حاكيت الحجر

صورة لطرف الخيام - جنوبي  منزل أبو حسين علي عبد الحسن مهدي
صورة لطرف الخيام - جنوبي منزل أبو حسين علي عبد الحسن مهدي


صدفة مررت من امامه، لم اشغل بالي به، لكن، ما ان ابتعدت عنه بضع خطوات حتى تملكني شعور خفيّ بالوقوف لاسمع من اعماق اعماقي سؤالاً يقول:

- هل تعرف شيئاً عن هذا الاثر الكوني المتحجّر؟؟

توقفّت، التفتّ، فكّرت... عدتُ مضطرباً الى حيث يجثم ذاك الحجر الكوني الهائل الحجم، والذي لم يشعر بوجودي وانا الواقف امامه اراقبه وأتأمله ملياً: هذا الموجود الأزلي العظيم في ماضيه، الكبير في اهميته، الذي أُعطي شهادة ميلاد كونية تجاوزت الزمن: جسدٌ أزلي متحجر هو رزنامة كونية سُجّلت فيها احداث واحداث، أرّخت لكل الازمان، ومن يدري ربما الى بدء النشأة الأولى لهذه الارض التي يجثم عليها هذا الجسم الهائل الشاهد على تعاقب الأيام ودورة الحياة...

أفكار وتأملات مرّت في خاطري وأنا واقف امامه أديم التأمل فيه تشدّني اليه أسئلة فلسفية عن وجوده ومكانه وتاريخه ومبتغاه، لكأنّ روحاً ساكنته هي الآن امامي، وكأني في حديث وحوار معها أسألها عن زمن ولادتها ونشأتها، عن أترابها من الكواكب والنيازك والمجرات وسائر المخلوقات، ترى هل استطيع ان اصف الحال التي انا فيها امام هذا التمثال الحجري المنتصب أمامي الآن!

هل استطيع ان اصف الشعور الذي يتملّكني الآن وأنا في ساعة ذهول أنصتُ الى ما يشبه ذبذبات صوتٍ خفيّ صادر عن روح هذا المخلوق الحجري الهائل القائل:

-أنا الروح الزمنية لهذا الشاهد الزمني... أنا النشأة الأولى... أنا الحياة الاولى... أنا البدء قبل تكوين البحار والانهار والمحيطات... أنا الشاهد على احداث الزمن وقوانين العصور والمجتمعات التي طوتها الدهور على هذه الارض التي قد تشهد ولادة عصور جديدة تختلف عمّا قبلها.

أيها المحدق بي، أيها السائل عني، المتأمل في تقاسيم جسدي العارية، باختصار: أنا الزمن المتجدّد الذي لا بداية له ولا نهاية لوجوده...

تلك هويتي التي تنبىء عن حقيقة أمري...

كل هذا الحديث وأنا لم ازل واقفاً امام هذا الشاهد الذي يحاكي روحي الواجمة المتسائلة المتمنية ان يتحجّر جسدي ليصبح جزءاً من هذا الكون الذي لا نهاية له، وليصبح هو الآخر شاهداً كحال من يحاكيه حاضناً لكل ما هو آتٍ وراحل، ومؤرخاً لكل ما سوف يحدث لهذا الجنس البشري الذي سمّم البيئة وشوّه الطبيعة، وازدرى ودمّر الحياة الانسانية وأحدث خللاً طال كل معالم الارض التي بدأت تستعدّ لولادة عصرٍ جديد بدأ يكوّن نفسه لتتغيّر معه كل مظاهر الحياة. ماسحاً كل الاحداث التي تعاقبت على هذه المعمورة في هذا الزمن الرديئ وهذه النشأة الزمنية التي نعيش آخر فصولها والتي لا بدّ واصلةٌ الى نهاية حتمية.

علي عبدالحسن مهدي 840087 /07

تعليقات: