جمر الأزمة السياسة يشتعل مجددا

في الخيام خلال الإنتخابات الأخيرة
في الخيام خلال الإنتخابات الأخيرة


شكلت نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية مفاجأة للموالاة قبل المعارضة، فهي لم تكن تتوقع أن تحصد 71 من أصل 128 مقعدا يشكلون المجلس النيابي اللبناني بينما تسيطر المعارضة على المقاعد الـ57 الباقية.

فظروف المعركة الانتخابية 2009 تختلف اختلافا كبيرا عن مجريات ومعطيات العملية الانتخابية في عام 2005 والتي فازت فيها قوى الرابع عشر من مارس بالأكثرية النيابية وحولت قوى 8 مارس إلى معارضة، ففي عام 2005 كان الناخب الأساسي هو دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري تحت شعار الاستقلال والسيادة التي أطلقت ثورة الأرز بوجه الوجود السوري في لبنان ورفع شعار استعادة القرار الوطني اللبناني. وكانت هذه الشعارات كافية لان تحدث انقلابا جذريا في الوسط الشعبي اللبناني تحوله إلى معسكرين سياسيين متضادين في الطروحات والرؤية. لكن في عام 2009 دخلت قوى 14 مارس أي الأكثرية النيابية الانتخابات وفي ذهن الكثيرين ولا سيما المعارضة أنها قوى مضعضعة متنافسة في ما بينها تعجز عن تشكيل اللوائح في بعض المناطق. كما أن الرافعة الأساسية لنصر 2005 أي دم الرئيس رفيق الحريري لم يعد في انتخابات 2009 محركا أساسيا للشارع وشد العصب. ونامت المعارضة على حرير الانتصار في الانتخابات مستندة إلى انتصار حرب يوليو 2006 وإلى المناخ الأقليمي الذي يتحدث ليلا ونهارا عن انهيار المشروع الأمريكي في المنطقة. ولم تكتف المعارضة بذلك وإنما ذهبت إلى تحديد ملامح المرحلة المقبلة المبنية على انتصارها.

المشكلة الأساسية التي وقعت فيها المعارضة هي الغرور والتعالي وعدم القراءة الصحيحة للواقع والمستجدات. فهي انطلقت والنصر دائما حليفها وإن زمن الهزائم قد ولى. ومن الطبيعي أن يقود هذا الخطاب الفوقي إلى الصدمة والخيبة.فبينما كانت المعارضة تنام في عسل ربح المعركة الانتخابية كانت الموالاة تجري مناورات انتخابية استطاعت فيها تحديد مكامن ضعفها والعمل على التغلب عليها.هذه الصورة المشهدية للانتخابات النيابية المخيبة للمعارضة أثقلها الخطاب السياسي لقادتها الذي اعتبر الطائفة السنية طائفة مغلقة لتيار المستقبل وقوى 14 مارس وعدم مراعاة الحساسية المفرطة من سلاح حزب الله على الصعيدين المسيحي والسني.وقد نجحت قوى 14 مارس في استثمار ذلك في التخويف من هذا السلاح داخليا وضرورة رفع شعار لبنان أولا لأن الكيان اللبناني في خطر الزوال.

على الرغم من أن المناسبة انتخابية وأن الضرورات فيها تبيح المحظورات إلا أن هذا المشهد يعكس انقساما لبنانيا حادا بلغ فيه التنافس الانتخابي توترا عاليا في ظل سباق محموم للسيطرة على البرلمان اللبناني وإعادة تشكيل النظام السياسي في لبنان. ومما زاد من الانقسام الوطني قانون الانتخاب الذي جرت على أساسه الانتخابات فقد اعتمد قانون صدر عام1960 أي منذ خمسة عقود تقريبا يعطي للاصطفاف الطائفي أرجحية على الاندماج الوطني ,وهو ما عارضته قوى سياسية لبنانية عديدة لكن الاتفاق عليه في الدوحة عام 2008 بين القوى اللبنانية بعد أحداث 7 مايو2008 جعل الكثيرين يسلمون به كأمر واقع وكما هو الحال في لبنان دائما تذكر على أية نقطة خلافية بعد الاتفاق عليها عبارة لمرة واحدة وأخيرة، لكن المرة لا تكون أخيرة ولا يصل اللبنانيون إلى اتفاق انتخابي ثابت.فالقانون الانتخابي في لبنان هو علة ومشكلة متجددة شأنه في ذلك شأن العجوزات في الموازنة العامة التي لم يجد اللبنانيون حلا لها كما أن الانتخابات الحالية جرت بخلاف انتخابات عام 2005 التي راوحت بين اعتماد المحافظة والقضاء دائرة انتخابية فيما قسمت العاصمة إلى ثلاث دوائر. في حين أنها جرت على أساس تحالف رباعي بين تيار المستقبل السني والحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي وحزب الله وحركة أمل الشعيين. وقد حصد تيار المستقبل أكثر من 35 نائبا وحزب الله وحركة أمل شكلا كتلتين نيابيتين كبيرتين وكذلك النائب وليد جنبلاط الذي ترأس كتلة مشكلة من 12 نائبا. فيما خيضت انتخابات 2009 بين تكتلين أساسيين 14 مارس و8 مارس مع انضمام الزعيم المسيحي العماد ميشال عون إلى فريق 8 مارس وأصبح العماد ميشال عون الذي يترأس تكتل الإصلاح والتغيير المؤلف من 21 نائبا في المجلس الحالي الذي تنتهي ولايته في العشرين من الشهر الحالي في صف المعارضة بعدما كان في انتخابات عام 2005 يقف في الوسط.

من الواضح أن انتخابات عام 2009 قد رسمت خريطة سياسية لها دلائلها ظهرت الانقسام اللبناني فإذا كانت الموالاة كما تقول المعارضة انها خاضت معركة حيادية لبنان عن الصراع العربي الإسرائيلي فان الغالبية تكون قد صوتت لذلك بينما المجموعة منحت صوتها لخيار الممانعة والمقاومة واستمرار اعتبار لبنان ساحة مواجهة مع إسرائيل ومع أمريكا وأن المعركة المقبلة داخل الحكومة وتحت قبة البرلمان ستكون على كيفية بلورة رؤية وطنية تقنن الصراع مع إسرائيل وان في طليعة ذلك مصير سلاح حزب الله واستمرار ازدواجية السلاحين في لبنان سلاح حزب الله وسلاح الجيش اللبناني.

ولهذا السبب برز قلق حزب الله بعيد الانتخابات والقول ان السلاح من مهمة الحوار الوطني الجاري حاليا. ويعتقد حزب الله ان حماية السلاح تتطلب ثلثا معطلا في الحكومة اطلق عليه حسن نصراالله ثلثا ضامنا لكي يضمن به عدم جنوح الأكثرية إلى اتخاذ قرارات مصيرية في هذا الصدد. وفي حقيقة الأمر أن الثلث المعطل هو حق النقض «الفيتو» وبه لا يمكن لأي قرار ان يمر دون توافق عام عليه. أي منع الأكثرية من بناء نظام سياسي يتوافق مع الأعراف او اللعبة الديمقراطية واعتبار أن الأكثرية النيابية أكثرية دفترية قيمتها معدومة. لأن من معيار المعارضة أن الأكثرية الشعبية هي الأساس ولهذا أطلق أمين عام حزب الله هذا المفهوم وقوله إن هناك أكثرية نيابية وأكثرية شعبية من خلال احتساب عدد المقترعين للوائح المعارضة مقابل المقترعين للوائح الموالاة علما بأن ذلك غير واقعي لأن القانون الانتخابي يمنح الفوز أحيانا لنائب في دائرة بآلاف الأصوات ولنائب آخر في دائرة أخرى بعشرات آلاف الأصوات والقول بأكثرية شعبية هو لفرض واقع على الموالاة في الحكومة وحفظ مكانة مؤثرة للمعارضة فيها. ويمكن القول وفق تصريحات أقطاب الأكثرية ان سلاح حزب الله متروك لطاولة الحوار لكنهم لن يكرروا تجربة حكومة الوحدة الوطنية التي كان فيها للمعارضة ثلث معطل وعلى هذا الأساس فإن لبنان لن يكون بمنأى عن أزمة جديدة يعيد اشتعال أزمة الخلاف السياسي وهذا ما سيواجهه لبنان اليوم من مشكلة معقدة لا يستطيع الخروج منها وإن تمكن من إيجاد تسوية للأزمة القائمة حاليا فإنها بالتأكيد تسوية مؤقتة على الطريقة اللبنانية التقليدية المعروفة التي تفور وتهدأ دون أن تخمد نهائيا.

في الخيام خلال الإنتخابات الأخيرة
في الخيام خلال الإنتخابات الأخيرة


تعليقات: