الأغنية الشعبية الســاحلية في إحياء التراث السوري، وخير مثال على ذلك، انتـشارها على مستوى الوطن العربي بأكمله». ولا يخفي الــشاعر زاده تخـوفه من وقوع فناني القدود في مطبات اللكنة الخاصة بالساحل السوري. في السياق ذاته يضيف الشاعر شادي ياسمين من مدينة اللاذقيــة، أنه «باتت الأغنية الشعبية الساحلية بمثابة جواز سفر للفنان السوري، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على مدى تأثيرها وتأثرها في الحياة الاجتماعية». يضيف: «لم يعد الفنان السوري وحده من يؤديها، بل هناك فنانون عرب معروفون يضمنون في ألحانهم مقاطع موسيقية تعود للأغنية الشعبية السورية».

تسابق إنتاجي

لا يقف التوجه هذا حالياً عند الاكتفاء بأداء الأغاني الشعبية الساحلية في حلب، بل إن فناني حلب أنفسهـم باتوا يتوجهون إلى إصدار أغان باللهجة المحلية الساحلية، كي يكـون في رصيدهم ألبومات خاصة. وقد كانت شركة «اللؤلؤة» الحلبية للإنتاج والتوزيع الفني السباقة في تصوير وإنـتاج أول فيديو كليب حلبي بلهجة ساحلية للمطرب ضياء وســوف. وفي حديث مع «السفير» أكد محمود خرَقي، المدير العام للشركة، ان المزيد من هذه الأغاني في طريقها إلى الظهور: «صحــيح أن فيــديو كليب «صغيرة عالدمع» باكورة أعمالنا لكــنه ليس الوحيد، حالياً تجري مباحثات لإنتاج أغان أخرى من النوع الغنائي نفسه سواء على مستوى سوريا أوغيرها من الدول العربية الأخرى، وذلك بعد النجاح الذي حصدته «سمرا وأنا الحاصودي»، و«عالصبحيات يا خي» وغيرها من الأغاني الشعبية» على حد تعبيره.

علماً ان كليب «صغيرة عالدمع» لم يستعن فقط باللهجة الساحلية، بل تم أيضاً تصوير أجزاء من السيناريو على الساحل السوري في ترجمة لطابع الأغنية، وهو خيار شدد عليه الفنان فايز أبو دان، بينما يقول المخرج المنفذ ياسين عدس انه حرص على إضفاء الطابع الحلبي على الأغنية أيضاً «كي لا تبدو ساحلية بامتياز»، وذلك من خلال التركيز على إبراز القيمة التاريخية والحضارية لمدينة حلب: «أبرزنا القلعة والمواقع السياحية والأثرية في حلب، إضافة إلى الرقصات الشعبية الفولكلورية التي يتميز بها أهالي المنطقة الساحلية كونها تناسب الأغنية» على حد تعبيره.

البعض يرى في ما يجري موجة عابرة لا تشكل تهديداً على القدود الحلبية ذات الإرث الأشهر والأعمــق محـلياً وعربياً، إلا ان هناك من يعتبر ان في الأمر ظاهرة تؤسس لتراجع مكانة القدود أمام «غزوة» موسيقية ساحلية آخذة في الانتشار أكثر وأكثر.

تعليقات: