لماذا خسرت المعارضة؟!


خسرت المعارضة الانتخابات النيابية لكثير من الأسباب، لكن بعض هذه الأسباب يكفي. يقال: التدخل الخارجي والمال السياسي والإعلام والتخويف، إلى آخر الاعتراضات المعروفة. خسرت المعارضة لأعطاب أساسية في تكوينها وخطابها وممارستها.

قبلت المعارضة بقانون الستين، بل إن بعض أطرافها سعى إليه بقوة، وهذا القانون يكرّس الأرجحيات الطائفية والمذهبية في مناطقها. صار واضحاً منذ البدء أن كل جماعة ستخوض معركتها الخاصة على أرضها وداخل فريقها. طحنت العصبيات كل الأقليات السياسية التي كانت في خط المعارضة، مثلما كان الأمر أيضاً بالنسبة للأقليات الأخرى داخل مناطق نفوذ المعارضة المذهبي.

خلال السنوات الأربع التي انقسمت فيها البلاد بين معسكرين، كان فريق الموالاة متماسكاً متضامناً مفتوحاً على أوسع مكوّنات المجتمع اللبناني. عمل جدياً على توسيع مروحة تحالفاته وجذب إليه رموزاً وعناصر ساهمت في تلوين صورته، كما أطلق خطاباً أكثر قدرة على الاستقطاب. بصرف النظر عن مضمون هذا الخطاب وصدقيته، فقد تركز على مشروع الدولة والسيادة والحرية والاستقرار والازدهار الاقتصادي.

على جانب المعارضة لم تتكوّن جبهة سياسية واحدة بمشروع سياسي واحد. تمّ اختصار المعارضة بكتلتي «حزب الله» و«التيار الوطني الحر». ولم تظهر المعارضة لمرة واحدة بجميع أطيافها ومكوّناتها. ما هو خارج عن كتلتيها المذهبيتين لم يكن طرفاً فاعلاً في مشروعها وقراراتها وإدارة العملية السياسية. لم يكن كافياً أن يظهر هؤلاء في المناسبات السياسية كجمهور يتلقى ويستمع. لم تكن للمعارضة قيادة مشتركة لجميع أطرافها ولم يكن خطابها السياسي بالفعل خطاباً واحداً. إن الطرفين الرئيسيين أحرجا في كثير من المناسبات حلفاءهما عندما جنح الخطاب إلى التركيز على البُعد السلطوي والمذهبي والمصالح الفئوية وكذلك في بعض القرارات المهمة والمحطات الأساسية.

لقد طغى البُعد السلطوي في ممارسة المعارضة على البُعد الوطني والإصلاحي. شعارات المشاركة والثلث المعطل والجمهورية الثالثة وصلاحيات الرئاسة الأولى وتحرير هذه الجماعة أو تلك من وصاية الفريق الآخر والتركيز على مذهبية السلطة واللغة الاتهامية والفوقية والشطط في التعامل مع مشاعر الآخرين والاتجاه الإلغائي لبعض الفرقاء السياسيين، كل هذه راكمت عناصر النفور في أوساط فئات واسعة ومناطق متعددة. ولم تكن إدارة المعركة الانتخابية بحال أفضل.

لقد ظهر التعاون داخل فريق الموالاة بصورة أفضل والمشاركة بين مكوّناتها بصورة أفعل والانفتاح على قوى جديدة بصورة أوسع. أما المعارضة فقد سي

طر عليها العقل الحزبي والفئوي ولم تقدم صورة للوحدة والتكامل ولا التنوع ولا الانفتاح، وقد كان ضحاياها على هذا الصعيد قوى سياسية مهمة وشخصيات وطنية فاعلة ومميزة.

تركت المعارضة حلفاءها خارج المكوّنين الأساسيين يواجهون مصيرهم بأنفسهم في ظل المعطيات القاسية التي واجهتهم من عصبيات مذهبية ومال سياسي وتدخلات وتحالفات بعد أن خذلتهم أصلاً بقانون الانتخاب وساهمت في محاصرتهم بشعاراتها الأساسية حتى باتوا في وضع دفاعي في كثير من الأحيان.

خسرت المعارضة في الدوائر الانتخابية ذات اللون المذهبي الطاغي المغاير وفي الدوائر المختلطة التي فيها أرجحية لهذا اللون المذهبي الخاص. لكن الحقيقة هي أن حلفاء المعارضة هم الذين خسروا لأنهم لم يكونوا شركاء حقيقيين في معركتها ولم تتعامل معهم المعارضة كجزء أساسي من مشروعها. بصراحة تامة لم يكن ينقص المعارضة المال السياسي ولا الإعلام ولا حماسة الجمهور ولا التحالفات ولا سوى ذلك من أمور تفوّقت بها الموالاة. كان ينقص المعارضة المشروع والبرنامج والإدارة وكل ما يجعل منها معارضة وطنية بحق وليس مجرد تكتلات متجاورة لأهداف سلطوية بعضها يتعارض مع البعض الآخر أحياناً.

تعليقات: