في وداع شهدائنا من جنود «اليونيفيل»

في وداع شهدائنا من جنود «اليونيفيل»
في وداع شهدائنا من جنود «اليونيفيل»


فاض الحزن باللبنانيين وقد صدمتهم أخبار الجريمة الإرهابية المنظمة التي أودت بحياة مجموعة من جنود «اليونيفيل»، على الطريق إلى بلدة الخيام، قبيل مغيب الشمس، يوم الأحد الماضي.

لقد هزهم هذا الاعتداء المدبّر والمقصود على جنود شبان جاءوا من بلادهم الصديقة، برغم بعدِها (إسبانيا وكولومبيا)، لكي يسهموا مع الجيش اللبناني في توفير الأمان لهم في ما تبقى من بيوتهم في مدنهم وقراهم التي هدمتها الاعتداءات الإسرائيلية المفتوحة على لبنان منذ سنوات طويلة، وآخرها (؟!) الحرب التي شنها الجيش الإسرائيلي معززاً بالتأييد الأميركي المفتوح في 12 تموز من العام الماضي.

أحس اللبنانيون، فجأة، وكأن هذه الجريمة الإرهابية قد أسقطت حاجز الأمان النفسي الذي يشكّله وجود قوات «اليونيفيل»، التي يعرفون أنها لم تأتِ لتحارب، ولكن مجرد وجودها يدخل الطمأنينة إلى نفوسهم، ويشعرهم بأن العالم يهتم بأمنهم المهدد، خصوصاً وأن هذه القوات تنتمي بمجموعها إلى دول صديقة ما كانت لتقدم على مثل هذه التضحية لولا حرصها على سلامة وطنهم الصغير.

بل أن كثيراً من الآباء والأمهات في الخيام وسائر بلدات الجنوب وقراه قد عبّروا عن مشاعرهم الصادقة بكلمات طالما استخدموها في رثاء الشهداء من أبنائهم الذين سقطوا خلال غارات الطائرات الإسرائيلية أو نتيجة القصف المدفعي الذي لم يوفر معبداً أو ملجأ فضلاً عن المنازل. قال بعضهم: هؤلاء الجنود هم في منزلة جيشنا! وأجهش كهل في البكاء وهو يردد: إن كل جندي من هؤلاء الجنود كأنه واحد من أولادي! أما الأمهات اللواتي عشن مرارات الثكل فقد ذرفن الدموع سخينة، ورددن تعابير الندب واللوعة وكأنهن في مأتم عائلي!

كان المشهد في الخيام وجوارها خلال وداع الجنود الإسبان والكولومبيين مشابهاً إلى حد كبير لمشاهد تشييع الجنود اللبنانيين في الحرب الظالمة التي فرضها تنظيم إرهابي عليهم عبر مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين.

إن المعتدي واحد، حتى لو تعددت الأسماء التي لا يمكن أن تخفي الطابع الإرهابي، مهما تسترت بالشعار الإسلامي، الذي صار ـ مع الأسف ـ مجرد قناع لتمويه الهوية الحقيقية للقتلة وأهدافهم التي لا يمكن أن تخدم الدين الحنيف أو المؤمنين به...

والقصد الشرير واضح من خلال استهداف جنود جاءوا إلينا بطلبنا، وقد أوفدتهم دولهم الصديقة ليساهموا في ضمان أمن الجنوب الذي يتعرض للاعتداءات الإسرائيلية منذ أربعين عاماً على الأقل (الغارة الأولى على مطار بيروت الدولي وقعت في آخر أيام 1968 وأدت إلى تدمير 13 طائرة مدنية.. والاجتياح العسكري الأول في أيلول ,1972 ثم الاحتلال في ,1978 ثم الاجتياح الذي بلغ بيروت فاحتلها في العام .1982 ولم يخرج الاحتلال الإسرائيلي إلا بتضحيات المقاومة وبسالتها في العام .2000

لقد أضيف ستة إلى قائمة الشرف من الشهداء الذين قدموا أرواحهم من أجل سلامة لبنان، وجنوبه بوجه خاص. وهكذا ربطت أخوة الدم بين اللبنانيين والشهداء الآتين من إسبانيا وكولومبيا.

وبديهي أن اللبنانيين يشعرون بغامر الامتنان، قبل الحزن وبعده، للدول التي أوفدت جنودها ليكونوا معهم وبينهم... وهم قد رحّبوا بهؤلاء الجنود، وفتحوا لهم قلوبهم وبيوتهم مرحبين، وأخذوا يتعلمون لغاتهم ليسهل التفاهم كمدخل إلى الصداقة والود.. وربما إلى المصاهرات، وهي كثيرة ومتواصلة منذ 1978 وحتى اليوم!

إن اللبنانيين الذين يفتقدون الأمان نتيجة الأزمة السياسية الخانقة التي يتخبطون فيها، قد يختلفون حول أمور كثيرة، لكنهم في الحزن على شهداء «اليونيفيل» موحّدون: إنهم شهداؤنا، ولا نعرف كيف نرد لهم هذا الفضل العظيم إلا بأن نحفظ ذكراهم في قلوبنا، إلى جانب شهدائنا، من مجاهدي المقاومة وجنود الجيش، وأبناء الأرض رجالاً ونساءً وأطفالاً، نذكرهم في صلواتنا بامتنان عميق.

شكراً إسبانيا، شكراً كولومبيا، شكراً لكل ضابط وجندي جاء إلينا ليشاركنا حياتنا، بمخاطرها العديدة.

ولسوف نحفظ هؤلاء الشهداء إلى جانب شهدائنا في قلوبنا، وسنرفع صورهم في بيوتنا إلى جانب سائر الأعزاء من أبنائنا الذين أعطونا حياتهم لنواصل الحياة.

تعليقات: